لكن ما الذي دفع أبناء المسيرية هناك لإسالة دماء بعضهم؟!.. هل بالفعل هو التحريض والتآمر من بعض المتمردين؟!.. ولماذا يكون التجاوب مع المؤتمرات؟!.. أين الإدارة الأهلية من توعية المواطنين؟! مثل هذه الحالات التي تحدث من حين إلى آخر وسط بعض القبائل في مختلف أرجاء البلاد يمكن معالجتها بأن تساعد الدولة رجال الإدارات الأهلية على توفير المنابر الإعلامية الرسمية وغير الرسمية، فهذا يقوي التواصل بين أبناء القبائل وإداراتهم ويرفع مستوى الوعي لصالح الاستقرار والتطور في التعليم والمستوى المعيشي وأهم من هذا وذاك يوفر المناخ الملائم للدعوة إلى الله.
إذن نقول بأن الدولة تتحمل مسؤولية غياب الذكاء السياسي وإن كانت هي أحياناً مسؤولية فوق الإرادة. فدرجات عمق التفكير تتفاوت من مسؤول إلى آخر. الصراع القبلي في السودان ليس في قبيلة واحدة، بل في عدة قبائل وفي جهات مختلفة في الغرب والشرق والوسط والجنوب الجديد. والجهة الوحيدة التي تسلم من هذه الصراعات القبلية هي الشمال. وأهل الشمال ليس لديهم ما يتنازعون ويتقاتلون حوله، فهم فقراء في أغلبهم لا يملكون المواشي بأعداد كبيرة مثل قبائل غرب السودان ونشاطهم الزراعي على مشكلاته أغلبه في ضفاف النيل، ثم إنهم بعيدون عن حركات التمرد. وفي الأحداث القبلية الأخيرة بين بعض أبناء المسيرية في محلية الفولة أشارت الأخبار إلى أن وراء هذه الأحداث حلف حركات التمرد المسمَّى الجبهة الثورية. وإذا كانت الدولة تذهب إلى التفاوض في هذا الوقت إلى أديس أبابا من أجل معالجة الأزمات الأمنية، فإن تضعيف وتهميش دور الإدارات الأهلية يبقيان «القد» في قربة المعالجة، أي كأنما الدولة تنفخ في قربة مقدودة.
إن الجلوس مع رجال الإدارات الأهلية في السودان وتنويرهم لصالح الأمن والاستقرار ليقوموا هم بنقل الموجهات إلى أبناء القبائل ليس أقل أهمية من الجلوس مع قادة التمرد بل إن التنسيق مع رجال الإدارات الأهلية يعني تناول القضية من جذورها وليس من ثمارها المرَّة كما يحدث في قاعات التفاوض. نعم لا بد من تأثير نشاط التمرد على بعض أبناء القبائل لأن قادة التمرد يستعينون في هذا التأثير بالجهات الأجنبية، ومعلوم أن لهذه الجهات المتآمرة أدوات الإغراء الفعَّالة، ولا نريد هنا أن نرجع إلى التاريخ ونتساءل عمَّن تآمر على الأمير عثمان دقنة من أبناء جلدته لصالح «الجهة الأجنبية» وكذلك من تآمر على ودحبوبة، وعلى الدولة المهدية؟!.. إن القوى الأجنبية تستعين بصناعة أعداء داخليين لذلك يبقى دور الإدارات الأهلية مهماً جداً في تحقيق الأمن القبلي والاستقرار العائلي والسكينة الأسرية. ترى هل تنبهت الحكومة لدور الإدارات الأهلية ورصدت لها ميزانية سنوية؟!
صحيفة الإنتباهة
خالد حسن كسلا