مدرسة جون قرنق الإسلامية التذكارية

حدّثنا التاريخ عن أن كلية غردون التذكارية التي أنشأتها عام (1902م) في الخرطوم سلطات الاحتلال البريطاني في عهد ثاني حاكم بريطاني هو ونجت باشا كانت على مدى نصف قرن تقريباً وهي تحمل هذا الاسم تستوعب طلاباً مسلمين فقط من شمال السودان، ولم يلتحق بها من أبناء الجنوب أحد إلا في العام (1947م) وكانوا أربعة طلاب.. فقد كانت تسمية الكلية بغردون الذي قتله أنصار المهدي نكاية للدولة المهدية التي سقطت بواسطة قوات الاحتلال و«الطابور الخامس» المشكل من بعض أبناء المسلمين السودانيين. تخيّل أن الكلية الجامعة بالخرطوم كانت تسمى «غردون التذكارية» وكان الجنوبيون محرومون من الدراسة فيها لخمسة وأربعين عاماً. لكن ما مناسبة هذه المقدمة؟! المناسبة هي أن المجلس الإسلامي بدولة جنوب السودان في سياق استنجاده بسوار الذهب رئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية لاسترجاع أوقاف إسلامية تعدّت عليها الحركة الشعبية الحاكمة هناك، في هذا السياق ناشد سوار الذهب ببناء مدرسة إسلامية تذكارية تحمل اسم جون قرنق «مؤسس الحركة الشعبية التي صادرت الأوقاف الإسلامية». وإذا رُفعت لافتة فوق المدرسة مكتوب عليها مدرسة جون قرنق الإسلامية التذكارية أو «القرآنية التذكارية» فإن السلطات يمكن أن تصادرها باعتبار أنها تحمل اسم قرنق، وتزيل بعد ذلك تسمية «إسلامية أو قرآنية».. وتضاف إلى قائمة الأوقاف الإسلامية المصادرة. لكن السؤال لماذا يناشد الأمين العام للمجلس الإسلامي بجنوب السودان الفريق الطاهر بيور أجانق يناشد سوار الذهب ببناء مدرسة إسلامية تذكارية تحمل اسم مؤسس الحركة الشعبية؟!. وإذا سرق اللصوص ممتلكات الناس فلماذا تحمل منشآت هؤلاء الناس اسم «علي بابا»؟! هل يريد المجلس الإسلامي أن يحمي حقوق المسلمين في دولة الحركة الشعبية بالتمللُّق لها؟! إن المسلمين في شمال السودان الذين درسوا في كلية غردون لم يختاروا هذا الاسم، فقد فرضته سلطات الاحتلال البريطاني. فلماذا يختار المجلس الإسلامي تسمية مدرسة إسلامية باسم شخصية حاربت الشماليين باعتبارهم مسلمون ورفعت شعار «لا للعروبة ولا للإسلام في السودان». وكانت الحركة الشعبية أيام التمرد تتحدث عن الجالية الإسلامية في السودان وتقصد شعب شمال السودان قبل انفصال الجنوب. وإذا افترضنا أن سلطات الحركة الشعبية سمحت ببناء مدرسة إسلامية هل من اللائق أن تحمل اسم عدو الإسلام جون قرنق؟! إن أكثر ما كرهه جون قرنق في حياته هو الإسلام. لكن يبدو أن السيد الفريق الطاهر بيونق أجانق يريد أن يضمن السماح ببناء مدرسة إسلامية في دولة الجنوب كما أن مدارس كمبوني تملأ وسط الخرطوم رغم أن الصليبيين أقلية هنا. ومعلوم أن في الجنوب نسبة المسلمين أعلى من نسبة الصليبيين في الجنوب (ستون بالمائة وثنيون وثلاثة وعشرون بالمائة) مسلمون، وسبعة عشر بالمائة صليبيون. ومعلوم أن الإسلام دخل إلى جنوب السودان قبل الكنيسة البريطانية التي دخلت إليه على أكتاف الاحتلال البريطاني بعد سقوط المهدية.
أما حديث الحركة الشعبية عن دولة كوش فهي موجودة في السودان قبل أن تهبط قبيلة مؤسس الحركة الشعبية من الهضبة الإثيوبية إلى أرض دول كوش السودان حالياً. لذلك لم يكن يحق له أن يتباهى بها. وإذا كانت بريطانيا قد قفلت جنوب السودان في عشرينيات القرن الماضي لتتسبب بذلك في فصله الآن ويبدأ تاريخه الثقافي منذ قفله. فإن تاريخ السودان قد بدأ منذ دخول سيدنا عبد الله بن أبي السرح في عهد سيدنا عثمان قبل ألف وأربعمائة عام. John Garang sitting

خالد حسن كسلا
صحيفة الانتباهة

Exit mobile version