أما الحادثة الثانية فهي الظاهرة العجيبة والهزة العنيفة التي تجعل الحليم حيرانَ والنائم يقظانَ في ذهول ودهشة. تلك هي التي حدثت عند إذاعة نبأ وفاة فنان شاب في الأردن أشهد الله أنني لم أسمع به إلا عند وفاته رحمه الله.
لقد تدافعت جموع الشباب والشابات وصغار السن إلى الميناء الجوي الوحيد في العاصمة لاستقبال جثمان الفقيد في فوضى عارمة واحتلال لصالات الوصول وكذلك للمدرجات والساحات مما أربكت حركة الطيران المحلية والأجنبية وأورثتنا العار والشنار.. فيا أمة ضحكت من جهلها الأمم!!.
هاتان الحادثتان مع غيرها من الظواهر تؤكد أمرين مهمين السكوت عنهما جريمة تجعلنا كالشيطان الأخرس:
الأمر الأول أن الماسونية التي تعمل في بلادنا سرًا وجهرًا وفق أهدافها وخططها ووسائلها وكوادرها نجحت بتفوق لا مثيل له في توطين الجهل والتخلف والسلبية والفساد والسطحية والاختلال القيمي والتراجع الأخلاقي و والتبعية الاقتصادية والانهيار الاجتماعي والسفه الاستهلاكي والكسل العقلي وغيرها من الظواهر السالبة الأخرى التي صارت بكل أسف تميز أمتنا.
إن كانت هذه هي أخلاق وسلوك الجماعات الدينية كل جماعة تعتبر نفسها صاحبة الحق الوحيد في البقاء على مسرح الحياة الإسلامية مما أدى هذا الاعتقاد الخاطئ إلى الصراعات وتعدد الجماعات الإسلامية وتفرُّق يؤدي إلى الصراع ويمزق المجتمع شر تمزيق.
إن كان هذا هو سلوك الشباب الذين ولدوا في عهد الإنقاذ والشباب هم عدة المجتمع ورمز قوته في الحاضر والمستقبل فيجب أن نقف مع أنفسنا وقفة موضوعية لأننا في نقطة الصفر ولابد أن نراجع أنفسنا ونمارس فضيلة النقد الذاتي ونتلمس أسباب الفشل ومسببات الإخفاق مع أن الإنقاذ حينما جاءت وعدت بأنها ستجعل من أهل السودان أعبد أهل الأرض لله فإذا بالشباب قلوبهم وذواتهم ملتصقة بأهل الفن والكرة واللهو والطرب لا بالله وبرسوله وبالمؤمنين.
النقد الذاتي الذي أطالب به يعتمد أساساً على عدم تلمُّس العذر والتبريرات وإلقاء المسؤولية على الآخرين بل إن ما نحن فيه من مصيبة هي من كسب أيدينا وهذا مبدأ يتفق مع المبدأ الإسلامي القائل «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم» «30» الشورى.. والقائل «أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم» «165»آل عمران.
الحركة الإسلامية وفي عهدها الجديد وعاملة في ميدان الإصلاح والبناء عليها أن تكون جريئة وصريحة وتبدأ من معرفة ذاتها وتحديد أهدافها وإعادة تقييم الأفكار والقيم والعادات السائدة لإصلاحها، لابد من تصحيح المسار.
لقد كتب الأخ د. أمين حسن عمر، أمين الفكر والثقافة أن دور الحركة الإسلامية مع وجود المؤتمر الوطني هو كدور الختمية والأنصار بالنسبة لحزبي الاتحادي الديمقراطي والأمة، فإن كان الأمر كما قال فإن مآل المؤتمر الوطني هو مآل الحزبين المذكورين تشتت وتمزق وتفرُّق و واضمحلال.. إن ما قاله الأخ أمين الفكر قول خطير.
صحيفة الإنتباهة
محمد حسن طنون