وتبقى تلك المشاهد التي صاحبت ليلة وقوع حادثة اليرموك مرتسمة في اذهان الناس، فلا زالت صورة النساء وهن يرتدين ملابس البيت والاطفال وهم بنصف ملابسهم، وآخرون يسيرون حفاة عراة الا من قليل، مازالت تلك الصورة ماثلة في الأذهان، وقد ترك الناس منازلهم واخلوها، والحدث المفزع لم يغادر باطن العقول فاستوطنها وعلق بها، وترسب تلك الليلة في الأذهان ولم يعد احد يشعر بالامان، فقبل احداث اليرموك كانت انفجارات مخازن الذخيرة بالقرب من مجمع السكن الجامعي لطالبات جامعة الخرطوم «البركس» في عام 2009م، ولم يكن المشهد يختلف كثيرا من حيث الرعب، اذ خرجت الطالبات بما عليهن من ملابس وهن يرتعشن خوفاً من صوت الرصاص والتفجيرات التي استمرت لساعات، ولم يكن يعرفن الى يتوجهن، فجميعهن من الاقاليم.
وهناك عدد من الذين يسكنون على مقربة من المنشآت الصناعية اشاروا إلى أنهم لم يكونوا يدركون ان الخطر يحيط بهم قبل الحدث الاخير الذي فتح عيونهم على امور كثيرة لم تكن تخطر ببالهم .
والقصف الجوي الذي تعرض له مجمع اليرموك العسكري دفع البعض إلى مغادرة المنطقة للعيش في مكان اكثر أمناً، وطالب هؤلاء الدولة بالاسراع في تحويل تلك المنشآت بعيداً عن الاحياء السكنية، ويقول عبد القادر محمد من سكان منطقة الكلاكلة شرق، انه لم يسبق له ان سمع مثل تلك الاصوات، كما لم ير مثل ذلك الضوء الذي غطى الفضاء تلك الليلة الذي يوحي بأن شيئاً قد هبط من السماء.. فالانفجارات التي اعقبت ذلك الضوء لم تكن امراً عادياً، بل كانت مرعبة للغاية، وبعد ان تصاعدت السنة اللهب باتت الأمور اكثر رعباً، وكان الفزع قد احكم قبضته على جميع الموجودين في تلك المناطق المحيطة بمجمع اليرموك، ويضيف عبدالقادر قائلاً: «ادركنا اننا مكشوفون وقد نموت في اية لحظة».
إن المواطنين باتوا يخشون مما يمكن ان يجري لهم، وطالبوا بنقل هذه المجمعات بعيداً عن الاحياء السكنية حتى ينعم الاهالي بالامن والسلامة، وهذه اقل حقوق يمكن ان تلتزم بها الدولة تجاه مواطنيها.
ويقول محمد الامين ان زوجته واولاده رفضوا الرجوع الى المنزل بالاسكان الشعبي، وفي ذات الوقت لا يستطيع ان يستأجر منزلاً في مكان آخر، ما اضطره الى اجبارهم على العودة، ولكنه مقابل ذلك ظل يبقى بينهم لساعات اكثر من السابق، واحياناً يهاتفهم اكثر من ثلاث مرات اثناء ساعات العمل او عندما يكون خارج المنزل، وقد تبدلت حياته كلياً بسبب عدم شعور اسرته بالامان حتى وهم داخل المنزل.
ويرى خبراء مختصون في الجانب الامني والقانوني ان الدولة تتحمل المسؤولية كاملة في عدم الاستقرار الذي يعاني منه المواطنون داخل المدن بسبب المنشآت العسكرية الموجودة في وسطها واطرافها، بسبب عدم التخطيط السليم وعدم وجود مخطط هيكلي ملزم، كما لم تلتفت الحكومة الى خطورة توزيع مناطق سكنية بالقرب من المؤسسات العسكرية، وعلى الرغم من أن هذه المصانع والمخازن كانت موجودة، الا انه تم تمليك المواطنين اراضي في تلك الاماكن وبناء جزء منها بنظام الإسكان الشعبي.
ويقول الخبير القانوني نبيل اديب انه لا يجوز انشاء سكن بالقرب من الثكنات والمجمعات العسكرية، كما حظرات المواثيق الدولية نقل العتاد الحربي بطرق مارة داخل المدن، فمثل ذلك الامر لا يستقيم، وأضاف أن إنشاء هذه المصانع كان سابقاً للامتداد السكني، وهذه ليست مسؤولية المواطن، وعلى الدولة أن تقوم بفصل هذه المنشآت الحربية عن المناطق المدنية في اسرع وقت، وتعوض المواطنين الذين تضرروا من الاحداث الاخيرة، وقال ان كل هذه الاخطاء التي وقعت فيها الدولة وعدم تأمينها لمواطنيها سببه عدم انسجام اجهزتها، وكل منها يقوم بالتخطيط منفرداً دون الرجوع الى المؤسسات الاخرى.
ويرى الخبير الاستراتيجي العميد معاش حسن بيومي، أن المواطن السوداني يجهل حقوقه تماماً، والحكومة تتصرف تجاه المواطنين بعدم مسؤولية، وفي الاحداث الاخيرة لم تحاول الحكومة تهدئة روعهم عبر اجهزتها المختصة، واضاف ان الدولة تبرر وجود هذه المنشآت الحربية بعدم وجود سكان في تلك المناطق عند قيامها، ولكن لماذا وافقت بعد ذلك على سكن المواطنين بالقرب منها؟ فهذه اخطاء المسؤولين، فمن الواضح انهم يعملون من دون خطط واضحة، ولا بد للدولة ان تكون دقيقة في ضوابط السكن حتى تتمكن من حماية مواطنيها، ولا بد من معلجة هذه الاخطاء، فمازال الخطر قائماً، فالمسؤولون عن أمن المواطنين هم سبب الخطر، ولا بد من محاسبة كل من يقع في مثل هذه الأخطاء المتعلقة بسلامة وأمن المواطن، وقال إن المسؤولين تغيب عنهم ثقافة أنهم مسؤولون ولا يتحملون عواقب ما يقعون فيه من أخطاء، ويرفضون حتى التقويم من ذوي الخبرة، وعليهم أن يدركوا أن الوظيفة لها قدسيتها، كما أن حياة المواطن وأمنه خط أحمر لا يمكن لأحد أن يتجاوزه، والى متى يظل المسؤولون يتصرفون من دون مسؤولية؟!
تحقيق: هند رمضان
الصحافة [/JUSTIFY]