أهل السودان … ودرء السيوف عن الرقاب

[ALIGN=JUSTIFY]لم تلق مبادرة أهل السودان بالاً ولا اهمية للمطالب التي نادى بها مشاركون في اجتماعاتها التي دعت اليها الحكومة السودانية وهي المطالب التي تدعو الحكومة للنظر الى الأزمة السودانية في شمولها وحل قضايا السودان والتي حددتها تلك القوى في التحول الديمقراطي والحريات والانتخابات باعتبار ان أزمة دارفور مرتبطة بأزمة السودان ككل، منتقدين المؤتمر الوطني في تركيزه فقط في نقاشات المبادرة وتوصياتها على أزمة دارفور، ويرى بعض المحللين السياسيين ان أزمة دارفور هي نتاج سياسات المؤتمر الوطني وان تفاقمها نتج عن منهجه في ادارة الأزمات بالتالي وجوب تغيير تلك السياسات في ادارة البلاد .
ومضى مشاركون في المبادرة منتسبون الى الحزب الاتحادي الديمقراطي والحزب الناصري الى المطالبة بضبط القوات النظامية وتجميد نشاط المليشيات وازالة كافة التفلتات والمعوقات، اضافة الى ضرورة توفير الامن، داعين الى اهمية ان يتناول الملتقى بالنقاش جميع الأزمات والقضايا الوطنية ومناقشة فشل تنفيذ الاتفاقات الموقعة، مطالبين بضرورة احترام العقود والمواثيق من قبل المؤتمر الوطني ، وهي الجهود التي قطع المؤتمر الوطني الطريق امام تناولها باصراره على ان اجتماعات « مبادرة أهل السودان » مصممة لحل أزمة دارفور، بينما اعتذر رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير بأن الملتقى سيكون نهجا مستمرا لمعالجة كل القضايا الوطنية، مشيرا الى ان هيئة قيادة الملتقى ستفسح المجال لادارة حوار حول محاور اخرى ، مؤكدا ان الهيئة مؤهلة لطرح قضايا السودان المتمثلة في الحريات والانتخابات والتنمية المتوازنة ، مضيفا :« هذا الملتقى لدارفور ونريد ان نركز في الموضوع الذي اتينا من اجله » ،وامام هذا الاصرار حصرالملتقى الذي استضافته منطقة كنانة النقاش في سبعة محاور تشمل التنمية والخدمات والنازحين واللاجئين والعودة الطوعية والمصالحات والسلام الاجتماعي والبعد الخارجي لقضية دارفور وهي المحاور التي كونت لها لجان لصياغة توصيات بخصوصها وطرحها امام الجلسة الختامية الاسبوع المقبل .
وبحسب افادات بعض المعلقين السياسيين «للصحافة» فان المؤتمر المؤتمر الوطني قد فشل في تغيير منهجه القائم على تجزئة الحلول والتناول في تصديه للأزمات التي تواجه البلاد، بينما ذهب بعض اخر الى ان المؤتمر الوطني نظم هذه المبادرة ودعا اليها واختار عضوية قيادتها وفرض اجندتها وهو مثقل بسيف المحكمة الجنائية المسلط عليه، ويذكر هذا البعض بأن فكرة الملتقى جاءت اساسا من قبل القوى « المعارضة » التي خفت في اعقاب نازلة مذكرة اوكامبو الى بيت الضيافة بدعوة من الرئيس لايجاد افق للحل، و ارتات تلك القوى ان حل أزمة دارفور يجئ عبر وعاء عريض يضم الجميع في مقدمتهم مكونات دارفور وحركاتها المسلحة ، اضافة الى اتاحة الحريات عبر الغاء القوانين المقيدة لها لتمثل تلك الرؤية احدى المقدمات اللازمة للحل ، ويبدو ـ بحسب المحللين