* ولكنك درست بعطبرة؟ ــ نعم درست بعطبرة الثانوية، لأن والدي يعمل بالسكة حديد، وتوظف في شركة أسمنت عطبرة.
* متى دخلت حوش الإسلاميين؟ ــ كان ذلك في آخر عهدي بالجامعة، وكنت في الثانوية يسارياً لطبيعة ثقافة عطبرة في تلك الأيام.
* كيف كانت الحركة الإسلامية في تلك الايام؟ ــ كانت أشد سلفية في مظهرها ودعوتها، وكان المناخ عدائياً لاتجاه الإخوان مع الختمية والقادرية، وميول نميري الختمية ساعدت على تقيييد حركتنا، ومع ذلك كان ثمة حراك مثل علي عبد الرحمن نقابي يسار يقال له الشيخ الأحمر، وكان الختمية موالين لجمال عبد الناصر في خطابه الاشتراكي. * سجنت في مايو؟ ــ سجنت في دبك وأم درمان، ومكثت «22» شهراً مرة واحدة، وكنا «500» من الإخوان، ومن بينهم بابكر حنين والزبير أحمد الحسن وبكري سعيد وأحمد المجذوب، وعدد ضخم من الإخوان، فكنا إما معتقلون أو مهاجرون.
* هل حددت مسارك الحالي منذ أن كنت صغيراً؟ ــ «ده سؤال صعب جداً» ودي دعوة كبيرة، فلا بد من إنكار للذات حتى تستقيم الأمور، وهناك أمر يدعيه الجميع، والله أعلم بذلك.
* ولكن بعض الناس رسموا لحياتهم خطاً ومشوا فيه؟ ــ أصحاب الأفكار الكبيرة يفعلون هذا بصورة ما وبنوع ما، وأحياناً يتراجعون وأحياناً يتقدمون، وفي كبرياء وكرامة وثمة شعور برفض الهزيمة، وكل هذا إدعاء غريب. * كيف كانت حياة ذلك الزمن؟ ــ مشغولون بالشأن العام والخصوصيات قليلة، والطعام بسيط وكذلك السكن، فاذا لم نشتغل بما هو عام كنا سنعيش حياة بدون معنى، ولن نجد شيئاً نملأ به الوقت.
* هل كنتم تقرأون كتباً مهمة حول العالم؟ ــ جيلنا كله كان يقرأ لعدم وجود التلفزيون، وحتى الراديو الترانسستور محدود.
* وكنت يسارياً؟ ــ لا أريد أن أدخل في تلك التفاصيل، وذات مرة استدعاني أمن مايو لكي أقول في الحركة اليسارية العيوب، ورفضت باعتبار أن الشيوعيين تيار سوداني سياسي يملك الحرية في تقديراته، وليس جيداً أن نهزم فكرة بالبطش والقهر والتضييق، فالفكرة تقارع بالفكرة، وأرفض أن أكون مخبراً عنهم.
* أنت «أخو مسلم» ولديك رؤية مختلفة للتعامل مع الشيوعيين؟ ــ الشيوعيون سودانيون ولهم إيجابيات ضخمة على الشارع السوداني، ونهضت بحركة عالمية يمكن أن تكون من أهم حركات القرن الماضي، وفيها خطل كثير ولكن التزامها الصارم بالمستضعفين في الأرض جعل لها أنصاراً خلصاء على مر التاريخ.
* هل أثرت الحركة الشيوعية في المسلمين والإسلاميين في السودان؟ ــ أثرت في الحركة الاسلامية ودعمت كثيراً من رؤانا في إدارة المجتمع، انظر للاشتراكيين الإسلاميين بابكر كرار، وجبهة الميثاق استفادت من النزعة الاشتراكية في الأبعاد التعاونية، كما تأثر الصادق المهدي بالحركة النقابية الاشتراكية، وتأثر الاتحاديون بالناصرية الاشتراكية، ويوجد تيار متطرف نحو الاشتراكية بقيادة عبد الله نقد الله.
