الجسد السوداني تعتريه حالة التهابية حادة، تجعله شديد الحساسية تجاه المهيجات، لذا يحتاج كل شيء فيه لعناية فائقة وفي مرات الى تعقيم كامل، ربما كلمة عابرة على عفو الخاطر من مسؤول تسقط في موضع جرح قديم فتفجر ألغاما محفورة في عمق التاريخ.
وربما قرار معتل كسول لا ينظر متخذه أبعد من أرنبة أنفه يتسبب في مضار غير محدودة وكسور غير قابلة للجبر وجروح تقاوم الالتئام بالنزيف.
لو أن مدير جامعة الجزيرة- لا أعرف اسمه ولا أود- استلف نظارة الدكتور صديق حياتي مدير جامعة الخرطوم لعرف أن قضية رسوم أبناء دارفور ليست شأناً إدارياً ومالياً محضاً يحسب بالأرقام المحايدة في مكاتب صغار المحاسبين!
دكتور حياتي ونظارته المقعرة نظر الى خارج أسوار جامعة الخرطوم وبعملية ماهرة نزع كل العناصر القابلة للانفجار من قضية رسوم أبناء دارفور.
وجه حياتي قبل ثلاثة أسابيع عمداء كليات جامعة الخرطوم بإعفاء طلاب دارفور المقبولين بالقبول العام من رسوم التسجيل والرسوم الدراسية وتسجيلهم فوراً.
ولم يكتف بذلك بل وجه أيضاً بتسجيل طلاب دارفور المقبولين بالنفقة الخاصة هذا العام وفق اتفاقية سلام “أبوجا” بتسجيلهم فوراً تسجيلاً “مؤقتاً” دون دفع رسوم إلى حين التأكد من وضعهم في إطار السلطة الإقليمية لدارفور.
في المقابل انظر ماذا فعل مدير جامعة الجزيرة في مقابل الحصول على رسوم 165 طالبا بجامعته، حرقت المكاتب والقاعات وتوفي 4 طلاب وأغلقت الجامعة لأجل غير مسمى وتطاير الشرر!
كم تساوي رسوم الطلاب مقابل الأرواح التي زهقت والممتلكات التي أحرقت وانتقال الشرر الى جامعات أخرى؟. إنه قصر النظر وغشاوة البصيرة واللعب بالنار في منازل القش وبالحجارة في بيوت الزجاج!
ووالي الجزيرة الدكتور الزبير بشير طه الذي اعتاد أن يرتدي بوت الجيش مع الجلباب وينتظر سقوط مدينة خارج ولايته في يد المتمردين ليخرج في متحركات التحرير، ألا يدرك-رحمه الله- أن الحكام والولاة يسقطون كذلك في مادة الحساب السياسي والأخلاقي ولا تحررهم جيوش الأعذار والتبريرات!
قبل الموت والحريق كان بإمكان دكتور الزبير أن يتبنى مبادرة لسداد رسوم أبناء دارفور بجامعة الجزيرة بالتنسيق مع السلطة الاقليمية أو وزارة المالية أو أي جهة مركزية!
وبعد الحريق والموت كان بإمكانه حتى لا تتحمل الدولة السودانية فواتير أخطاء الصغار الباهظة وحتى لا يستغل الحدث في تأجيج المشاعر وتمزيق النسيج الاجتماعي وزرع الفتن وإثمارها، وإحقاقاً للحق، كان عليه أن يوجه بتشكيل لجنة عدلية قضائية للتحقيق في الحادث ولا ينتظر وزارة العدل المركزية في الخرطوم لتكون لجنتها بعد ثلاثة أيام من تفاعلات الأحداث!!
وكان على الأطباء الذين قاموا بتشريح الجثث أن يخرجوا للرأي العام عبر أجهزة الإعلام ليقدموا تقريرهم ويجيبوا على التساؤلات. بل كان من الأفضل أن يسمحوا لأسر الضحايا بانتداب أطباء ينوبون عنهم للكشف على الجثث!
أسوأ شيء أن يتم التعامل مع ما حدث باعتباره مترتبات شغب أو ملف عادي للتحقيق الجنائي، وفاة 4 طلاب في ترعة هذه قضية لن يقفز من فوقها التاريخ، ولا ينفع أن تسجل ضد مجهول، ولا أن تسيف عبر لجان تحقيق هلامية، لابد من وجود متهمين في قفص الاتهام، أفرادا كانوا أو جهات وإلا ستصبح الدولة السودانية هي المتهم الأول والوحيد !.
المرصد السوداني
ضياء الدين بلال