(أغاني وأغاني).. إيقاف وإلغاء كمال عبيد ..!!

(3.5 (أغاني وأغاني).. إيقاف وإلغاء كمال عبيد ..!!
** عبد الخير لم يكن من أعيان القرية، ولكن تصرفاته في أعراس الأهل وضعته في قائمة مشاهير القرى النوبية.. كان انطوائيا و مغموراً بحيث لا ترد سيرته في اجتماعات المشروع الزراعي والجمعية التعاونية، ولكن حين يكون هناك عرساً كان عبد الخير يبدأ في تغيير شخصيته ليتذكره الناس..يذهب إلى طرف القرية ويتجرع كؤوساً تفقده الوعي، ويعود إلى منزله ويقف تحت حبل الغسيل ليرتدي العراقي والسروال الطويل والطاقية الحمراء، ويمر بدكان عم عوض ليشتري – بالدين – علبة برنجي، ثم يتوجه إلى بيت العرس بلسان حال قائل: يا دنيا ما فيك غيري.. كان يرهق نفسه في بيوت الأعراس بحيث لايخرج من دائرة الحفل ولا لحظة رغم رجاءات الشباب..وبين الحين والآخر يغير وضع طاقيته الحمراء بحيث يضعها تارة فوق الحاجب الأيمن ثم يلفها ويضعها فوق الحاجب الأيسر..ويشعل سيجارة وقبل أن يحترق نصفها يرميها ليشعل سيجارة أخرى، ويرفع يده ويهزها بقوة لا ليبشر للعريس فحسب، بل لترى حسان القرية سكينته المربوطة في ضراعه..سألت شقيقي الأكبر ذات يوم ببراءة الأطفال: (عبد الخير ده بيبهدل نفسو كده ليه ؟)، فصححنى بسخرية قائلاً: (لا ما بيبهدل روحو، ده بيثبت ذاتو)..فسألته عن معنى (إثبات الذات) ولم يجبني، ربما لأن ضجيج الحفل كان صاخباً ..!!
** لاحقاً عرفت معنى (إثبات الذات)، وكذلك عرفت بأن المرء يمكن أن يثبت ذاته في سوح النجاح بأفكار نيرة وأعمال جليلة، ويمكنه أيضاً أن يثبت ذاته في سوح (الفارغة والمقدودة)، كما عبد الخير.. وزارة إعلامنا – كلما اقترب موعد التشكيل الوزاري المرتقب – تجتهد في (إثبات ذاتها)، ولكن في أية سوح ؟، في سوح النجاح أم في سوح عبد الخير ؟..فلنقرأ ما يلي، نموذجاً، لنحكم..كمال عبيد يوجه إدارة تليفزيون النيل الأزرق بإلغاء برنامج (أغاني وأغاني)، أوهكذا الخبر الذي يجب أن توثقه الصحف..نعم ليست هناك أية جهة رئاسية أو برلمانية وراء هذا التوجيه الغريب، وكذلك لم تصدر أية مؤسسة دينية أو فقهية فتوى (تحريم برنامج أغاني وأغاني)..ولكنها وزارة الإعلام، وما وزيرها كمال عبيد بمدير في تلك الفضائية ولا مدير برامجها، ولكن حين تتسع أوقات الفراغ ولايجد المرء ما يشغل به الناس بحيث يكون في أذهانهم (شيئاً مذكوراً)، يجتهد في (إثبات ذاته) بتوجيه كهذا..!!
** برنامج منوعات مدته نصف ساعة فقط لاغير، كان يبدأ بعد صلاة المغرب وينتهي قبل صلاة العشاء والتراويح، لينتقل بعده – تليفزيون النيل الأزرق ذاته – إلى مكة المكرمة لنقل صلاة العشاء والتراويح، أحبته الأسر السودانية بمختلف أعمار أفرادها وتحرص على متابعته منذ سنين عددا، ولكن نهج وزارة الإعلام الذي لا يحب أن يرى في حياة أهل السودان شيئاً جميلاً اكتشف – فجأة – بأن هذا البرنامج يشكل خطراً على المجتمع وربما يهدد الأمن القومي ويخرب الاقتصاد السوداني، ولذلك يوجه بإيقافه.. أي ليس ببدعة برامجية، بحيث هي مساحة للأغاني السودانية، ولايتزامن وقت بثه مع أوقات الصلاة، بحيث يبث بعد صلاة المغرب وينتهي قبل صلاة العشاء، ومع ذلك حرمه كمال عبيد هذا العام..وهكذا دائماً هواة التنطع، لايستفزهم دم الحسين ولكنهم يشغلون الناس بتحريم دم البعوض، ليثبتوا للناس والحياة بأنهم (حماة الفضيلة)..!!
** حسناً، فلنوافق عبيد في تحريمه لبرنامج (أغاني وأغاني) هذا العام، ونسأله: لماذا لم تحرمه في الأعوام الفائتة؟، أم لم تكن فقيهاً في تلك الأعوام ؟..ثم ماذا عن بقية برامج المنوعات والسهرات الغنائية في كل الفضائيات، بما فيها القومية التابعة لوزارتك ؟، أي لماذا لم يشمل فقهك تحريم كل المنوعات والسهرات الغنائية بكل الفضائيات (الحكومية والخاصة)؟، أم أنه فقه أعد خصيصاً لتحريم (برنامج أغاني وأغاني) هذا العام ؟..و لماذا لم يتجرأ فقهك بحيث يحرم على قناة الشروق بث برنامج (أعز الناس) الذي يستضيف وردي والحلنقي – بعد الإفطار مباشرة – على مدى ثلاثين يوماً؟، أليس هذا زمن برنامج أغاني وأغاني ؟، أم أن فقهك ليس بالجرأة التي تمكنه من التدخل في شؤون برامج قناة (أسامة عبد الله وجمال الوالي) ؟..ثم لماذا لايتجرأ فقهك بحيث تحرم سهرة (مع محمود عبد العزيز) التي أعلنت عنها قناة الشروق أيضاً ؟، أم أن أغاني محمود حرام في النيل الأزرق وحلال في الشروق ؟.. فلندع كل هذا، ونسأل: لماذا لا تنحاز لفقهك – بكامل الصدق والشجاعة – وتصدر توجيهاً عاماً بمنع بث الأغاني والمسلسلات نهائياً في الفضائيات والإذاعات (حكومية كانت أو خاصة)، بدلاً من المنع الإقطاعي بنهج (شوفوني أنا عندي سلطة وبقدر أوقف برنامج)..؟..كلها أسئلة إجاباتها تكشف بأن مركز اتخاذ القرار في عقل الوزير يمسك الأشياء من (النص)، ويكيل الأمور بألف كيل وكيل، وهنا تفقد الأشياء معناها.. وشكراً للسر قدور الذي أوجد عملاً لوزارة الإعلام ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]

Exit mobile version