ولأنني لا أحب من متون الشاشة إلاّ حواشيها من شاكلة ديدان (الصارقيل) الإعلانية العشوائية التي تتسلل من أسفل جسر التلفزيون تحمل بشرى منتجاتها للمشاهدين الميامين، إضافة لمهاترات البعض من الذين يبذلون غالي أرصدة هواتفهم الفقيرة ليحشرونها في جيوب التلفزيونات عبر رسائل غاية في السطحية على طريقة:
(ود سوبا من السعودية يهنئ زوجته الثالثة بالمولود الرابع ويبارك للأولى طفلها الأول وأنشاء الله يا ناس النيل الأزرق المرا التانية تكون حامل..)..!
ياخي نحن مالنا يا (ود سوبا) عشان تطلع زيتنا كدة بي حريمك الكتار ديل، بعدين إنت شغال شنو في الخليج، أمير يعني؟!
دعك من شريط الماسنجر التلفزيوني العبيط، أرفع رأسك لأعلى قليلاً لتطالع بعض ترهات شريط الإعلان الفوق: (دكتور خابور يسوق البشرى لكل أعضاء إتحاد الصلع والجلحات الصغيرة.. مسامير غاية في الحنيّة يمكن أن (تدقها) في منتصف نهار صلعتك المجيدة وتلقى الشعر قام طوالي.. بادر بالإتصال على الرقم (كدة كدة)..
في حالة رغبتك عزيزي القارئ في شراء مكافح الصلعة أعلاه، لا بد وأن تستعين بصديق، أو زوجة تؤمن بقضيتك (الصلعية) العادلة، لأن تسجيل رقم الهاتف من الشريط الصارقيلي المتسارع، يحتاج بالطبع لمهارات عالية، أو نفرين تلاتة، كل واحد يسجل رقيمن، أو يمسكو ليك الشريط من الأطراف قبل ما يجري، دون أية مسؤولية عن جدوي المنتج الذي يزعم صاحبه (خابور) بأنه جاء به خصيصاً من بلاد الواق الواق لينشر العدل بجمهورية الصلع، بعد أن إمتلأت جوراً و(بوراً) ولمعاناً..!
دعك الآن من شريط الإعلانات وأهبط ببصرك قليلاً إلى شريط الونسات والتهاني: (يارشا كيفك..مشتاقين لي حنانك ذاتو.. بكرة تعالي نزوغ من الجامعة ونتلاقى تحت الكوبري.. ما تكلمي زول، سمح)؟!.
ولحديث (حبيب رشا) بقية، لكن برمجة الكمبيوتر في تلفزيون (بني زُرقان) لا يسمح بأكثر من عدد الكلمات التي خرجت للعالمين، (وكدة أحسن)، فربما إستسهل الحبيب الأمر (وقعد يخرمج لينا).
لو أن أحد طلاب الدراسات العليا لم يجد من الموضوعات ما يسد به رمق عنوان رسالته، عليه أن يتخد من شريط (الونسات) في شاشات تلفزيوناتنا موضوعاً، ويمكنه أن يختار هذا العنوان:
(الرأي السديد في طريقة تفكير السودانيين الجديد، بالتطبيق على شريط التلفزيون العبيط).
ما علينا، نطلع ثانية لنلتقط إعلاناً (من الشريط الفوق)، ولا بأس أن (تشوف برنامج التلفزيون شوية)، غالباً ما ستجد فناناً رقيعاً أنفق أسبوعاً بحاله وهو (يتحكحك) من حلاق إلى ساونا ليبدو أنيقاً (في الحتة دي)، وهي الحتة التي زاغت عينك فيها من شريط الونسات لتصطدم بوجهه الكالح وهو يقول للمذيعة الرقطاء: (آآآآآ، في الحقيقة أنا بديت الفن من سنة ما حفرو البحر، بس ما في تقدير للموهبة في البلد دي، و…)..
لا أنصحك بمتابعة ما سيقوله هذا الأرعن من أكاذيب، فلو أنه (لحق فتح خشمو) ليغني، سينهار عليك وبك سقف غرفتك وسطح عنقريبك وآمالك في هذه الحياة الدنيا، دعه و(ما تشتغل بيهو الشغلة)، عد إلى شريط الصارقيل لتلحق الإعلان الذي يقول: (أسمعوا زوج السمينة ما حكى عنها وقال/ كيفما ملت ليونة أو عصرت الدهن سال، هل يهمك أمر زوجتك عزيزي الرجل؟ تعال إذن إلى كوافير هندوسة لتطويل الشعر والرقبة والرموش وتصغير الفم والأنف وتوسيع العيون وخفض الكرش لمستوى سطح الصدر وتقصير عمرها لو رغبت.. هندوسة رائدة صناعة النسوان في السودان..)..
ربما أعجبتك الفقرة الأخيرة الخاصة بتقصير العمر لو كنت من (غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ)، وفي الحالة دي، لا أنصحك بتصديق الإعلان، لأن التلاعب بخلطات النجاة من قطار الموت غالباً ما يأتي بنتائج عكسية، ما سزيد من فرص بقاء زوجتك على قيد حياة حضنك المتجمد الشمالي، وبالتالي سيعجل بوضعك في معتقل (القواعد من الرجال)..!
آخر الحكي – صحيفة حكايات
[email]wagddi@hotmail.com[/email]