فإذا كنت مجبرا على الابتسام حتى في المواقف التي تتطلب الحزم والغضب بدواعي «أكل العيش» أو باسم التهذيب فإنك تكون تبعا لذلك مجبرا على «تعليب» مشاعرك الحقيقة pu gnilttob والإنسان الذي يميل الى التمثيل فيخفي غضبه وحزنه يكون أكثر عرضة للانكسار النفسي.. مثلا، كثير من الرجال العرب يحسبون أنه من العيب ان يراهم الآخرون وهم يبكون.. يفقد الواحد منهم أعز الناس لديه بالموت، ولكن بسبب البرمجة الاجتماعية التي تفترض ان «المرجلة/الرجولة» هي ان لا تظهر ضعفك الإنساني الطبيعي.. يكبت الرجال مشاعر الحزن حتى تتحول الى سوس ينخر في عافيتهم على مدى سنوات… وبالمناسبة فإنني فخور بأنني – شأني شأن معظم الرجال السودانيين – دموعي «حاضرة».. الرجل السوداني يبكي في حالات الحزن الشديد والفرح الشديد.. عندنا في المآتم يحتضن الرجال أمهاتهم واخواتهم وزوجاتهم ويبكون أمام الآخرين.. ليس عندنا «تمثيل» ولا نخفي أو نكبت عواطفنا.. العيب عندنا فقط في «العويل» الرجالي.
قلبي على مضيفي ومضيفات الطائرات الذين يتعين عليهم الابتسام حتى وهم يعرفون ان ثلاثة من محركات الطائرة توقفت.. يبتسمون للراكب الذي ينادي الواحد منهم: يا ولد.. يا بنت.. شيل الزفت هذا وجيب شيء غيره.. يعاتبني كثيرون عندما أنفجر غاضبا: عيب شخص بشوش مثلك يفقد أعصابه.. وردي: من الخير لي ان أفقد أعصابي في المواقف التي تسبب فقدان الأعصاب من أن أهش في وجه من يسيء إلي على نحو جارح.. أنا لا أحب المتجهمين والنكديين ولكنني بنفس القدر لا أحب من يلاقونني بابتسامة مرسومة بالكتالوج.. كنت أدفع حسابي في ذات فندق عندما وجدت في الفاتورة أنني شربت كل مخزونهم من الخمور.. خرجت من فمي ألفاظ أخجل من إيرادها هنا ولكن ما جعلني أرمي شنطتي في وجه المدير المناوب هو أنه جاءني مبتسما: خلاص يا استاذ حتى لو شربتها خليها علينا.. قلت له: تبتسم على ماذا يا أبله؟ عندك موظف حرامي وعديم ضمير ويفترض أن تكون في أعلى درجات الغضب منه أو مني (بوصفي سكيرا مستهبلا).. تلك كانت غضبة ذات عائد مادي.. جاء المدير الكبير وأقسم بالله ان يعاقب الموظف الذي أعد الفاتورة.. ثم أعطاني خصما 50% من كلفة الإقامة في الفندق.. يعني التكشيرة أفيد من الابتسام في بعض المواقف! [EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]