هاشم الطيب .. أصغر حافظ قرآن سوداني

حتى وقت قريب كانت الخلوة البوتقة التي تنصهر فيها المجتمعات المحلية المتباينة في ثقافتها ولغاتها وعاداتها وتقاليدها وعقائدها وقيمها، ومكانًا للتعليم المستمر من المهد إلى اللحد.
ويبقى الطالب في الخلوة للدراسة حتى يتقن حفظ القرآن دون قيد بعدد سنوات الدراسة، كما أنَّ التعليم في الخلوة متاح لكل راغب في حفظ القرآن الكريم على اختلاف الفئة العمرية للدارسين، وأوضحت دراسة ميدانية لباحث من جامعة القرآن الكريم أنَّ متوسط أعمار الطلاب بالخلاوى، دون العاشرة (27%)، بين العاشرة والسابعة عشرة (40%)، بعد السنة السابعة عشرة (33%).
إذن فإن أغلب طلاب الخلاوي من الأطفال، وضيفنا أدناه واحد منهم استطاع أن يحفظ القرآن وأن يدرِّس أنداده بالخلوة فإلى مضابط الحوار معه:

* هل عرَّفتنا بشخصك الكريم؟
– اسمي هاشم الطيب، وأبلغ من العمر عشر سنوات، درست بخلاوي ود الفادني وبتوفيق من الله استطعت أن أحفظ كلَّ كتاب الله الكريم برواية حفص، وأنوي أن أدرس بمعهد الإمام الشاطبي للعلوم الشرعية بأم درمان لألتحق بجامعة القرآن الكريم.
س/ كم عمرك عندما بدأت الحفظ؟
– بدأت بحفظ القرآن الكريم وأنا في سنّ ستة أعوام ونصف، واستغرق حفظ القرآن حوالى ثلاث سنين.
* وما هي العوامل التي شجّعتك على حفظ القرآن؟
– أنا لم أتخذ قرار دخول الخلوة من نفسي، فوالدي هو من دفع بي إليها، وعندما بدأت أحفظ القرآن وبدأت أتعلق بالخلوة رغم بعدها عن أهلي وصعوبة الحياة فيها، والدي أيضاً حافظ لجزأين بجهده الخاص، حيث لم تكن في قريتنا (أم سدر) بريفي المناقل خلوة لحفظ القرآن الكريم بالشكل الصحيح، فكان يستعين ببعض حافظي القرآن وكنت أحضر معه بعض جلسات القرآن الكريم التي كانت تقام في منزلنا.
* احكِ لنا عن يومك في الخلوة؟
– يبدأ يوم طلاب الخلوة قبل صلاة الفجر، حيث يصلون جماعة، ثم الإفطار، ثم القراءة حتى العاشرة، ثم الراحة لصلاة الظهر، ثم تناول الغداء، ثم تصحيح الألواح والمراجعة أو (العرضة)، ثم راحة حتى صلاة العصر، ثم القراءة حتى المغرب، فالصلاة والقراءة حتى العشاء، وبعد صلاة العشاء يخلد الأطفال للراحة والنوم، ويستمر الكبار في القراءة ليلاً. وعندما ينتهي (الحيران) من عرض ألواحهم يجعلونها في مكان لا تدوسه الأقدام، وتوضع الألواح في مكان مرتفع تكريمًا لمكانتها، وهي من جملة الآداب التي يتعلمها طلاب الخلاوي، وتشمل احتراماً وتقديراً للشيخ وللكبير منها، والتعاون فيما بينهم في تقسيم رائع للعمل، فمنهم من يحضر ماء الشراب، ومنهم من يتكفل بمياه الوضوء، وآخرون بتنظيف الخلوة من التراب وهم يستمعون لتعاليم شيوخهم، كما يرتدون الأبيض من الثياب طاعة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي لم يكن يحب أن يرى قارئ القرآن إلا في ثوبه الأبيض. والحافظ يحتاج إلى إرادة صلبة قوية، ولكي يعزّز تلك الإرادة يجب عليه التعرّف أكثر على القرآن الكريم وعلى الحُفّاظ والقرّاء، وفي بعض الأحيان ينبغي له المشاركة في المسابقات لكي تقوى عزيمتُه ويتشجّع أكثر، وهذا الأمر في غاية الأهمية.
