ذات المنزل وبكل تفاصيله عام 1989م.. الأثاث.. الجدران.. أبواب مشرعة.. ضيوف لا يُسألون عن أسمائهم ووجهتهم إلا بعد (إكرامهم).. “البشير” يعود إلى منزل “صباحي”، والرجال الذين من حوله أمسية الجمعة الثامن من فبراير غير الرجال الذين كانوا معه في أول لقاء بالإمام “الصادق”.. أصبح د. “جلال يوسف الدقير” الساعد الأيمن لـ”البشير” بعد أن صادرت الإنقاذ في سنواتها الأولى حتى جواز سفره الدبلوماسي، ووضعت شقيقه “محمد يوسف الدقير” في السجون.. وبات الفريق “مهدي بابو نمر” أحد الرجال الذين وضع السيد “الصادق المهدي” رهانه عليهم، يهتف في كبرياء العسكر (نحن للدين فداء فليعد للدين مجده أو ترق منا الدماء).. وبات “سلمان الصافي” قطب حزب الأمة الذي قذف “الترابي” بالحجارة في (أبو جبيهة) من مخازن أسرار المؤتمر الوطني ورهاناته إذا حمي الوطيس.. وكانت هناك في بيت “صباحي” أسماء يفسد ذكرها روعة المشهد!!
} ثلاث رسائل مفتوحة
هبط الرئيس “عمر البشير” من سيارة بيضاء بلا تظليل، يقودها الفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين”.. سبقتها سيارة (برادو) بيضاء بلا تظليل يقودها د. “عيسى بشرى” وزير العلوم والاتصالات، ويجلس بالقرب منه د. “نافع علي نافع” والبروفيسور “إبراهيم غندور”.. ورجل المخابرات الفريق “محمد عطا” يترجل من سيارته وحده.. ويفيض منزل “صباحي” بأطياف من السياسيين، أغلبهم من المتنفذين في السلطة، وأكثرهم من قيادات المسيرية والرزيقات والحوازمة والنوبة في غرب البلاد الأقصى والأوسط.. وبدأ الرئيس مصافحاً القيادات من فناء الدار الواسعة.. من “أحمد صالح صلوحة” أول نائب للجبهة الإسلامية من جنوب كردفان 1986م وحتى د. “علي جماع عبد الله” محافظ جنوب كردفان الأسبق والموظف الأممي لسنوات.. والفريق “عبد الرحيم محمد حسين” وزير الدفاع بات يرقص (الصقرية) مثل الجعليين ويطرب لأنغام (أنا فوقم بقول كلام)..
{ أولى رسائل ليلة الجمعة، تمثلت في موقف “البشير” من التفاوض حول أبيي، والثبات على حق المسيرية في المشاركة في الاستفتاء المقرر في أكتوبر العام القادم كشرط وجوب لقيام الاستفتاء والقبول بخارطة الوسيط “أمبيكي”..
بدا على “البشير” الهدوء والثقة في النفس.. وثمة انخفاض في وزن الرئيس حتى بات أقرب للوزن المثالي، وخفة في الحركة.. وابتسامات رضا على وجوه الذين استقبلوه في فناء الدار.. يعانق البعض مع قفشات هنا وهناك، لكنه أخذ معه في طاولته الفريق “مهدي بابو نمر”.. وبقي الفريق “بكري حسن صالح” على طاولة بعيدة نسبياً عن الرئيس.
{ الرسالة الثانية في ليلة “صباحي” الشتوية الدافئة بعث بها الدكتور “نافع علي نافع” مساعد رئيس الجمهورية الذي تحدث في الاحتفالية بشفاء الرئيس، وقال: “حسن صباحي” كقيادة لأهله ووطنه يمثل واحداً من ممسكات وحدة البلاد.. وجمع أطياف من السودانيين احتفاءً بشفاء الرئيس ما هو إلا دلالة على تماسك الصف ووحدة الكلمة.. وأضاف “نافع”: في هذا اليوم إذا رأيت أسنان الليث بارزة لا تظنن أن الليث يبتسم.. نحن نغني ونهتف ونمدح المصطفى “صلى الله عليه وسلم” ولن ينكسر عظمنا بمؤامرات الأعداء وتربص المتربصين..
{ الرسالة الثالثة حملها “محمد يوسف الدقير” وزير الثقافة والإعلام بولاية الخرطوم وأحد قيادات (المسيرية) الجغرافيا والمسيرية الموقف.. قال إن وثيقة كمبالا لا تمثل إرادة أهل السودان، ولا تعبر إلا عن أشواق عنصريين وجهويين، ومليشيات حار بها الدليل..
} مشاهد الليلة الشتوية
{ ضحك “البشير” برضا حينما قدمت فرقة (الكوميديا) فواصل من الأدب اللطيف والقفشات عن المؤتمر الوطني والمرأة التي شاهدت زحاماً قرب موقف مواصلات (كركر) وحول إستاد الخرطوم وسألت عن أسباب الزحام فقالوا لها: ناس المؤتمر الوطني جابوا عصافير الجنة، فقالت: عصافير الجنة ذاتهم.. (سجمي الناس ما يمشوا قريب)!! وضج المكان بالضحك.. ونظر الفريق “محمد عطا” إلى “محمد الحسن الأمين”..
{ وحينما تغنت الفرقة بأغنية “إبراهيم موسى أبا” (الشتيلة) خلع “الخير الفهيم المكي” شيئاً من وقار السلطة وإشرافية أبيي ورقص مع الأمير “إسماعيل حامدين” الذي لا يجيد إلا (التبشير) و…
{ الدكتور “عبيد الله محمد عبيد الله” خلع طاقيته وقدم الاحتفالية ببساطة وحذر وتلقائية، ووجدت طريقته ارتياحاً واسعاً..
{ قبل أن يغادر الجميع فناء الدار العامرة بضاحية الكلاكلة، قال “حسن صباحي” لضيوفه: (يا جماعة ما تنقطعوا مننا) فقال بروف “غندور” (لن ننقطع ولن نوالف)..
انتهت الليلة وبقيت الذكرى..
صحيفة المجهر السياسي
يوسف عبد المنان