* وهل تأثرت الحياة العامة من حيث أنها داعٍ قديم لنصرة الفقراء السودانيين، وهم بالطبع أغلبية؟ ــ الاشتراكية العامة تجربة نشطة وفاعلة ومؤثرة وتمثل أكبر الجواذب الفكرية للشباب المثاليين. * هل تعلمت أشياء جديدة مفارقة لما تعتقد وتعرف سابقاً؟ ــ أنا تعملت الكثير مع مضي الوقت، وهذا طبيعي لأن الدنيا كده مدافعة وتفاهم.
* لقد أصبحت الحركة الإسلامية ضعيفة بعد تجربتها في الحكم؟ ــ لم يحصل لها ذبول، بل هى نامية، وإلا كيف يأتي الناس لزهرة ذابلة، ولدينا «008» ألف عضو نشط و «55» ألفاً حضروا مؤتمراتها.
* والخلاف يعصف بها؟ ــ هذه ليست حالة مرضية بل حالة صحية، والمشكلة أن بعض الشباب الناهضين يعتقدون في إقامة دولة «عمر بن عبد العزيز»، وهى صورة مجلوة تماماً وسيرة ساطعة، وقد حكم ببني أمية أنفسهم وبعد مماته رجعوا لسيرتهم الأولى. * صفر الإنقاذ كبير ولا أحد يغالط فيه؟ ــ ذاكرة الناس ضعيفة، لأنهم ينسون من يحمل السلاح نهاراً بالخرطوم لحماية نفسه.
* وفصلتم الجنوب؟ ــ الجنوب لم يكن جزءاً من مجتمع السودان إلا من خلال معسكرات النازحين وأفراد الجيش، وما حدث انفصال سياسي لا يلغي الاتحاد الطوعي، وأى شيء ورد في اتفاقية السلام المعارضة، وكل الطيف السياسي مسؤول عنها، لأنه تمت مشاورتهم في كل التفاصيل، وقد رحبوا بها، ويكذب من يقول لم نشارك فيها.
* حتى الحدود ثمة تساهل فيها؟ ــ منحنا الجنوب ستثناءً كحواجز للوحدة لكنها لم تنجح.. ما الذي سنفعله؟ * ومازالت الحروب مستمرة في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان؟ ــ كلها أشعلتها الحركة الشعبية، وناس مني أركو وأبو القاسم جزء من الحركة الشعبية، وكانوا جزءاً من حركة تحرير السودان وسحبوا الشعبية ودارفور، أما حركة العدل والمساواة فهى حركة انشأها المؤتمر الشعبي، وكلها ليست حركات اجتماعية أو سياسية.
* آثار الحركة الإسلامية الحاكمة ضيئلة جداً على المجتمع؟ ــ لا يوجد فكر سياسي حاكم غير الحركة الإسلامية، انظر للتعليم لم يقم على رؤية طه القرشي.
ً* تتحدث عن فكر الحركة الإسلامية الحاكمة وأغلبية الشعب فقراء؟ ــ الاقتصاد يتقدم بسرعة، وكل شيء مدعوم بالأرقام.. الاقتصاد الحقيقي لا الاقتصاد الحكومي، والنتيجة بالأرقام الدولية (imf) وأمشي شوف الإنتاج المحلي وحجم الاقتصاد الكفائي، ويمكن أى واحد يناقش الكليات العامة مثل تراجع الجنيه، ولكن شيئاً ما على الأرض ينمو ويتطور. * هل تغالط في مستويات الفقر؟ ــ أنت تدعي ونحن عشنا الماضي، ونحنا أولاد موظفين نعرف كنا نأكل كيف ونلبس شنو، والفقر ليس شيئاً ثابتاً، هناك فقر حرمان وفقر كفاف، والغالبية من النوع الأول الحلم بالثلاجة والسيارة والبيت.
* معقول في فقرين؟ ــ إنت قائلنا قاعدين في مكاتبنا وما عندنا أهل فقراء نزورهم، أمشي أمبدة دي وشوف الفقر فقد حرمان أم لا.