طريقة الحفظ أيضاً مهمّة جداً، فالحافظ يجب عليه أن يحفظ بالطريقة والأسلوب الصحيح، فإذا ما بدأنا الحفظ بأسلوب صحيح ومنطقي فمن المؤكّد أن يكون الحفظ صحيحاً ومتقناً، فلا يسري إلى الحافظ الفتور والإحباط الا إذا كان حفظه خاطئاً أو فيه أخطاء كثيرة ويمكن القول إنّ هذه خلاصة عوامل نجاح الحفظ.
* بعد إتمامكم حفظ القرآن الكريم هل كانت لك طريقة خاصة في الحفظ؟
– كانت طريقتي عادية، ولكني كنت أحب أن أحفظ أرقام الآيات والصفحات ونحوها، عندما كنت أتمرّن كنت أدقّق في عدد آيات السورة وفي أي موضع من الصفحة هي ونحوها من التفاصيل.
عندما كنت أحفظ الجزء الأول كنت أعرف عدد الآيات في الأجزاء الأخرى وحتى مواضعها في الصفحة، وفي بعض الأحيان عندما كنت أستمع إلى قراءة للجزء الخامس والعشرين كنت أعرف مواضع الآيات في الصفحة وعددها في السورة وغيرها.
* بعد حفظك للقرآن الكريم، ما هو إحساسك ؟
القرآن يساعد على الدراسة، لأن حفظ القرآن هو عمل يُنشط الذهن والذاكرة، كممارسة الأعمال الحسابية الفكرية، فالقرآن ينشّط الفكر والذهن، وهذا ما لمسته شخصياً وجرّبه الكثير ممَّن حَفِظَ القرآن، لأن الحافظ يجب عليه أن يدقِّق في حفظ الآية وكلماتها وترتيبها بين الآيات والصفحات ونحوها من التفاصيل، فهو عمل مبني على إعمال التركيز، وهذا من شأنه أن ينشِّط الذهن والفكر، وهذا ينفع كثيراً في الدراسة.
* شاركت في عدد من المسابقات القرآنية، ماذا أضافت لتجربتك؟
-بدأت المشاركة في المسابقات منذ سن التاسعة، وكان دافعي هو ترسيخ حفظ القرآن الكريم، لا أن أحصل على جائزة أو رتبة ومقام في المسابقة، فكان والدي يشجّعني على الاشتراك في المسابقات، وكان يقول إن ذلك سيكون دافعاً ومحفزّاً لقراءة القرآن والتعرُّف على حفظة القرآن..
* السؤال الأخير: هل لك كلمة توجّهها لمن هم فى مثل عمرك ويعيشون في عالم مليئ بالإغراءات والمُلهيات من كمبيوتر وإنترنت وفضائيات وبلاي ستيشن ونحوها، من باب تحفيزهم على القرآن وحفظه؟
– للقرآن حلاوة خاصَّة فريدة من نوعها فتعلّم القرآن يُوجِدُ نوعاً من التنوّع، فكل من يستصعب حفظ كل القرآن أنصحه بالبدء بحفظ أجزاء من القرآن، وهكذا إلى أن يوفّقه الله لإتمام حفظ القرآن الكريم، وهو ليس بالأمر الصعب.
أن الإمام الحسين عندما علّم أحد الأشخاص سورة الحمد لأحد أبنائه أهداه الكثير من المال والجواهر تقديراً لما علّم من القرآن، وهذا يدل على قيمة القرآن العظيمة، فالذين لا يتجهون نحو القرآن فهم في الحقيقة يغفلون عن عالم من المعرفة، وعلى أي حال أقول بشكل عام إن القرآن فيه الكثير من العلوم الجذابة كالقراءة أو الترتيل والمعارف والتفسير والحفظ ونحوها، أما إننا لماذا نركز دائماً على الحفظ فهو بسبب وجود الاستئناس والأُنس الدائم مع القرآن الكريم، أسأل الله أن يوفِّق الجميع لأن يكونوا قرآنيين سواءٌ حفاظاً كانوا أو قراءً.

حوار: عماد الحلاوي
صحيفة الانتباهة[/SIZE]
Exit mobile version