ويأمل مصطفى عثمان أن تتغيَّر السياسة الخارجية الأمريكية بتولي جون كيري قيادتها بدلاً من هيلاري كلنتون، وكأنما السياسة الخارجية يرسمها الوزير، فوزير الخارجية في أمريكا إنما هو منفذ لسياسة مرسومة من قبل بدأت منذ ظهور أمريكا كدولة، وهي سياسة راسخة منذ ثلاثة قرون وأكثر!!. سياسيونا يتعاملون مع الخارج بلا تخطيط وخاصة أولئك الذين يمسكون بخيوط السياسة الخارجية، وفي الشؤون الخارجية دائماً ما يعكسون سياستهم الداخلية التي لا تعتمد على تخطيط أو فلسفة، فهي سياسة خبط عشواء!!
في تصريح سابق لوكيل وزارة الخارجية قال فيه إن أمريكا تمر بمدة انتقالية بعد الانتخابات تتغيَّر السياسات، تصوروا!! مدة انتقالية من أوباما إلى أوباما الذي جدَّد العقوبات لعام جديد قبل أن يدخل الانتخابات وكان هذا التجديد ضمن الدعاية الانتخابية!!.
ومصطفى عثمان يأمل في رفع العقوبات، والعقوبات الأمريكية نوعان، الأول يفرضه الرئيس الأمريكي وهذه العقوبات يمكن للرئيس الأمريكي رفعها وهذا ما حدث بالفعل بالنسبة للصمغ العربي الذي تعتمد عليه الشركات الأمريكية كثيراً، وقد فرض كلنتون العقوبات على السودان وقد احتجت الشركات الأمريكية عليها، وطلبت بعض الاستثناءات منها الصمغ العربي، وقد اتصلت بالسفارة وقتها في واشنطن لتبلغها ولكن السفير لم يكن موجودًا حينها فقد كان في رحلة لجزر الكناري، وقامت بالمطالبة وحدها ونجحت في ذلك!!.
النوع الثاني من العقوبات هو ذلك الذي يمرر على الكنغرس ويؤيده مثل هذه العقوبات لا يمكن رفعها؛ لأنها تصبح ضمن دستور البلاد ومعظم أو كل العقوبات التي فرضها الكنغرس فرضت في عهد بوش الذي كان يقدمها للكنغرس، أما العقوبات التي فرضت بواسطة الرئيس فكان كلنتون هو الذي فرضها، واستمر أوباما في تجديدها!!.. أمريكا تعمل لمصلحتها فقط، فقد فرضت عقوبات على إيران بحظر استيراد نفسها، وهي الآن تعاني ـ في الإمدادات النفطية في أفغانستان عبر باكستان، ماذا فعلت أمريكا؟؟ هل تصدقون أن أمريكا اشترت موادًا بترولية من إيران لتسدّ العجز في أفغانستان. وقد فعلت ذات الشيء بالنسبة للعراق حين احتل الكويت ـ دعت إلى فض عقوبات على العراق وألزمت كل العالم بها، لكن نسبة البترول العراقي التي تذهب إلى أمريكا ظلت كما هي، فأمريكا لم تقاطع البترول العراقي كما لم تقاطع اليوم البترول الإيراني!!..
وتماماً كما فعلت أمريكا مع العراق وإيران تفعل مع السودان ترفع العقوبات عن السلع التي تريدها هي، وتحظر كل أنواع السلع التي يحتاجها السودان حتى الأدوية المنقذة للحياة، فقد حدث أن تعاقدت الإمدادات الطبية مع شركة أمريكية لاستيراد أنسولين ودفعت القيمة كاملة، لكن الشركة اعتذرت بسبب العقوبات ولكنها خجلت على فعلتها فأرسلت ما قيمته (71) آلاف دولار كهدية!!..
لا أدري لماذا يلهث السياسيون خلف أمريكا؟! ألا يكفي ما لاقى السودان من مذلة اللهث خلف أمريكا؟!.
أمريكا ترفع للدول ـ يمكن أن تعاندها العصا بيد والجزرة بالأخرى، أما بالنسبة للسودان فهي دائماً ترفع العصا الحديدية، وإذا رفعت الجذرة فإنها لا تعدو أن تكون جذرة بلاستيك وليست جذرة حقيقية!!. كوبا ترزح تحت العقوبات لأكثر من ستين عاماً، ما الذي حدث لها؟! لا شيء فكوبا اليوم رغم العقوبات تنعم بدرجة مقبولة من العيش، بل إنها متقدِّمة جداً في مجال الطب وهذا يعني أن المواطن الكوبي ينعم بالصحة، أي أن المواطن مؤهل للعمل، وبالنسبة لكوبا تسعى أمريكا لتحسين العلاقات معها والغريب في الأمر أن العقوبات التي فرضتها أمريكا على كوبا هي التي تعيق أمريكا، وفي ذات الوقت لا تؤثر في المسيرة الكوبية!!..
إن سياسة السودان الخارجية تمثل مأساة كبرى، فقد نجحت أيما نجاح في عزل السودان عن بقية العالم، والآن تنجز قمة فشلها لعزل السودان عن المنظمة الدولية بعدم دفع الاشتراك الذي تدفعه دول أكثر فقراً منا!!.. أين تذهب إيرادات السفارات في دول العالم وخاصة إيرادات سفارات منطقة الخليج ألا يكفي إيراد شهر واحد في تلك السفارات لسداد الاشتراك في الأمم المتحدة؟!..
صحيفة الإنتباهة
د. هاشم حسين بابكر