لا ننكر أننا هللنا لهذه الإتفاقيّة التي كنا نظنها ” خيّر ” لاننا إكتوينا بنار الحرب التي أكلت الأخضر واليابس وراح ضحيتها خيار من خيّار شباب السودان الأنقياء الأتقياء ، فقلنا إن كانت هذه ” التنازلات ” ستفضي للسلام ، فالسلام مهره غالٍِ ويستحق ” التضحيات ” مقابل أن ينعم هذا الشعب بالإستقرار ويرتاح من قعقة السلاح ، ويلتفت إلى التنميّة والإعمار .
ولكن .. ومع كل أسف ذهبت آمالنا تذروها الرياح ، فلم نحافظ على وحدة بلادنا كما لم نستطع إيقاف الحرب ، مما يؤكد أن نيفاشا كانت ” ورطة ” كبيرة و ” فخ ” نٌصب بإتقان ، فبعد أن كان التمرد لايحلم أن يبقى ” بتوريت ” أصبح يتطلع إلى مدن في الشمال كانت تسمع عن الحرب من وكالات الأنباء وكأنها بعيدة عنها كبعدها عن ” الكاريبي ” .
علينا أن نعترف أن نيفاشا برهنت أنها أكبر ” نكبة ” في تاريخ السودان الحديث بعد الإستعمار ، ومع الأسف فإن المستقبل أو الحاضر لايبشر بسلام في ظل حكم الحركة الشعبيّة الحالي ، بل قد يزداد الطينة بله بعد أن منحناهم دولة ذات” سيادة ” يمرحون ويعربدون ويتآمرون فيها مع أعدائنا وأولهم إسرائيل دون أن نقول ( بغم ) !
فحكام جوبا الحاليين لن يستطعوا أن يتعاملوا وفق الحفاظ على مصالحهم ، لأنهم لاينظرون لمستقبلهم ” بعيونهم ” وإنما بعيون أخرى تخطط وتتحرك من خلف الأحداث !
لقد أصيب وفد الحكومة المفاوض في نيفاشا بغشاوة غطت أعينهم وحسابات خاطئة كانت متوقعة وهم يوقعون مع أمثال هؤلاء على تقرير المصيّر مع علمنا أن تقرير مصيّرهم ليس بأيديهم . وقد تكون هناك ” متغيرات ” حدثت مما ساهمت في تحويل نيفاشا إلى ” ورطة ” حقيقية وأهمها غياب كاريزما مهمة وطرف ” قوي ” في الحوار وهو د . قرنق ، وإن كنا لانجزم بالتنبوء على ” خير ” في وجوده ( فالحركة ملة واحدة ) ، ولكن قطعاً كان ممسكاً ” على الاقل ” ، بكل خيوط اللعبة في أوساط الحركة الشعبيّة والتي ” تفلتت ” من خلفه سلفاكير مما جعل من كلام الليل يمحوه النهار ، بسبب صراعات داخلية مع خصومه علاوة على ضغوطات حلفائه !!
و ننفذ الى مايسمى برتوكول ” المناطق الثلاث ” جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وأبيي ، وكأننا لم نتعظ من قبل ونحن ننوي التفاوض مع آخرين ” لايملكون قرارهم ” لنتفاوض معهم على أجزاء أخرى من ربوع هذا الوطن الحبيب .
لقد كان ” شيطان نيفاشا ” الذي غرسه الأمريكي ” دانفورث ” كامناً في ” التنفيذ ” وليس بالتفاصيل فحسب ! وأصبحنا الآن نتجرع السم الذي كان مدسوساً في ” الدسم ” من مماطلة الحركة الشعبيّة في تنفيذ أي بند يليها قد يفضي لمصلحة السودان ، وأصبحت ” تتولد ” من نيفاشا كل مرة نيفاشا أخرى مثل مايسمى ” ببرتوكول التعاون ” الذي لم يجف حبره بعد ، حتى ضربت به الحركة الشعبية ” عرض الحائط ” وكانك يازيد ماغزيت !!
وبرغم اتفاق الطرفان بشأن الترتيبات الأمنية على فك الارتباط بين الحركة الشعبية بجنوب السودان والفرقتين التاسعة والعاشرة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، و إنشاء منطقة منزوعة السلاح على الحدود بين البلدين وتنفيذ بروتوكول أبيي الموقع بين الطرفين في نوفمبر 2011. رغم هذه ” الاتفاقيات ” إلا أننا نرى الحركة الشعبيّة تعمل ” ضد ” ما اتفق عليه تماماً وقد أعلن سلفاكير اليوم بنشر قواته على الحدود إستعداداً لهجمات متوقعة علاوة على عدم إنسحابه من منطقة واحدة من المناطق المتفق عليها !! بل يهدد مناطق جديدة في الشمال !!
” لن نبكي على اللبن المسكوب ” ولكن نصيحتنا للحكومة أن تقنع من خيراً يرتجى في حكام جوبا الحاليين ، وان ” ننسى ” هذه الخرابيط والوهم من الإتفاقيات التي أصبحت لاتسمن ولاتغني من جوع ، فحسناً فعلت الدولة بإخراج نفط الجنوب من ميزانيتها ، وعليها أيضاً أن تعد عدتها وعتادها لحماية حدودها وتستعد ” للأسوأ ” حتى لانفاجأ على حين غرة كما حدث في ” هجليج ” فإن لم تأتي الحركة ” صاغرة ” لاتذهبوا لها ” البتة ” ، وإن كان المجتمع الدولي حريصاً على إستقرار السودان فاليمارس ضغوطه عليهم أولاً لتنفيذ ما يليهم من إلتزامات !
ونؤكد مالم يتغير النظام الحاكم في جوبا بقيادة الحركة الشعبية ، لن تلوح أي بارقة أمل أن ينعم السودان بسلام مع شعب جنوب السودان المغلوب على أمره ، فالحركة الشعبية لاتتحرك وفق ” مصالح شعبها ” بل تدور في مصلحة دول عميلة تسدد لها مستحقات مطلوبة منها !
المهم أن نعتبر من أخطائنا في ” نيفاشا ” في أي حوار قادم أضطررنا إليه مع مايسمى ” بقطاع الشمال ” ونفكر في المستقبل مستصحبين عِبر الماضي لكي ” لانتورط ” في مستنقع آخر ، وكما يقول المثل ( الجفلن خلهن أقرع الواقفات ) ، والتاريخ لن يرحم ولايسامح .
فأزماتنا التي نعيشها اليوم معظمها من نتائج وأعراض ” ورطة نيفاشا ” وعلينا أن نقارن كيف كان حال السودان ماقبل ومابعد نيفاشا ، ولنقارن مابين ” نسب ” النمو في الإقتصاد سابقاً وحاضراً !
علينا أن نرسل رسالة واضحة لحكام جوبا وللمجتمع الدولي ونقول بشجاعة ” ماعندنا ليكم حاجه ” أكثر ما قدمنا بل ولم تبقى أصلاً ” حاجة ” لنقدمها ، حتى لا ننغمس في الوحل أكثر وأكثر ، وتكفينا ” ورطة نيفاشا ” ، فنوايا حكومة الجنوب ” ليست صادقة ” تجاهنا وهذا ما يتأكد ويتكشّف كل يوم ،{ أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون} . والمؤمن لايلدغ من جحرٍ مرتين !!
أ . محمد الطاهر العيسابي
كاتب صحفي ـ و مّدون
النيلين