غازي صلاح الدين : هناك قوى تدفع بمصر فى اتجاه الفوضى لتبرير الانقلاب العسكرى .. وإذا حدث هذا فستكون نهاية حلم الربيع العربى

الدكتور غازى صلاح الدين المستشار السابق للرئيس السودانى والقيادى البارز بحزب المؤتمر الوطنى شخصية تتسم بالدقة الشديدة فى آرائه وأفكاره وكافة تفاصيل حياته اليومية.. القريبون منه يدركون تماما حساسية التعامل معه، فيمكنك أن تكون قريبا منه أو أبعد ما يكون، ويفصلك عن الاثنين فهمك لمدلول ما يخرج منه من كلمات، والتعامل مع هذا المدلول بحذر شديد، ومن هنا كان الخلاف بين الدكتور غازى وكثير من الصحفيين، فهو فى كثير من الأحيان يقصد معانى مختلفة عمن يتلقاها، ويرجع ذلك لأنه يملك أسلوبا يصعب على البعض فهمه، لإتقانه الشديد للغة العربية وإدراكه الكبير لما تحويه من معان، مما يعطى انطباعا لدى بعض الناس بأنه متردد فى آرائه، وهذا ما يغضبه ويجعله مقلا فى أحاديثه.

دكتور غازى دخل عالم السياسة متحديا بأن يمارسها بأخلاق ومبادئ، ونسى أن التعريف المباشر للسياسة أنها لعبة قذرة، وأنه لن يستطيع مجابهة هذا العالم دون أن يتسخ جلبابه الأبيض، ويبدو أنه بات مقتنعا أن لكل منهما طريق مواز للآخر، وأنهما لن يلتقيا أبدا.

المؤتمر العام للحركة الإسلامية الذى عقد قبل أسابيع بالخرطوم، وما أفرزه من تداعيات مهمة على الساحة بالبلاد، كان دكتور غازى طرفا مهما فيه، فالمؤتمر انتهى وخلف تصورا بأن الحركة منقسمة على نفسها فى توقيت دقيق يمر به السودان، كما ترك المؤتمر تساؤلات عدة حول اعتذار دكتور غازى عن عدم الترشيح لمنصب الأمين العام للحركة، رغم التأييد الواضح الذى حظى به داخل أروقة المؤتمر، وهذا ما فسر على أنه خرج غاضبا وربما لن يعود إلى التنظيم مرة أخرى رغم التفاف مجموعة لا يستهان بها من شباب الحركة حوله.
دكتور غازى صلاح الدين المستشار السابق للرئيس السودانى و صباح موسى

انتهى المؤتمر وانتظر الجميع رد فعل الدكتور، فهل هى مفاصلة جديدة فى الحركة الإسلامية السودانية؟ أم أنها مجرد خلاف داخل البيت الواحد؟ وبعد أيام يبدو أن غازى رتب فيها أفكاره، وخرج على الرأى العام بورقة تمثل وثيقة تاريخية شرح فيها بوضوح ما حدث بالمؤتمر وفسر اعتراضاته حتى لا يترك مجالا لأى لغط، كان صريحا فيها تناول رأيه بطريقة مباشرة وانتهى فيها إلى ضرورة الإصلاح الذى يسعى إليه فى مرحلة لا تحتمل سوى تصحيح أخطاء، ربما يصعب تصحيحها فيما بعد.. وحول هذه الورقة ورؤيته لما يحدث فى مصر كان لـ”اليوم السابع” هذا الحوار:
نبدأ بسؤال عن رؤيتك لما يحدث فى مصر من استقطاب حاد ونفور بعض التيارات من الإسلاميين والانقسام اللافت حول الدستور وقرارات مرسى الأخيرة

أكاد أرى رأى العين أن هناك قوى تدفع بمصر فى اتجاه الفوضى من أجل تبرير الانقلاب العسكرى، ولو حدث هذا فستكون نهاية حلم الربيع العربى، يا حسرة.

إذا ما تحدثنا عن الورقة التى أعددتها لتوضيح موقفك من الحركة الإسلامية، هل يمكن اعتبار هذه الورقة خروجا عن التنظيم بأكمله أم نعتبرها نوعا من الشفافية وأنها مجرد إصلاح دون خروج؟

الانتماء إلى الحركة الإسلامية هو انتماء لتراثها وفكرها وأخلاقها وليس محصوراً فى الانتماء إلى جماعة منها بعينها، ما قلته هو أن البعض قد تسبب فى أخطاء فنية وأخلاقية جسيمة فى المؤتمر العام، وفى اعتقادى أن مصداقية الحركة الإسلامية الموالية للمؤتمر الوطنى مرتبط بقدرتها على توجيه نفسها وتصحيح تلك الأخطاء.

