أحد تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه : الأستاذ لا يموت..وإذا مات الأستاذ فإنني ٍسأعمل سائقاً في لوري تراب

[JUSTIFY]قبل نحو ثلاثين عاماً تقريباً وفي مثل هذه الأيام، وتحديداً في العام 1985م نفذ حكم الإعدام في مؤسس حركة الأخوان الجمهوريين في السودان المهندس محمود محمد طه، ويبدو أن تقادم الزمن قد أنسى الناس بعض الحقائق، أو أنهم يتعمدون خلط الأوراق، فقضية محمود محمد طه قضية دينية وليست سياسية، ومعلوم أنه لم يكن هناك خلاف أصلاً بين حركة الأخوان الجمهوريين وبين نظام مايو، ولقد ظلوا مؤيدين له على الدوام، إلى أن أعلن الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري تطبيق الشريعة الإسلامية، فخالفوه في ذلك، وعارضوا خطواته على أساس الدين وليس السياسة، ولهذا فإن الذين ينظرون هذه الأيام إلى إعدام المهندس محمود محمد طه نظرة سياسية إنما يخلطون أوراق السياسة بالدين وهذا أمر لا يجوز.
وبصرف النظر عن الآراء الفقهية الواردة في حكم المرتد، فإن إعدام محمود كان إعداماً للفكرة والنظرية، قبل أن يكون إعداماً للشخص والشخصية، فرسالة محمود محمد طه كانت تقوم على شخصه، وهو وحده الأصيل المنوط به حمل وأداء رسالة الإسلام الثانية التي كانوا يبشرون بها، ومحمود يرى أنه وحده في الدنيا من بين كل المسلمين من لدن أولهم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، يحقق شريعته الفردية ويسقط عنه التقليد، ويكون الشاهد عين المشهود، فإذا ما مات الأصيل بأية وسيلة تسقط النظرية، وتنهزم، وتذهب الفكرة كلّها أدراج الرياح.
فلما حكموا عليه بالإعدام ذكر أكثر من تلميذ من تلاميذه وفي مقدمتهم (دالي) أن الأستاذ لا يموت، وقال إذا مات الأستاذ فإنه سوف يعمل سائقاً في لوري تراب، وبالفعل لما أعدم محمود محمد طه، ومات، عمل دالي سائقاً للوري تراب ثم ترك السودان وهاجر، ولم يتحدث بعد ذلك عن الفكرة الجمهورية لسنوات طويلة، وأحسبه كان صادقاً مع نفسه في هذا.
ويقال إن شقيقة محمود محمد طه زارته في السجن قبل يوم من تنفيذ حكم الإعدام ودعته إلى التراجع عن أفكاره، لأن نميري تبدو عليه الجدية في هذا الأمر، فردّ عليها (إذاً يظهر الأمر ضحى) وكان يعني بذلك أنه لن يموت وسيتأكد الناس ضحى من صدق دعوته، فلما مات ظهر ضحى كذب الدعوة وخروجها عن أصول الدين، وضلال فكرتها، وهذه هي العبرة الأهم، ولقد كان الأب فيليب عباس غبوش أذكى، كما روى فيما بعد، حين ذكر أنه بعد إعدام محمود، راجع نفسه وقال (يا ود يا فيليب ألعب بوليتيكا) فأعلن توبته وأنقذ نفسه من حبل المشنقة، ولكن يبدو أن البعض لم يفق بعد، وهؤلاء هم الذين يحاولون إحياء ذكرى سقوط النظرية الجمهورية، تحت غطاء ذكرى إعدام محمود محمد طه.
[/JUSTIFY]

صحيفة المشهد الآن – جمال عنقرة

Exit mobile version