وإن كان وزير صحتنا الهمام قد صمم على إزالة تلك الألغام من تلك المناطق الحرجة غير عابئ بما قد يصيبه من زكام.. فإن مساعد وزير الصحة الأمريكي «روبرت ماكلنبرج» سبق أن حاول تلك المحاولة في أمريكا وهو مدير قسم طب الأسنان في وزارة الصحة العامة قالها بملء فيه:
«لماذا نسمح لقنبلة كيمائية موقوتة تنفجر في أفواه أولادنا»؟!
ده دليل على أننا في السعوط أقوى من الأمريكان..!!
حكى أحدهم حكاية مشهورة متداولة أن ضابطاً اشترى من زبونه بائع التمباك ذات يوم رطلاً كاملاً من التمباك.. وفي صباح اليوم التالي سمع بأن ذلك الضابط قلب الحكومة.. بقيت هذه المصادفة في مخيلة بائع التمباك.
وبعد مرور عام من الزمان جاء ضابط آخر فاشترى رطلاً من التمباك. توجس البائع في نفسه خِيفة وحكى لصديقه في الليل قائلاً:
ــ الله يستر.. البلد دي بكرة بتنقلب!!
عادة تعاطي السعوط عندنا تبدأ منذ الصغر من زمن الجهل.
وهي بين الصبية كانت تعتبر ضرباً من الفَتْونة والرجالة. ثم لا يلبث الشخص حينما يبلغ سن الرشد أن يدرك أنها ملكته ولا يستطيع الفكاك منها.. وهي ليست في السودان فقط، فهناك ما هو مشابه لها مثل «الغات» في اليمن والسعوط «العطوس» «التبغ غير المدخن» في أمريكا.. فنشأ بنفس الطريقة بين الشباب أولاً.
لكن عندنا في السودان نشأت أيضاً وفي بعض أقاليمه حتى وسط النساء.. ومنهن من لم تستطع التخلُّص منها فأصبحت ملازمة للعواجيز منهن!!
في أحد البصات السفرية كانت امرأة عجوز من اللاتي يتعاطين «السعوط» ولكن بطريقة مستترة.. جلست هذه المرأة بالقرب من الشباك. ومن صفات الذين يتعاطون التمباك أنهم يحبون الشبابيك التي تمكنهم من التخلُّص من «السفة».. طبعاً الشبابيك تعاني كثيراً من الذين يتعاطون السعوط ولو قدر لها لاشتكتهم لمحكمة الذوق والنظافة العالمية، المهم أن تلك العجوز احتلت الشباك.. وكان يجلس بالقرب منها شاب له «سفة» بارزة من الذين يتباهون بها.. الشاب لم يكن يتصوّر أن تلك المرأة «سافة».. فاستأذنها بأن يجلس هو بالشباك وأبدى لها عذر كل المتعاطين قائلاً:
ــ لو سمحتي يا حاجة.. أنا عشان «بسف» داير أقعد جنب الشباك!!
فأجابته سريعاً:
ــ نان قالولك أنا الخاتاها دي حلاوة كرملااااا؟!
«شون مارسي» شاب أمريكي رياضي من الطراز الأول حاز على ثمانٍ وعشرين ميدالية في سباق البدل.. شون لا يدخن ولا يعاقر الخمر لكنه فقط يتعاطي السعوط منذ كان في الثانية عشرة من عمره.. زي ما بقولوا «علموهو ليهو أولاد الحرام» والدة شون التي كانت تعمل ممرضة ممتازة كانت غاضبة من ذلك لكن شون ما كان يسمع الكلام. وفي ذات يوم ذهب شون للدكتور لأنه فوجئ بوجود بقعة حمراء ملتهبة في فمه، استهونها «شون» وظنها شيئاً عابراً.
لكن الدكتور «كارل هوك» نظر لتلك البقعة الحمراء الملتهبة بوسطها الأبيض المتحجِّر وقطرها البالغ نحو ثلاثة سنتمترات وتبادر إلى ذهنه أن بقعة كهذه يمكن العثور عليها في فم عجوز هَرِم يتناول السعوط منذ حداثته وليس على لسان الطالب الثانوي الأنيق الرياضي «شون»!!
قال طبيب الحنجرة لشون:
ــ إنني متأسف يا شون..الأمر لا يطمئن.. الأحرى بي أن استأصل قطعة منها لدراستها!!
كانت مفاجأة خطيرة لشون، ولوالدة شون الأرملة.
تصوروا الأمر تطور من فحص لفحص ومن عملية لعملية ومن مستشفى لما هو أعلى وأغلى منه حتى وصل الأمر بشون لشون آخر تماماً!!