* أمبدة ليس من الأحياء الفقيرة، أذهب للجخيص سترى ما نقصد؟ ــ مشيت وشفت، أمشي انت ستجد الثلاجة شغالة بالبطارية، ده زول بيحاول يطور نفسو ويقوم بتحسين حياته، وما تقوله هو نزعة مثقفاتية يتاجرون بها أمام المحافل الدولية والاقليمية. * نأتي للحركة الاسلامية إيه رأيك في مذكرة الألف؟ ــ هم ليسوا ألفاً بل أكثر، ونقول نصف مليون يعني إيه مع عضوية الحركة الإسلامية، والناس المحتجون أكثر بكثير.
* الناس يحترمون أمين حسن عمر في المنتدي الفقهي أكثر منه أمين السياسي.. ما رأيك؟ ــ إذا كان ذلك نصحاً جزاك الله خيراً، ولعلمك أنا في الوزارة لا يؤثر فيَّ أى منصب، وأقول ما اعتقد على الدوام، وإرضاء معظم الناس غير ضروري.
* استحقاقات الترابي واضحة عليكم في الحركة الإسلامية؟ ــ ما دام جبت الموضوع كده اقول لك إن كل إنسان مفكر بطبيعة الحال من الناس العاديين، ويكون له أثره الضخم على الناس من حوله، مثل الشيخ البرعي، ولا ترى أحداً يقول المفكر بل الشيخ البرعي. * يقال إنك خليفة الترابي في طريقة التفكير؟ ــ لا أحد يخلف الآخر هكذا مثل الجلوس على كرسي، والترابي له أثر كبير على أى واحد في الحركة الإسلامية، فكلهم تلاميذه وأنا واحد منهم، وتعلمنا منه العادات الحسنة مع السيئة.
* أنت خليفته في التفكير؟ ــ الفكرة نفسها لا تروقني.
* إذن قل ملاحظاتك في مؤتمر الحركة الإسلامية الثامن؟ ــ أنا أعلن كل يوم ملاحظاتي، والحركة الإسلامية ليست كعبة، وإذا خرجت منها بقناعات فلن أندم مهما حدث، وهى بالنسبة لي مثل جسر أعبر به «لا غير» وهى مدرسة وليست شيئاً مقدساً، ولن نكفر إذا خرجنا من الحركة الإسلامية. * ما هو رأيك في مؤتمر الحركة الإسلامية؟ ــ من أنجح المؤتمرات التي شهدتها منذ عام 78م وأنا عضو في مكتبها القيادي، انظر عن كثب وليس الأشياء بالظن.
* ما حدث في قاعة الصداقة شيء مختلف عما تقوله؟ ــ لا يهم ما حصل في قاعة الصداقة، والمهم ماذا حدث في الـ «21» ألف مؤتمر في المحليات والمحافظات، وكل الأخطاء في شمال كردفان وولاية الخرطوم، وهذا دليل عافية وصحة.
* لدكتور غازي صلاح الدين رأى آخر؟ ــ غازي أخطأ في فهمه للأمور هذه المرة، وطبعاً في تكتلات، وغازي صديق لصيق منذ سنوات، وعملنا معاً لمحاربة هذه الظواهر داخل الحركة، وكانت أسوأ من ذلك بكثير. * تبدو حجته حول المجلس القيادي وجيهة بعض الشيء؟ ــ حجته ضعيفة، لأن المجلس القيادي مجلس تنسيقي فقط، ويساعد الأمين العام على أداء مهامه بصورة جيدة.
* لماذا لم يتم تسجيل الحركة الإسلامية رسمياً وفقاً للقانون؟ ــ نحنا مثل الأنصار والختمية، هل هؤلاء مسجلون عند أية جهة قانونية.
* هؤلاء طوائف هل أنتم مثلهم؟ ــ نحنا في موضوع التسجيل زيهم تيار اجتماعي ثقافي فكري، وإذا أردنا إقامة ندوة أو محاضرة نستخدم لافتة مناسبة، وقد تمددنا في المجتمع والمجتمع السياسي، لدرجة أن رئيس المعارضة الرسمية عمل محافظاً في بحري.
حوار: محمد الفاتح
صحيفة الصحافة [/JUSTIFY]
مقالات ذات صلة
-
-
-
-
-
-
-
-
