صناعة القرار في ظل خصخصة الأفكار …!!

صناعة القرار في ظل خصخصة الأفكار …!!
** الأسرة في الغرب تؤمن بنظرية (تحرير الفرد)، وهي نظرية تجرد الفرد من كل الالتزامات العقائدية وكذلك من قدسية الأسرة ذاتها، بحيث يكون الفرد متفلتا تفلتا كليا..هم يسمونها (حرية الفرد)، بيد أنها (تفلت الفرد)..ولذلك، ليس بمدهش في باريس وأخواتها – بأن يحزم الشاب حقيبته – حين يصل الثامن عشر من عمره – ويغادر المنزل تاركا فوق الطاولة وريقة نصوصها تفيد بالبلدي كدة : (أبي وأمي ، باي باي، يلا عيشوا حياتكم بطريقتكم، أنا قاطع وشي منكم).. وهكذا تفعل الفتاة أيضا حين تصل ذاك العمر : (يلا ياحجاج مع السلامة، أنا لقيت لحياتي بوي فيرند كاااارب)..بل كثيرا ما يتفق الأخ والأخت على الاتصال برقم دار العجزة بمهاتفة من شاكلة (ياخ تعالوا شيلو العجائز ديل وخزنوهم عندكم لحد ما يموتوا)، فتأتي العربة، ويُحمل الأب والأم بمقعدهما المتحرك، ويوصد عليهما باب العربة وهي تغادر، ويتفرغا لحياتهما الخاصة والخالية من (يا ولد إنت ماشي وين؟، يا بت إنتي كنتي وين؟).. ولا يلتقي أفراد الأسرة ببعضهم إلا عبر بطاقات المعايدة أو اتصالات هاتفية زمنها بمثابة (مسكولات سودانية).. ولذلك، من الطبيعي جدا ألا يعرف الجد حفيده وتفاصيل حياته، وألا تعرف الحفيدة جدتها وتاريخ حياتها.. أي، يصبح لكل فرد في المسماة مجازا بالأسرة شأن خاص يغنيه عن التدخل – بالسؤال والاستفسار والتشاور – في شؤون بقية أفراد أسرته..!!
** على كل حال، نظرية تحرير الفرد التي تنتهجها الأسر الغربية نظرية خاطئة، وهي سبب انهيار الأسر وتفككها..ورغم ذلك، تتعمد حكومتنا تطبيق تلك النظرية في إدارة الشأن العام، فقط غيرت اسمها من نظرية (تحرير الفرد) إلى نظرية (تحرير الكادر أو المسؤول)، وذلك بتجريده من الالتزامات المؤسسية، وكذلك من قدسية مؤسسية الدولة ذاتها، بحيث يفعل الكادر ما يشاء ثم يخطر مؤسسة الدولة أو أجهزة الحزب – بتقرير أو بتصريح صحفي – للعلم فقط..على سبيل المثال: كان معلوما لمؤسسات الدولة، ولأجهزة الحزب الحاكم، بأن أديس أبابا أبدت رغبتها لإصلاح ذات البين بين الحكومة وقطاع الشمال بالحركة الشمالية.. وكان معلوما لتلك المؤسسات والأجهزة أيضا أن الوفد الحكومي بقيادة د. نافع علي نافع سوف يلتقي بوفد الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار، ليتفاوضا حول أحداث جنوب كردفان ثم وضع الحركة الشعبية في مستقبل العمل السياسي بالبلاد..كل هذا كان معلوما لمؤسسات الدولة وأجهزة الحزب، ولكن ما لم يكن معلوما هو (هل تفاوض كهذا، واتفاقية كهذه، بحاجة إلى مؤسسات دولة وأجهزة حزب تضعان أجندتها ونصوصها بالشورى والتشاور ، أم لا ؟) ..هذا السؤال – كان ولايزال – غائبا في مؤسسات الدولة وأجهزة الحزب، ولذلك كان طبيعيا أن (يتصرف نافع براهو)، ويوقع على إتفاقية رفضتها مؤسسة الرئاسة واستنكرتها أجهزة الحزب، ثم – بعد رفض هذه واستنكار تلك – اعتذر عنها نافع بنص فحواه (أنا ما كنت موفق فيها)، أو كما كتب الأستاذ محمد لطيف – بأخبار الأحد الفائت – نقلا عن الرئيس ووزير الدفاع.. !!
** وبالمناسبة، أنا – وما عارف ليه بيقولو : أعوذ بالله من أنا ؟ – من الرافضين لهذه الاتفاقية، لأن بها نص يعترف بجيش الحركة، وهذا ما لم ولن تحظى بها أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي وغيره، أي إما أن يكون لكل حزب جيش خاص معترف به – داخل القوات المسلحة أو خارجها – رسميا وشعبيا أو (هذه الاتفاقية ظالمة ومرفوضة) ..ثم بالاتفاقية نص يشير إلى إمكانية استيعاب الحركة الشعبية في الحكومة الحالية وخاصة في جنوب كردفان، رغم أنها لم تنل حق الاستيعاب بصناديق الانتخابات الأخيرة، وهذا النص أيضا يظلم بقية قوى المعارضة التي خاضت الانتخابات وخرجت من مولدها بلا حمص، أي إما أن تستوعب الحكومة الحالية كل قوى المعارضة أو (هذه الاتفاقية جائرة ومرفوضة)..يعنى ح تظلموا فاروق أبوعيسى – وتجمعه المعارض – عشان ما كومندر ولا شنو ؟.. وعليه، تلك اتفاقية تجديد للحكم الثنائي بكل أزماته ومخاطره، وهي بمثابة تخدير لأوجاع جنوب كردفان والنيل الأزرق، وليست بدواء تلك الأوجاع..فأوجاع تلكما الولايتين جزء من (أوجاع ما تبقى من البلد كلها)، ولذلك على قوى المعارضة – التي لا تفهم الدرس إلا ضحى الغد – أن ترفض هذه الاتفاقية، وتتمسك بأن تسرح الحركة جيشها، ثم تذهب وتسجل ذاتها في مسجل الأحزاب، وبعد ذلك تتساوى مع كل قوى المعارضة في حق (الكفاح المدني)، أو تلتحق بركب الحكومة (أكتر من كدة)..أي، آن الأوان بأن تتجاوز الأحزاب والناس والبلد (نظرية الترقيع) و(نهج التخدير)، باستخدام عقل (الحلول الجذرية والناجعة لكل أزمات البلد)..كيف؟، فكروا ، انتو موش عاملين فيها مفكرين ورؤساء أحزاب ونخب سياسية وزعماء وكدة ؟؟
** على كل حال، نرجع لموضوعنا، أي بغض النظر عن عيوب تلك الاتفاقية ومحاسنها، نسأل بكل براءة : أليس معيبا أن تتفاجأ مؤسسية الدولة وأجهزة الحزب بنصوص الاتفاقية بعد التوقيع عليها، ثم (ترفض أو تقبل)..؟.. الرفض أو القبول يجب أن يسبق أي توقيع، أو هكذا المؤسسية .. ولكن، مؤسف جدا أن يسبق أي توقيع رفض مؤسسات الدولة أو قبول الأجهزة الحزبية ..ما هكذا تدار شؤون العامة، أي ليس بنظرية (الأسرة الغربية) التي يفعل فيها كل فرد ما يشاء، بل تدار بنظرية(الأسرة السودانية) وما بها من قيم التشاور والتحاور والشفافية..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]

Exit mobile version