الصير .. تحقيق حلم محدودي الدخل بتناول الأسماك

أضحت وجبة رئيسية وتجارة رائجة، إنها (الصير).. انبعاث الروائح الشهية النفاذة لأبعد المسافات ينبئ عن مكانها، إذ لا تحتاج لأي لافتات أو إعلان سوى جودة الإعداد لصاج (الصير) بجانب مقبلاته، من الشطة والليمون والبصل، هي من أهم المحفزات لشراء الصير، تلك الوجبة المحببة للكثيرين الذين يداومون على شرائها خاصة في المناطق الطرفية وأماكن تجمعاتها، حيث تمثل الوجبة غذاء رئيساً للأغلبية التي وجدت الصير بديلاً حقيقياً لعدم تناول كبار الأسماك باهظة الثمن، بسبب تدني الدخل والفقر وإقناع بالتشابه في كلٍ، وان كان غير مكتسي باللحوم، وقد انتشر صناع (صيجان الصير) بشكل مكثف بين أسواق ولاية الخرطوم وكثير من الولايات ومناطق السكن، يبتاعون كميات الصير بأسعار منخفضة تتماشى مع دخل الكثيرين بسعر لا يتعدى الـ5 جنيهات في الوقت الذي لا تكفي فيه وجبة السمك لقليلين بمبلغ 50 جنيهاً، وهي 5 أضعاف سعر كوم الصير، هذا غير ان صنع الصير أصبح مهنة للكثيرين يسترزقون منها واسرهم، كما انها مهنة لبعض التجار الذين يقومون بجلب أسماك الصير من مناطق الصيد وبيعها لصناعها.

ويقول المواطن محمد نعيم إن الصير وجبة احرص على شراءئها لتعلقي بوجبة السمك، فهو يعوضني عن تناول الأسمك الكبيرة، وأضاف محمد بطرفة وقال (إن نجا الصير من افتراس السمك الأكبر منه، فلن ينجو من فك أسناني).
هذا غير أن السعر مناسب يتماشى مع إمكاناتي المادية، فأنا لا استطيع اكل وجبة سمك من المحال التجارية بسعر اكثر من 40 جنيهاً، لكنني استطيع شراء الصير وابحث عن اللحوم فيه، واقوم بـ(قرمشة) البقية وسعر الطلب منه بـ4 جنيهات، فشتان ما بين هذا السعر وذاك. وفي كثير من الأوقات احمله لأسرتي وهو محبب لديهم، أضف لذلك هو كثيراً ما يسد رمقهم، وعندما اتناسى لفترات طويلة حمله معي يطالبونني بجلبه، لذلك اصبح الصير ملازماً لي ولأسرتي لسنوات ليست بالقليلة، وكل ما اتمناه هو عدم زيادة أسعاره حتى لا ينقطع حلمنا بتناوله ضمن وجباتنا الأساسية، كما انقطع حلمنا عن كثير من الوجبات وواحدة منها السمك، فالصير هو حلمنا وكأننا نأكل كبار الاسماك. وقال محمد في اشارة لأكل الصير بدل الاسماك (فإن لم تجد الأب استأنث بابنه).
أما التاجر سيد إبراهيم فيقول أمتهن إعداد وبيع الصير منذ أكثر من 9 سنوات وأعول به اسرتي واعلم ابنائي، وقد زوجت منه بناتي، وهذا (الصاج) مصدر الخير لي ولأسرتي، واكد انه تاجر معتمد ومعروف لدى بائعي الصير، وتوزع له طلبية يومية منذ سنوات. وقال سيد لقد اصبح ابنه الاكبر تاجراً لبيع الصير في مختلف اسواق العاصمة، خاصة بأطراف امدرمان والخرطوم، والحمد لله كسب الكثير من هذا التنقل. وأضاف سيد ان هنالك كثيرا من الزبائن لم ينقطعوا منه خلال هذه السنوات التسع من الشباب والاسر، فمنهم من يقوم بتناوله بجانبي ومنهم من يحمله لأهله ببقية متعلقاته، من مقبلات كالشطة والبصل والليمون، كما انني اسعى دائما لتجويد عملي في تحمير الصير واعداده بصورة جميلة، وأتساهل مع زبائني بقيمة المال المقدم منهم، لأن هذا النوع من التجارة يحتاج لقناعة كبيرة لقبول الربح فيه، فمن حسن حظ الزبائن ان هذه المهنة لا يحتملها التجار الطامعون لأن الاسعار ثابتة لسنوات عدة، وان زادت لاتزيد كما هو الحال في الأنواع الاخرى من الاسماك التي لا يستطيع الفقراء شراؤها، كما ان الصير مورد شبه دائم ويزداد موسمه بزيادة الاسماك، خاصة في فصل الشتاء الذي ينخفض فيه سعر صغار السمك بدرجة جيدة. وقال مثلما هذه الوجبة تعتبر مفضلة للكثيرين الذين لا يملون من تناولها فأنا كذلك معجب وراضٍ بهذه المهنة التي أصبحت جزءاً أصيلاً من تكويني، ولها الفضل في تربية أولادي.

النيلين : زحل الطيب

Exit mobile version