بطاقة تعريفية
أنا في الأصل من وادي حلفا، وُلدتُ بمدينة كسلا حيث كان يعمل والدي بالسكة حديد ومنها انتقلت إلى حلفا القديمة بسبب الحرب العالمية وواصلت تعليمي بمدرسة دغيم الأولية وهي تعد من أعظم المدارس ومنها إلى حلفا الأهلية ثم إلى الخرطوم الأهلية ثم كوستي وأخيرًا إلى خور طقت وتخرجت في مارس (1956) أي بعد الاستقلال مباشرة تنقلت في عدد من المدارس وسرعان ما أعود إلى شندي، وأذكر عند افتتاح مدرسة حوش بانقا للبنات طُلب مني تقديم كورس في اللغة الإنجليزية للمعلمات وكانت مديرة المدرسة زبيدة مصطفى شقيقة المهندس الطيب مصطفى.
محطة في خور طقت
خور طقت كانت تمثل سودانًا مصغرًا فهي تجمع الطلاب من كل مناطق السودان، ولقب (حمادة) أُطلق عليَّ من خور طقت حينما نسي أحد الزملاء اسمي فأطلق عليَّ (حمادة) وصارت إلى اليوم، أذكر من دفعتي كمال علي محمد وزير الري وصلاح عبد العال، وسبقنا كل من الفريق إبراهيم أحمد عبد الكريم والمشير سوار الذهب والفريق أول عبد الماجد حامد خليل وغيرهم، وأذكر أن الرحلة إلى الأبيض كانت تستغرق أكثر من (24) ساعة من الخرطوم بعد التخرج مباشرة عملت ضابط جمارك سرعان ما تركتها بعد عام فقط بسبب رشوة قدمها لي مهرب عبارة (50) جنيهًا حتى التحقت بمدرسة حلفا معلمًا ومنها إلى مدرسة شندي الأهلية الوسطى تم نقلي إليها بسبب إصابتي بالحساسية، وعندها طاب لي المقام منذ ذلك الوقت وتوطدت علاقتي بكل أطياف شندي ومجتمعها الرياضي والاجتماعي والثقافي فضلاً عن علاقتي بطلابي بالمدرسة على مر السنوات وأفخر جدًا بأن منهم من سطع نجمه في شتى المجالات الطب والهندسة والتعليم والزراعة والإدارة والبنوك والمؤسسات العسكرية وغيرها وأخص هنا تلميذي المشير عمر البشير، وما زالت علاقاتي بأهل شندي ممتدة ومتواصل معهم يزورونني بمنزلي المتواضع بحي شندي فوق.
كيف كنت تنظر للطالب عمر البشير برؤية معلم؟
طبعًا أنا درَّست الرئيس مادة التاريخ في الصف الثالث ومادة الجغرافيا في الصف الرابع، وكنت أعرف الرئيس قبل ذلك حيث كنت صديقًا حميمًا لشقيقه المرحوم الأستاذ أحمد حسن أحمد البشير وهو من الأساتذة الذين يندر تكرارهم، حيث كان يصرف على عدد من الطلاب بالمدرسة من مرتبه وكان يوجد في كل موقع تجده في الأفراح وتجده في بيوت العزاء، فقد كان شعلة من النشاط التعليمي والفني والرياضي والاجتماعي، كان إسلاميًا متدينًا وهو من أدخل شقيقه عمر إلى الاتجاه الإسلامي، أما خاله الزين فقد توفي أيام حكم عبود له الرحمة.
ماذا عن مشاركة الطالب عمر داخل الفصل؟
تميَّز عمر بقدر عالٍ من الذكاء، كما أنه اتصف بالتديُّن وكان اجتماعيًا إلى أبعد الحدود، وكذلك كان له نشاط كبير في الجمعية الأدبية ونشط في تحرير وإعداد جريدة حائطية بمشاركة عدد من الطلاب، فقد كان الدينمو المحرك لها واشتُهر الرئيس وهو طالب فى المتوسطة بحبه لمادة الرياضيات وكان مميزًا فيها إلى جانب بقية المواد، وكانت دفعتهم في المتوسطة تسمى بمجموعة العصر الذهبي، فقد كانت دفعة متفوقة وحققت لأول مرة نسبة نجاح (100%) وكان الرئيس في الفصل رابعة (أ) إضافة إلى رابعة (ب) وأذكر أن الألفة في فصل الرئيس الطالب العطاء الحاج خلف الله وهو من أبناء الزيداب وكان حاسمًا جدًا ولا يترك مجالاً للفوضى داخل الفصل، وهناك مواقف بالطبع بينه وبين الطلاب داخل الفصل، وأذكر أن الطالب عمر البشير كان في الصف الأمامي ويجلس إلى جواره كل من عبد الفتاح حسين وراشد عباس أحمد حسين عطا الحاج خلف الله مجد الدين سر الختم ومصطفى ولم يحدث أن حصلت أي شكوى من الألفة تجاه الطالب عمر ولكن من أقرب أصدقائه على ما أذكر عبد الماجد محمد الحسن وهو موظف حاليًا بالبيطري وأحمد الأمين المجذوب من منطقة الجزيرة الشبيلية عمل بديوان الخدمة بولاية كسلا ثم مستشارًا لوالي نهر النيل الأسبق د. غلام الدين عثمان في شؤون الخدمة ولا أذكر أنه كان مشاغبًا داخل الفصل أو خارجه وهذا انعكس على ترتيبه في الخمسة الأوائل.