هل توقعت ردود فعل عنيفة على الورقة؟

لو أنها أحدثت الهزة المرجوة فهذا شىء حسن.. فالورقة تطرقت لدستور الحركة وانتقدت عدم تسجيلها والبعض يرى أن هناك كيانات مماثلة بالمجتمع كأنصار السنة غير مسجلة، وأن الدستور السودانى لا يوجد به نص لاستيعاب كيان كالحركة الإسلامية.

هذا سوء فهم على أحسن الفروض، فهيئة شئون الأنصار، وهيئة الختمية، وأنصار السنة كلها جمعيات دينية دعوية مسجلة وفق القانون، وما دمنا بصدد المقارنة فليتنا كنا بتواضع هؤلاء الذين لم يزجوا برأس الدولة فى قيادة جماعاتهم رغم أنها تعمل وفق القانون.

فخلافاً لما أورد بعضهم، لا المغفور له السيد أحمد الميرغنى كان رئيساً للطائفة الختمية، ولا السيد الصادق المهدى كان إماماً للأنصار عندما توليا منصبى رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء، أما القول بأنه لا يوجد نص قانونى يسند قيام جماعة شبيهة تحكم البلاد فهو اعتراف صريح بأنها قائمة خارج أسوار القانون، لا بأس إن كان هذا مسموحاً به للجميع لكننى لا أتصور أن يسمح للحزب الشيوعى أن ينشئ جماعة شبيهة مقرها السودان بذات الاختصاصات والأهداف والسلطات، عندما تكون جماعة ما فى موقع الحكم فهذا يفرض عليها التزاماً أشد بنصوص القانون.

ما هو اعتراضك بالتحديد على وجود هيئة قيادية؟
الهيئة القيادية مكونة من أشخاص غير منتخبين من مؤسسات الحركة، ويكفى هذا وحده فى الاعتراض عليها، لكن الاعتراض الأهم هو أنها تقضى على استقلالية الحركة وأمينها العام، وهو ما لا أفهم الحكمة منه إذا كنا نريد حركة قوية مستقلة ومؤازرة للدولة لكنها تعمل فى مجالاتها الطبيعية بعيدة عن أى تحكم أو توجيه.

تحدث دكتور عبد الرحيم عن أهمية وجود أمين عام معارض للحكومة ولكن ليس صداميا حتى لا تتكرر تجربة الترابى مرة أخرى، ما تعليقك على ذلك؟

أشك فى أن يكون الأخ عبد الرحيم دعا إلى وجود أمين عام معارض للحكومة، أشدد على ضرورة مراجعة نص حديثه، أنا لا أرى الحكمة من إقحام التجربة المرتبطة بشيخ الترابى هنا وافتراض أن يكون الأمين والحركة معارضين أو مصادمين للدولة بالضرورة، لماذا لا نفكر فى حركة متحررة من كل هذا الإرث؟ لماذا لا تعرّف الحركة بذاتها وأهدافها وليس منسوبة إلى موقعها من الحكومة، أو بتاريخ صراعاتها، أو بما يتصوره البعض عنها، هذا النمط من التفكير مقتضاه ألا تقوم حركة إلا وهى فى قبضة الحكومة، تقوم مع الحكومة إذا قامت وتقع إذا وقعت.

هناك أقاويل عن أن المؤتمر العام الأول للحركة تم التوجيه فيه لصالحك على حساب الشفيع محمد أحمد، وأيضا تم التوجيه لصالح على عثمان ضدك فى مؤتمر آخر فلماذا لم تتحدث وقتها؟
هذا الكلام قيل ولم يثبته أحد ولم يطلب أحد التحقيق فيه، وإذا ثبت فإنه خطأ لا يبنى عليه، الحل هو أنه إذا قام ادعاء كهذا أن يحقق فيه كما طلبت فى ورقتى، الأجهزة التنظيمية يجب أن تكون محايدة لا تميز بين أعضائها وإلا انهارت الثقة وتحكم الغبن فى أفعال الأفراد.

