تنشئة أبناء المغتربين.. الخروج من «الشبكة» الاجتماعية

سوزي .. ذات الواحد والعشرين ربيعاً، عادتْ بصحبة والديها من العاصمة الماليزية «كوالمبور» في زيارةٍ الى السودان في إجازةٍ تتأخر دوماً لثلاث سنوات.. مجيء سوزي الى السودان كان بغرض تقضية فترة الإجازة مع أسرتها الكبيرة.. وتحت ضغط وإلحاح جدتيها وجديها لأبويها لرؤيتها التي تتأخر دوماً لثلاث سنوات هي إجازتهم التي يقضونها بينهم في السودان.. حيث يقضون الأولى في السعودية بصحبة أبناء خالاتها وعمّاتها. والثانية في دبي بغرض الاستجمام والنزهة.. والثالثة في السودان. «سوزي» لمّا تأتي الى السودان تحسُ بـ «غُربةٍ» بين أفراد أسرتها الكبيرة.. وكثيراً ما يضطر أبناء خالاتها وعمّاتها الى شرح ما يريدون قوله لها مرةٍ واثنتين.. وأحياناً كثيرة يُصيبهم اليأس والملل من كثرة شرح ما يُريدون قوله.. وفي خضم ذلك تسأل «سوزي» كل مرةٍ وأخرى عنْ ماذا يعنون بكلمة «الفُراش».. فيضطرون الى الحديث عن كل مراسم العزاء بدءًا من نواح النسوة وانتهاءً بـ «رفع الصيوان»!! أما عندما تُحادثهم باللغة الإنجليزية التي تلقتْ بها تعليمها.. باعتبارها لغة التعليم الأولى في ماليزيا.. يضحك منها أبناء عمومتها بسخرية.. وتزمُ حبوبتها «فتحية» شفتيها ضجراً من «رطانة» ابنة ولدها الوحيد وتلحق زم شفتيها بتنهيدةٍ توضح حجم مأساتها في ضياع ابنة ولدها الوحيد!!
«سوزي» ليستْ وحدها من يعاني من أبناء المغتربين، فـ« فوزي» نموذج آخر يبلغ أربعة عشر عاماً أيضاً، وُلد وتربى في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة هجرة أبيه وأمه الى هناك.. لمّا جاء في زيارةٍ هذا العام الى السودان لم يستطع أنْ يتعايش ويتخالط مع أفراد أسرته الكبيرة. «كوثر مختار» والدة فوزي عانت كثير المعاناة في سبيل تيسير تقضية ابنها إجازته السنوية والاستمتاع بها بصحبة أسرته الكبيرة والممتدة. لكنه في المقابل لم يعتد طيلة سنواته الأربع عشرة الماضية.. هي سنوات عمره.. من مشاركة الآخرين محل نومهم.. أو أنْ يُشاركه آخرون غرفة نومه.. فله غرفته المستقلة التي ينام فيها طيلة السنوات السابقة.. ولمّا جاء الى السودان أبقوه مع أبناء عمومته لينام معهم ويُشاركهم غرفة نومهم. كوثر مختار قالت لـ «نافذة مهاجر» إنّ ابنها فوزي لم ينم طيلة الأسبوع الماضي بشكلٍ جيد.. وهو ما جعل جدته لأمه تُخلي غرفتها لينام عليها!! أمّا عن مشاركة فوزي بقية أفراد الأسرة في أنسهم وحديثهم فحدّث ولا حرج!! فلم تفلح كل المحاولات في إخراجه من صمته وعزلته.. والدته كوثر تُقر كثيراً بأنّها وزوجها والد فوزي من تعليمه اللغة العربية جيداً.. أو على الأقل اللهجة السودانية.. فهو يفهم جيداً ما يُقال له.. ولكن في حال رغبته في التواصل والرد على محدثيه يعجز ويبدأ في التأتأة والاستعانة بألفاظ إنجليزيةٍ. وهو ما يجعل كوثر تُظهر حسرتها على عدم تعليمه العربية جيداً.. دع عنك العامية السودانية أو حتى لهجة أبيه وأمه اللذين تمتلك قبيلتاهما «لهجة»!!
وهم ليسوا وحدهم من يعاني من أبناء المغتربين من فصام اجتماعي يظهر جلياً عند تقضيتهم فترة الإجازة السنوية.. فِصام في الحديث وفي التقاليد وفي طريقة التربية والتنشئة.. والأسباب كثيرةٌ ومتعددة يأتي في أولها عدم إيلاء العديد من أولياء أمورهم أمر تنشئتهم اجتماعياً وتعريفهم بالعادات والتقاليد السودانية، ويقول الباحث الاجتماعي والأستاذ بجامعة الخرطوم محمد احمد ان ابناء المغتربين يسمون حسب المصطلح العلمي بالجيل الثالث الذي يحمل جزءًا من الثقافة والمعتقدات والتقاليد التي تخص مجتمعهم الأصلي السودان وجزءًا من العادات والتقاليد التي تخص المجتمع الذي نشأوا فيه، وايضاً مصطلح آخر يسمى بالاغتراب او عدم التكيف الاجتماعي مع العادات والتقاليد السودانية، بمعنى ان معظم ابناء المغتربين يرون ان المجتمع السوداني غير منظم و تسوده الفوضى حسب نظرتهم والبيئة التي نشأوا بها، وكانت تربيتهم تقوم على الاستقلالية، هنا تأتي اهمية التكيف مع القيم والعادات والتقاليد والمعتقدات السودانية الاصيلية، وقال ان التنشئة الاجتماعية مصطلح كبير يضم في داخلة كيفية انتقال القِيم والتقاليد والمعتقدات والبيئة الاجتماعية من الأصدقاء والأسرة والمجتمع.
الخرطوم: سارة إبراهيم عبّاس
صحيفة الانتباهة
Exit mobile version