بعد سلسلة محزنة ومؤلمة من العمليات الجراحية اكتشف الطبيب أخيراً عقداً لمفوية متورمة في الرقبة مما ينذر بأن السرطان تفشى وبات ملحّاً إجراء عملية جذرية في الرقبة وكان ذلك هو الخيار الأصعب ألا وهو إزالة الجهة اليمنى من الفك السفلي ومجمل العقد اللمفوية والعضلات والأوعية الدموية ما عدا الشريان السباتي الذي يمد الرأس بأسباب الحياة.
تفتكروا فضل شنو تاني لشون؟
السبب كله كان أول سفة!!
واحد مسلّط قال لي: شون كدي جرب السفّه دي!!
وحينها كان شون لا يعرف الكثير عن هذه القنابل الموقوتة.
شون طافت بمخيلته تلك السفة المدنكلة التي وضعت أول نهاية حياة رياضية أنيق رشيق متطلع للحياة.
لكن من هو المسؤول يا ترى أمام تلك المأساة؟
هل والدته؟
والدته مسكينة ممرضة قامت بعد وفاة والده بالعمل ليل نهار من أجل أن تنعم بنجاح ابنها.
هل يا ترى هي الحكومة..أم المجتمع؟
بالتأكيد يمكن أن نقبض الحكومة متلبِّسة في الجريمة!!!.
لماذا؟
لأن الحكومة كانت فاتحة محلات البيع على مصراعيها وبتأخذ منها ضرائب كمان وبتسمح ليها بالإعلان عنها: «كان ما فاطر ما تخاطر».
وإلا أمكن يا ربي المدارس والجامعات والمعلمين؟!
لكين نقول «المعلمين» يعملوا شنو.. كثير منهم بسفوا الواحد منهم كيسو زي المحفظة. ونظام التعليم في أمريكا زي ما في السوداان.. المعلم ما عندو ySa على الجوانب التربوية في الطالب.. تلقى الطالب بيأخذ سفه من المعلم!! بعدين المناهج التربوية كلها ما فيها أي إفادة عن أضرار التمباك ولا حتى أناشيد تحذِّر الأطفال ولا حتى قصص أو مسلسلات.
مسكين مامون حميدة.. شغال في «حتة» خطرة….أصلك ما لقيت حتة غير دي يا مأمون؟!
شهد بعض العلماء بأن هناك علاقة أكيدة بين السعوط وسرطان الفم وهو سابع أنواع السرطان من حيث التسبب في الوفاة في الولايات المتحدة، والعنصر المميت في السعوط مركبات كيميائية خطرة تدعى «نيتروسامين» يتكون أحدهما في الفم من جرّاء تفاعل التبغ واللعاب.. ويعتقد «ستيفن هيكت» وهو عالم بالكيمياء العضوية في مؤسسة الصحة الأمريكية أن جرعة من السعوط تحتوي على كمية نيكوتين موازية لتلك الموجود في سيجارة واحدة، إلا أنها تولد عشرة أضعاف كمية «النيتروسامين»!! مصيبة..!!
وأجرى عالم الصحة «البرت غلوفر» من جامعة كارولينا الشرقية في مدينة غرينفيل عيادتين لدراسة سلوك الأشخاص المنقطعين عن تناول التبغ غير المدخن «السعوط» وكانت النتيجة أن واحداً فقط من أصل واحد وأربعين استطاع الصمود لأربع ساعات.. دون تناول التبغ .. يقول غلوفر: «هذا يعني بالنسبة للسعوط هو الأقوى في الإدمان»!! بالتأكيد سعوطنا في السودان أقوى من حق الأمريكان..!!
أها قولكم شنو؟نحن عاوزين قوة في السلاح والطائرات والصواريخ ربما واحد يقول:
ــ ادني سفه يا زول.. والله كلامك ده بلا مازادني خرم ما عمل لي حاجة!!
الما بيهديه الكريم تعبان..
السعوط منتشر في وسط المسؤولين عندنا يا أخوانا ونرجع نقول: هو المسؤول ده كان ما قدر على نفسو حيقدر علي منو؟!
والمشكلة السعوط وسط البنات ووسط الأطفال!!
أخطر ما في السعوط أنه مجافٍ للذوق والجمال والحضارة.
والشاعر يقول:
الذوق والجمال والخدود السادة
أدوا قلبي النار حرقوهو زيادة
وأخيراً نقول:
أبقو عشرة على المدارس.. «السفو ديل خلوهم أقرعوا الباقيات».
صحيفة الانتباهة