ـ ان المؤتمر الوطني قد اختطف الفكرة واعاد صياغتها بحيث تتضمن رؤيته هو للحل والذي يضمن سيطرته وتشكل له مخرجا من ادعاءات اوكامبو والمحكمة الجنائية الدولية وعين المجتمع الدولي باسم أهل السودان ، ولعل هذا يتفق مع الربط غير المباشر الذي دفع به حسن الترابي الامين العام للمؤتمر الشعبي بين مبادرة المؤتمر الوطني المسماة « مبادرة أهل السودان » وقضية المحكمة الجنائية الدولية في سياق رفض حزبه للمبادرة ، ومع ما دفع به محجوب حسين الناطق الرسمي باسم حركة تحرير السودان ـ جناح الوحدة عندما اعتبر المبادرة التفافا جديدا ضد العدالة الدولية باسم أهل السودان، وهو عين ما ذهب اليه في حديثه معي صلاح الدومة استاذ العلوم السياسية بعدد من الجامعات السودانية بتأكيده ان المؤتمر الوطني قد دعا لهذا الملتقى بغرض تلافي تبعات مذكرة اوكامبو، وبالرغم من اتفاقه مع بعض المشاركين من الاحزاب في الملتقى على اهمية النظر الى الأزمة السودانية في شمولها وضرورة طرح قضايا الحريات والتحول الديمقراطي، الا ان الدومة يعود مشككا في نوايا هذه الاحزاب ويصفها بالضعف والبحث عن موطيء قدم، ويرى ان هدف المؤتمر الوطني من وراء هذا الملتقى هو كسب الوقت ووضع خطة للجلوس بها مع الحركات المسلحة في دارفور . ولعل النقطة الأخيرة التي توقف عندها الدومة تتفق مع رؤية يحملها محمد علي جادين الباحث الاكاديمي والقيادي بالبعث السوداني عندما ذكر لي ان المؤتمر الوطني دعا لهذه المبادرة وحصر النقاش فيها فقط على قضايا دارفور لاجل ان يتوصل الى رؤية تفاوضية في اطار المبادرة العربية ، ولأن المؤتمر الوطني هو الذي دعا ونظم ورتب ـ يقول جادين ـ كان من الطبيعي جدا ان تخرج المقترحات والنقاشات والتوصيات متوافقة مع رؤيته، ويقول محدثي انه كان يعتقد خاصة في ظل الضغوط الدولية والداخلية ان يقدم الوطني تراجعات اساسية في قضية دارفور فيما يتعلق بالاقليم الواحد والتعويضات، وما اثاره جادين في هذه النقطة هو ذات ما ذهب اليه الحزب الشيوعي في رفضه المشاركة في المبادرة، عندما ذكر الشيوعي ان الاستجابة لمطالب أهل دارفور باعادة الاقليم الواحد وارجاع النازحين واللاجئين الى مناطقهم الى جانب تعويض المتضررين هو الحل الامثل لقضية دارفور، منتقدا عدم تضمين المبادرة معاقبة منتهكي حقوق المواطنين في دارفور. ولعل لسان حال الشيوعي هنا ان الحكومة ان رغبت في حل الأزمة فان مشكلة دارفور ليست في حاجة لمثل هذه مبادرة بل في حاجة الى ارادة وقرار سياسي ، بينما يتفق جادين في نقطة اخرى مع الدومة عندما يرى ان مبادرة أهل السودان جاءت من قبل الحكومة كرد فعل للمحكمة الجنائية الدولية، ويستطرد جادين قائلا :« صحيح ان مذكرة اوكامبو ليس لها علاقة مباشرة بالمبادرة ، لكن عندما يهتم المؤتمر الوطني بقضية دارفور تحديدا في هذا الوقت فهذا يعني اهتمامه بالداعي الاساسى الذي نتجت عنه مذكرة المحكمة الجنائية الدولية » ، ويضيف جادين مؤكدا عدم امكانية حدوث تقدم مهم في قضية المحكمة