هناك من يأخذ على دكتور غازى أنه دائم الانتقاد، وهو بعيد عن المناصب وأنه عندما يكون مسئولا يكون حديثه مختلفا؟
هذا كلام غريب لا يقوله إلا من لم يتابع سيرتى، لحسن الحظ أننى أدون آرائى من خلال مقالات ومقابلات مقروءة ومنشورة، مقالاتى الآن موجودة على الإنترنت فليراجعها من شاء أن يتتبع مواقفى وطريقة تفكيرى خلال البضع وعشرين عاماً الماضية، كذلك أنا لم أتوقف أبدا من إبداء الاستعداد للتخلى عن مناصبى مقابل مواقفى، كما حدث فعلا أكثر من مرة.

ما رؤيتك لكيان الحركة هل تريدها حاكمة أم محكومة فى الدولة؟
أنا أعترض على هذا السؤال لأنه سؤال يعبر عن طبيعة التفكير الذى قاد إلى الأزمة، كأن صدام الحركة والدولة لازمة منطقية، لكن إذا أصررتى فيمكننى أن أجيبك بأننا نريدها حركة حاكمة على عضويتها وفق عهد التأسيس الذى قامت عليه، وفى ذات الوقت حركة محكومة بدستور البلاد وقوانينها.

إلى أين نذهب الآن؟ ما هى الأولويات، هل هى الحركة أم البلد كله؟
الأولوية هى البلد كله بلا منازع، مشكلات الحركة يجب ألا تأخذ أولوية على أولويات السودان، ولولا أنك أثرت معى هذه الموضوعات لما تطرقت أنا إليها من نفسى، فى ضوء مجمل التطورات التى شهدناها فى الأسابيع الماضية لم تكن قضية الإصلاح السياسى أشد إلحاحاً، مما هى الآن

وكيف ترى الإصلاح؟
سأبين رؤاى حول الإصلاح فى الفترة القادمة، لدى تخوف من أن يتبنى أحد قضية الإصلاح ليصادرها أو لأن يختزلها فى إجراءات تزيح شخصاً أو تثبت آخراً.

ننتقل إلى ملف الجنوب هل أنت مع أنه لا بد من تنفيذ الملف الأمنى أولا قبل ضخ البترول؟
كلا الخيارين صعب وهذه هى العبرة التى ينبغى أن نستقيها من “نيفاشا”: ليست كل اتفاقية سلام هى اتفاقية سلام حقيقة، وهذا هو الموضع الصعب الذى وضعتنا فيه تلك الاتفاقية.

أبيى والحلول المطروحة حولها ورؤيتك فى كيفية الخروج لحل يرضى الجميع؟
أنا بعيد من ملف التفاوض ولا أستطيع أن أعلق إلا تعليقات عامة، ربما تمثل حل مشكلة أبيى فى صورته النهائية فى خيار ذكى يطرح لاستفتاء مرحلى يجيزه المسيرية قبل أن تتبناه الحكومة.

هل توافق على أن المحاولة الانقلابية التى حدثت كجزء من الإصلاح داخل المنظومة أم أنك ترفض الإخراج بهذا الشكل؟
لا توجد علاقة سببية مباشرة، لكن أفراد القوات المسلحة هم جزء من المجتمع ويتأثرون بما يحدث فيه، أنا أرجو أن تحل هذه المشكلة بالحكمة، فالانقلابات تحارب بإشاعة العدل والشورى لا بلغة الوعيد والتنكيل.

قال الصادق المهدى فى تصريح صحفى بالخرطوم إنه التقاك فى “لويزانا” بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1998 وطلبت منه المشاركة فى السلطة بغرض توسيع قاعدة الحكومة؟
كلامه صحيح فى جوهره، هو فقط اشتبه عليه مكان اللقاء لأننى لم أسافر إلى لويزيانا أبدا، التقينا مرة فى بروكسل فى مؤتمر عالمى، ومرة فى سويسرا، كما التقينا فى منزله عدة مرات. وهو لديه عادة حسنة فى استشارة بعض من يثق فيهم من الإسلاميين عندما يعزم على اتخاذ قرار متعلق بالحكومة، وفى أكثر من مرة دعانى إلى منزله بجانب الأخوة عبد الرحيم على، وعثمان خالد، وأحمد عبد الرحمن، والطيب زين العابدين، والفاتح عابدون ليستشيرنا فى دعوة المؤتمر الوطنى للحوار معه، وفى كل تلك اللقاءات شجعته على المشاركة، لأن ذلك هو رأيى، وهو الموقف المعتمد من قبل المؤتمر الوطنى فى ذات الوقت.

حاورته فى الخرطوم: صباح موسى
اليوم السابع

Exit mobile version