واجب عزاء في فقدان (22) من ابنائهم .. قتلتهم الحركة الشعبية

[JUSTIFY]اسعدتنا الظروف بأن نقوم بزيارة »ميدانية« إلى (أولاد حميد) لثلاثة أيام في ديارهم لتقديم التعازي في فقدان اثنين وعشرين من شهدائهم الذين قتلتهم الحركة الشعبية بعد العنف الذي كان سببه الاستيلاء على قوافل الصمغ العربي والجناين التي توجد على بعد أكثر من ستة عشر كيلومتراً جنوب حدود ستة وخمسين داخل الأراضي السودانية. وكنا في معية رجال أولاد حميد ومن أشهرهم صديقنا غريق كمبال نائب رئيس اتحاد المزارعين والعمدة الطاهر وممثلو جمعيات إنتاج الصمغ العربي وأخونا صالح عساكر مندوب الدائرة والعمد والمشايخ من العرب الرحل بالمنطقة.. وعلى الرغم من أن الزيارة كانت بغرض التعازي إلا أنها كانت فرصة للمرور على المناطق الحدودية والتي ظلت الحركة الشعبية وكذلك الحركات المتفلتة والمناوئة لها من الجنوبيين يجدون فيها موقعاً ملائماً لنهب الأكل والشرب والماشية والمزروعات، ويقول صديقنا »محمد الحاج« ويبدو أنه أكثر من غيره افتخاراً بانحداره من أولاد حميد بأن قبيلتهم كبيرة بالدرجة التي تضم ناس »الحميدي« في شمال السودان..

وربما ناس الحمدي في اليمن وقبائل في ليبيا، بل إنه يعتقد أننا »الجعليين« جزء منهم »نسونا« عندما جاء جدهم .. وغريق كمبال يقول إن الحميدية يُطلق عليهم لقب »النحلة الغِبِيشة« وهي نوع من النحل على الرغم من لونه الاغيبش إلاّ أن له قرصة موجعة ومشهور بالهجوم المتكرر والكثيف.. على أنني أعترف لهم بكرم الضيافة وحسن التعامل و»الرجالة« يطغى على صفات الحميدية.. ومثال بسيط أسوقه يوم أن كنا ضيوفاً على النائب صالح عساكر في منزله وحلف علينا بالطلاق »وضبح« الخروف على رغم ظروف حالة الحرب والتوتر الحدودي إضافة إلى جداد الوادي بالعشرات.. وكنا قبله قد تمت استضافتنا لغداء في دار التعزية ثم عشاء أول في دار عزاء ثان وعشاء ثالث في موقع آخر ثم العشاء الأخير مع صالح »يعني عشاء كل ساعتين« وعندما أصبح الصباح كان هناك أكثر من عشرين شخصاً يحملون الشاي ويجلسون بيننا وكان من نصيبي عشر كبايات شربت منها ثمانية و»زغت« من اثنتين وشاهدت أمرأة تأتي »حاملة عدة الشاي« نيابة عن زوجها الغائب.

وأهلكم أولاد حميد يعتقدون أنهم يقومون على إحدى ثغور البلاد ولن يتزحزحوا عن منطقتهم إلا إذا تزحزحت الجبال قبلهم في تلك المنطقة.. هم فقط يطلبون تسليحا كافياً من الحكومة أو جيشاً يقومون بمساندته وهم بخبرتهم الطويلة والجوار المتصل لمئات السنوات مع الجنوبيين من سكان تلك المنطقة خبروهم حرباً وسلماً.. وكثير من السياسيين الشلك ومن بينهم باقان أموم وأبوه العمدة أموم قد عاشوا في مناطق عرب أولاد حميد حتى إن بعضهم قد تم ختانه في منازل العمد والشيوخ..

وأولاد حميد على الرغم من طبيعتهم الرعوية وتربيتهم للأبقار والضأن ورحلاتهم المتكررة شمالاً وجنوباً فهم جنانة ودندارة.. والدنداري هو الرجل الذي يفلح الغابة ويرعى شؤون الشجرة خاصة الصمغ العربي.. وكل أولاد حميد دندارة تقريباً واشتُهروا بأنهم الرافد والداعم لشركة الصمغ العربي في عهود ازدهارها.. وبهذه المناسبة فإن كلمة دنداري جاءت من اللغة اليونانية والتي كانت سائدة في عهد دولة مروي السودانية ويتم التحدث بها.. وداندرون باليونانية »Danderon« معناها غابة ومعناها رجل الغابات ولعل كلمة الدندر نفسها جاءت تحمل هذه المفاهيم.. ومن حسن الصدف أن يصل الوفد الفني العامل في مجال دراسات السدود والحظائر في نفس يوم وصولنا ويشرع في أمر إقامة مواقع المياه والسدود اللازمة لاستقرار أهلنا في المنطقة ومن بينهم عيال حميد وبقية القبائل المتنقلة..

ولعلنا مرة أخرى نذكر الإخوة في النهضة الزراعية وعلى رأسهم الباشمهندس عبد الجبار حسين بضرورة زيادة جهودهم المبذولة أصلاً في إقامة نقاط المياه على طول الحدود الجنوبية حتى تكون سوراً معنوياً ومادياً عازلاً بيننا وبين دولة الجنوب.. ونطلب من الأخ أسامة عبد الله وزير السدود والكهرباء إكمال البرنامج الذي بدأوه في نفس الاتجاه بتوفير نقاط المياه وفقاً للفكرة الطموحة التي تشمل الحدود الجنوبية لحزام الصمغ العربي من حدود إثيوبيا شرقاً وحتى حدود تشاد غرباً..

{ كسرة

بعض المهربين حاولوا تجهيز خمسين شاحنة ثم أضافوا إليها (22) شاحنة أخرى وملاؤها بالبضائع وتهريبها إلى الجنوب الأسبوع الماضي بعد أن استخرجوا لها أوراقاً مضروبة تقول إنها متوجهة إلى ولاية أخرى ومدينة سودانية والحمد لله قبضت عليها السلطات وبعد ذلك بيومين تم القبض على اثنتين وعشرين شاحنة أخرى محمَّلة بالبضائع والوقود لتهريبها إلى الجنوب.. ويحدث ذلك مع كل الكواريك والطلبات و»الحناسة« للمشتغلين بأعمال التهريب وقلنا لهم إن التهريب ممنوع وإن الدولة قد أصدرت تعليمات صارمة بمنع هذه الأعمال. هذا غير أننا قلنا لهم إن الجنوبيين يعملون على خداعكم بالعملات المزورة والدولار المزيف وفي كثير من الأحيان يستولون على البضائع والشاحنات من دون أن يدفعوا قيمتها لأنهم يعتقدون أنهم حتى الآن متمردون علينا ولم يدخل في عقولهم أن لهم دولة تحتاج منهم إلى الرعاية وبالطبع لن يهتم الدينكا بالشلك والنوير والمورلي والزاندي وغيرهم من القبائل الجنوبية الأخرى.. والآن على القائمين بأمر التهريب أن يتذكروا أن هناك أمراً صادراً عن الجهات العليا في خصوص التهريب يقول »شوت تو كل« وعلى المهربين أن يبحثوا عن الترجمة الحرفية لهذه الجملة وعليهم أن يتحملوا نتيجة ما يقومون به من خيانة.. لأنه يبدو هذه المرة أن المهربين سيتم تلقينهم درساً لن ينسوه..

صحيفة الإنتباهة
د. عبد الماجد عبد القادر

[/JUSTIFY]
Exit mobile version