عبود الذي تسلم السلطة في فترة فوضى حزبية شاملة وفي ظل وجود أحزاب غير قادرة على الاتفاق وصياغة دستور البلاد، أصبح فيما بعد أقوى نظام عسكري قابض مر على السودان. حزب الأمة وسكرتيره عبد الله خليل قدما الحكم للجيش على طبق من (ذهب) بعد أن اخطأت كل تصورات عبد الله خليل والذي استطاع العسكر أن يخدعوه ليبدأ السودان فترة أول حكم عسكري.
قال الإمام الصادق المهدي إن حقيقة انقلاب 17 نوفمبر هي خلافات داخل حزب الأمة حول قضية الإئتلاف هل يكون مع الحزب الوطني الاتحادي بقيادة إسماعيل الأزهري أم يكون مع الشعب الديمقراطي الذي تقوده طائفة، هذا الأمر أدى لوجود تيارين داخل حزب الأمة، الأول يقوده رئيس الحزب السيد الصديق المهدي والآخر يقوده سكرتير الحزب السيد عبد الله خليل حيث يرى تيار الصديق أن الإئتلاف مع الوطني الاتحادي يقود لاستقرار البلاد، أما تيار خليل فكانت رؤيته أن يواصل حزب الأمة القومي في إئتلافه مع الشعب الديمقراطي ولكن عبد الله خليل رأى أن الأحزاب غير متفقة وغير قادرة على وضع دستور دائم للبلاد، لذلك اقترح تسليم السلطة للقوات المسلحة لفترة وجيزة حتى يتم كتابة الدستور.
إجماع على الرفض لمقترح خليل:عبد الله خليل سكرتير حزب الأمة عرض المقترح على حزب الأمة القيادي ممثلاً في السيد الصديق رئيس الحزب والسيد عبد الله حسين والسيد أمين التوم و15 عضواً وجميعهم رفضوا تسليم السلطة للقوات المسلحة بحسب ما روى الإمام الصادق المهدي الذي برر لذلك الرفض بأنهم أكدوا أن هذه الخطوة عواقبها (غير معروفة).
قطع طريق الصديق:السيد عبد الله خليل قطع الطريق أمام السيد الصديق الذي كان يمضي في خطوات إئتلاف ما بين حزب الأمة والوطني الاتحادي حزب أزهري، بل إن السيد الصديق والزعيم إسماعيل الأزهري اتفقا على أن يطرح البرلمان الثقة في حكومة عبد الله خليل ثم يستبدلها بحكومة أخرى يكون رئيسها الزعيم الأزهري، وبحسب ما ورد من المعلومات فإن السيد الصديق كان ينوي من هذه الخطوة أن يكمل ابنه الصادق السن القانونية ويتسلم السلطة من الزعيم الأزهري، حيث إن الصادق لم يكمل الثلاثين عاماً وقد كان شاباً يافعاً.
وجود السيد الصديق رئيس حزب الأمة خارج البلاد جعل الظروف تصب في مصلحة عبد الله خليل الذي استطاع أن يقنع السيد عبد الرحمن المهدي وقد كان يمثل القيادة الدينية لطائفة الأنصار وحزب الأمة، بأن تتسلم القوات المسلحة السلطة حتى تتفق الأحزاب وقاد عبد الله انقلاباً ضد حزبه الأمة وسلم السلطة للجيش وأصدر الإمام عبد الرحمن المهدي بيان تأييد في ظل اعتقاده بأن هذا الوضع سيسهم في وجود حالة استقرار خاصة وأن الأحزاب في ذلك الوقت لم تكن قادرة على الاتفاق على دستور البلاد.
انقلاب داخل الانقلاب:ولكن المفاجأة كانت بانتظار عبد الله خليل وذلك عندما حدث انقلاب داخل الانقلاب تم بموجبه إبعاد رجال خليل داخل القوات المسلحة، حيث قادت مجموعة من الضباط احتجاجاً على تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبرروا ذلك بأن تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يضم كبار الضباط (السناير)، إضافة إلى وجود شبهة الاتفاق مع عبد الله خليل، لذلك قام قائدا القوات الشمالية والشرقية بانقلاب وطوقا المجلس الأعلى للقوات المسلحة وطالبا بخروج بعض الشخصيات، وبحسب ما روى الإمام الصادق المهدي فإن هؤلاء الضباط قصدوا من ذلك إقصاء أي ضابط مقرب من عبد الله خليل والدليل على ذلك إبعاد الفريق أحمد عبد الوهاب وهو كان مع الفريق إبراهيم عبود بحجة مطالبته بمعاقبة الضباط الذين فعلوا ذلك، وهذا الإصرار على معاقبة الضباط كان أكبر دليل على أن أحمد عبد الوهاب هو رجل عبد الله خليل.
سبق السيف العزل:الإمام الصديق سمع بذلك وعاد إلى السودان وحدث صدام بينه ووالده السيد عبد الرحمن لأول مرة على حد قول الإمام الصادق المهدي، ليجد أنه قد (سبق السيف العذل) وأن سكرتير الحزب عبد الله خليل قد سلم السلطة للفريق إبراهيم عبود بموافقة القيادة الرئيسية لحزب الأمة، بل إن تأييد الإمام عبد الرحمن المهدي تبعه بيان من شريكه الإئتلافي حزب الشعب الديمقراطي بقيادة الختمية، وبهذه الطريقة سلم حزب الأمة الفريق عبود السلطة لتكون بداية أول حكم عسكري في السودان وأول انقلاب على الديمقراطية.