هناك كثير من الطرائف والمواقف تحدث من بعض الطلاب فهل سجلت أيًا منها تجاه الطالب عمر البشير؟
نعم كثيرة هي المواقف ولكني أذكر أن الطالب عمر البشير في ذلك الوقت هو وزميله أحمد الأمين المجذوب حيث تبنوا مشروع رحلة طلابية إلى كبوشية وتحديدًا آثار منطقة البجراوية وبدأوا في جمع التبرعات من المعلمين وذهبوا إلى الناظر حاج التوم عرديب رحمه الله وقال لهم إنه سيدفع ضعف أكبر مبلغ يتم دفعه وذكروا لي ما قاله لهم الناظر فقلت لهم (سأمقلب) الناظر ودفعت (50) قرشًا وهو مبلغ كبير فى ذلك الوقت وعندما ذهبوا إلى الناظر وأخبروه بأكبر مبلغ دفعه الأستاذ حمادة احتجَّ وقال لهم (حمادة ما عندو مسؤولية زيي أنا) ولكن عمر البشير وزميله أحمد المجذوب استطاعا إقناعه بدفع المبلغ لأنه التزم به.
وموقف آخر أذكره أن الرئيس كان برتبة الفريق زار في ذلك الوقت شندي وأُقيمت مباراة بين أحد الأندية وفريق حوش بانقا بإستاد شندي فهتفت مازحًا (يسقط يسقط فريق الحوش) وعلم الرئيس بذلك فرد عليَّ مازحًا: (يا أستاذي حمادة لن يسقط فريق الحوش وضحك الجميع)، وعلاقتي بالرئيس ممتازة وكنت قد كتبتُ له خطابًا بإعفاء المساجد من فاتورة المياه والكهرباء فأصدر الرئيس قرارًا بذلك ربنا يتقبل منه.
بخلاف وجود الطالب عمر في المدرسة ما هو النشاط الذي كان يمارسه؟
بحسب علاقتي وارتباطي بتلاميذي وأسرهم ومن الدعوات التي تقدم لي علمت أن (الرئيس) الطالب عمر كان يزرع مع عمه ويفلح الأرض في إجازات المدارس ويرعى الأغنام ويشارك أهل المنطقة في كل عمل يتنادون له، إنه اشتُهر منذ نشأته الأولى بالكرم والجود والتسامح والعفو وكان يقوم بمصافاة ومصالحة أي شخصين على خلاف مع بعضهم البعض فيجمعهم ويصافيهم في داخل الأسرة أو حتى خارجها فهو لم يكن يحب أن يرى شخصين متخاصمين من المدرسة يذهب ليساعد عمه في الزراعة ثم يأتي إلى البيت ويقف على خدمة الضيوف في هذا الديوان الموجود حاليًا.. بطبعه كان مشاركًا للناس في كل شيء فكان يشارك أهل القرية في النفير
مَن مِن الشخصيات البارزة بخلاف الرئيس تتلمذ على يديك؟
كثيرون، على سبيل المثال لا الحصر فقد أحرز الطالب عبد القادر شبيري المركز الأول على مستوى السودان، أيضًا من د. السعيد عثمان الشيخ معتمد المتمة والشهيد د. عوض عمر السماني وغيرهم مما لا يسع المجال لذكرهم.
أين أنت الآن؟
بعد أن تقاعدت عن العمل في العام (1996م) الحمد لله مستقر في منزلي، ورغم تقدمي في العمر والإصابة التي لحقت بي مبكرًا والحمد لله على ذلك عندي سبورة في البيت وأدرس بعض الطلاب مادة الإنجليزي وأنشط في لجنة مسجد الختمية بحي شندي فوق.
رسالة أخيرة
دعني أشكر كل أهل شندي قاطبة وكل من تتلمذ على يدي لما وجدته من اهتمام وسؤال عن الأحوال وتحية وزياراتي وتحية خاصة لابني وتلميذي فخامة الرئيس عمر البشير وتجدني فخورًا جدًا به وأقول له سر علي الدرب ولا تتراجع إلى الخلف والسودان ينتظر منك الكثر ونسأل الله لك التوفيق.
صحيفة الانتباهة