الجنائية الدولية مع الحكومة ان لم تحل أزمة دارفور أو على الاقل ان لم يحدث تقدم على الارض في دارفور، غير ان محدثي يرى ان هنالك عدم امكانية في عزل قضية دارفور عن القضايا الاخرى، وذلك لارتباطها بقضايا مثل المحكمة الجنائية ، والحريات ، والتحول الديمقراطي ، والانتخابات ، واعادة النظر في توزيع السلطة والثروة ، وكل قضايا الأزمة السودانية ، وعلى الرغم من ان الحكومة السودانية تمضي في هذه المبادرة تحت عنوان كبير وجذاب وهو حل أزمة اقليم دارفور وتعلن تركيزها فقط على هذا المسعى، الا ان ذلك يصطدم فعليا بعقبة اساسية الا وهي الحركات المسلحة في الاقليم ، فعلى الرغم من النداءات التي اطلقتها قيادات المؤتمر الوطني وعلى رأسها البشير لتلك الحركات حاثة اياها حتى الجلسة الختامية بالمشاركة الا ان هذه الحركات لم تكتف فقط برفض المشاركة بل أعلنت رفضها المسبق لأي توصيات تخرج بها المبادرة، مشككة في جدواها وفي جدية المؤتمر الوطني في حل أزمة اقليم دارفور،متبارية في هجاء المبادرة ، واصفة اياها بأنها مضيعة للوقت وللمال، داعية الحكومة لاثبات جديتها وقبل مشاركته بساعات في المبادرة وترأس احدى لجانها ،وصف اركو منى مناوي رئيس حركة تحرير السودان الموقعة مع الحكومة على اتفاق ابوجا المبادرة بالتظاهرة السياسية، بينما شككت الحركتان الرئيسيتان الحاملتان للسلاح في اقليم دارفور ـ العدل والمساواة وحركة تحرير دارفور ـ في مدى جدية الحكومة جهة الالتزام بحل الأزمة عبر هذه المبادرة، وقال محجوب حسين في تصريحات صحفية، ان الملتقى الذي دعا اليه المؤتمر الوطني عبارة عن ناد للساسة، بينما ذهب د. خليل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة الى وصف الدعوة التي وجهت من قبل الحكومة للحركات المسلحة بأنها تصب في خانة العلاقات العامة، مؤكدا ان مصير المبادرة هو الفشل لعدم مشاركة الحركات فيها، وان المبادرة عبارة عن مهرجان خطابي ، فيما كانت حركة تحرير السودان قد اعلنت عن رفضها المسبق للنتائج التي ستخرج بها مبادرة أهل السودان، مؤكدة عدم جلوسها لمناقشة اي عملية تفاوضية الا تحت رعاية الامم المتحدة ، ويبدو واضحا ان الحكومة قد تجاهلت في مبادرتها التي ارادت عبرها الخروج من أزماتها مع المجتمع الدولي عبر بوابة حل أزمة دارفور خاصة قضية المحكمة الجنائية الدولية هو ضرورة الجهد الاهلي الحقيقي بعيدا عن تدخل الحكومة والدولة، وهو الامر الذي كانت تدعو له المعارضة في بيت الضيافة عندما دعتها الحكومة لاجل ايجاد افق لأزمة دارفور ملتزمة بما سيفضي اليه النقاش، غير ان الحكومة فيما يبدو قطعت الطريق امام هذا الجهد الذي دعت اليه هي عبر مبادرتها التي ارادت بها ان يأتي الحل وفق رؤيتها، فكان ـ الى جانب تجاهل مقترحات القوى المعارضة المشاركة ـ ان قاطعت اقسام واسعة من القوى المعارضة المبادرة والتي رأت فيها عملا يخص الحكومة ولن يسهم في حل مشكلة اقليم دارفور.
علاء الدين محمود :الصحافة [/ALIGN]
Exit mobile version