إن حال بلدنا السودان صار يغني عن السؤال، وليس لأني محسوب على الحكومة والحاكمين، وليس نكاية في المعارضين، ولكن مسؤولية حال هذا البلد كل أهله فيه شركاء، ويتقدمهم في المسؤولية السياسيون الحاكمون والمعارضون، وقد تستوي مسؤولية المعارضين مع الحاكمين، ولن نعفي أنفسنا بصفتنا الإعلامية والصحافية من هذه المسؤولية الكبيرة.
وقد يقول قائل، عرفنا مسؤولية الحكومة، فكل راع مسؤول عن رعيته، فما هي مسؤولية المعارضة، وفي هذا السؤال تكمن الإجابة، إذ أن كثيرين لا ينظرون إلى المعارضة باعتبارها عملاً مسؤولاً، وهي عندهم مجرد مخالفة الحكومة، والعمل على كشف عوراتها، والسعي لإسقاطها، وفي هذه الإجابة تكمن مسؤولية المعارضة العظيمة، وهي في بعض الأحيان تفوق مسؤولية الحاكمين.
ومن أكبر أزمات الحكومة والحاكمين، أنهم في كثير من الأحيان يتصرفون بطريقة أكثر لاعبي الكرة السودانيين، فاللاعب السوداني عندما تأتيه الكرة في كثير من الأحيان لا يفكر قبل أن يتعامل معها، فتخرج منه كيفما اتفق، فلما تطيش في الهواء يتذكر أنه لم يستخدم دماغه في التفكير قبل التصرف، فيمسك رأسه ويتحسر، ساعة لا تنفع الحسرة والندم، وغداً ينطلق الدوري الممتاز بإذن الله تعالى، وحتماً ستتكرر مشاهد (مسك الرأس) بعد كل كرة طائشة، ولكن مشكلة الحاكمين عندنا، أنهم وبعد أن يتصرفوا بتلك الطريقة، وتضيع أشياء أكبر من كرة القدم، كما ضاع جنوب البلاد بسوء التصرف مع اتفاقية نيفاشا للسلام، التي كان من الممكن أن تكون أعظم إنجاز سوداني، ولكنها ــ وبسوء التصرفات ــ قادت إلى أسوأ نتيجة في تأريخ السودان، ومع ذلك لم يمسك أحد من السياسيين رأسه حسرة على ما فات، بل إن بعضهم ما زال يكابر، ويدعي غير الحقيقة، ويقود البلاد من خسارة إلى خسارة أخرى.
المعارضون ظل أكثرهم غائباً عن الوعي، تفوت عليهم فرص عدة، ويقعون في أخطاء قاتلة، توشك أن توردهم موارد الهلاك، ومع ذلك لا يتعظون، ولا يمسك أحد منهم رأسه، ولا يصوب أخطاءه، فيقع فيما هو أفظع منها.
صحافتنا ليست بريئة من ذلك، فكثيرون منا ينظرون للأشياء بمنظار الولاء السياسي، لا الانتماء الوطني، وشتان بين الولاء السياسي والانتماء الوطني، فيزينون في كثير من الأحيان الباطل ويدافعون عنه، وبعضنا ارتضى أن يقوم بدور الكومبارس، واللعب في الصفوف الخلفية، تاركاً الساحة إلى أنصاف المتعلمين الذين قذفت بهم أقدار الزمان وموازنات السياسة غير الموضوعية إلى مقدمة الصفوف، وهذه بعض الأسباب التي تجعل بلدنا (ما ماشة) أو (ماشة لي وراء).
صحيفة المشهد الآن
جمال عنقرة