٭ رغم مرور اكثر من عام على توقيع الدوحة لم تتحول التحرير والعدالة الى حزب سياسي؟
ــ الأمر يرتبط بصورة مباشرة بالتعثر الذي لازم تنفيذ الاتفاق، والواقع أن هنالك عوامل مختلفة ادت الى هذه النتيجة، منها تطاول المشاورات المتعلقة بإعلان حكومة القاعدة العريضة، ومن ثم تأخر إعلان السلطة الاقليمية وبناء هياكلها، فضلاً عن الازمة الاقتصادية الأخيرة التي ادت الى تأخر اعتماد هيكلتها ايضاً، بالاضافة الى عدم الاسراع في تعيين موظفي السلطة لاداء مهامهم المنوطة بهم، ومجموعة احداث اخرى عامة مثل احداث هجليج.
فكل ذلك قاد كما نعلم الى تعثر تنفيذ اتفاق سلام الدوحة، الا انه الآن قد تمت اعادة ترتيب جداول التنفيذ واولوياتها. ونحن حريصون على تنفيذ بنود الاتفاق فقرة فقرة كما تم الاتفاق بيننا وبين الحكومة، ولن نقبل بأقل مما تم الاتفاق عليه، ولن نزايد على الحكومة لنأخذ اكثر مما اتفق عليه.
٭ وهل يكفي ما أوردت لتبرير عدم تحول الحركة الى العمل السياسي النشط؟
ــ نحن منذ اليوم الاول فكرنا في التحول لتنظيم سياسي، وهذا التحول له تبعاته واستحقاقاته، ومربوط بتنفيذ جداول التنفيذ ومنها الترتيبات الامنية. ولا يمكن التحول لتنظيم سياسي فاعل دون تنفيذ الاخيرة وباعجل ما تيسر. ولهذا وضعنا اولوية خاصة للترتيبات الامنية النهائية.
٭ اليس للامر ارتباطات بعوامل ذاتية تخص الحركة؟
ــ أولاً يجب الإشارة الى ان قانون تسجيل الاحزاب السياسية يمنع تسجيل حزب يملك قوة مسلحة، وهو ما ينسحب على التحرير والعدالة، ثم ان الامر ليس بيد الحركة، لأن بروتكول الترتيبات الامنية اخذ نصيبه من تأخر التنفيذ كباقي بروتكولات الاتفاق.
٭ ومن يتحمل مسؤولية هذا التأخر في تنفيذ الترتيبات الامنية؟
ــ لا ليس للحركة مسؤولية في هذا التعثر، ولكن كما قلت فإن التأخير لازم بقية نصوص الاتفاق. ولا نستطيع في ذات الوقت الجزم بعدم وجود تعويق للتحول، لكن في العمل السياسي كل شيء جائز، ونحن من المرحلة الاولى لازمنا احساس بوجود نوع من الجهود لتعطيل الالتحام الجماهيري مع الحركة، وهذا يعطي اشارة الى ما تشير اليه.
ولكن ما أحب ان اؤكد عليه هو امتلاك الحركة كل السمات التي تصنع تنظيماً سياسياً قوياً ومتمكناً ويملك مستقبلاً، وذلك لاننا راعينا في انشائها كل المطلوبات بداية بالتكوين القبلي والإثني والمناطقي دون استثناء، واى «زول» من دارفور سيجد وجهه في مرآة الحركة.
٭ لكن البعض لا يرى في تكوين الحركة الحالي أسباباً للنجاح؟
ــ مهما يكن من أسباب فنحن حريصون على أن نصنع من الحركة بثقلها الموجود وتنوعها القائم تنظيماً سياسياً فاعلاً في الساحة السياسية ينافس على المستوى القومي. وهو ما يفتح الباب لأهل السودان لأن يكونوا جزءاً من الحركة عندما تتحول الى حزب سياسي.
٭ ألم تتعمد الحركة إرجاء الترتيبات الأمنية لحين التأكد من…؟
ــ «مقطعا» لا نحن نتعامل مع هذا الامر بصورة مختلفة تماماً، فمع ايماننا الكبير باهمية اجواء السلام والاستقرار لتنفيذ مطلوبات الاتفاق، فإننا نملك رؤية خاصة تتجه إلى ضرورة تسريع عمليات الدمج والتسريح، وتسكين من يريد من قوات الحركة في القوات النظامية او الخدمة المدنية، لكن العملية بأكملها أدت إلى هذا التأخير.
٭ لماذ تعتقدون في أهمية الإسراع في تنفيذ بروتكول الترتيبات الامنية؟
ــ يجب ألا تترك مجالات للتأثيرات السالبة، وألا يبقى البعض رهن الانتظار لزمن طويل، خاصة أن البعض مازال يحمل السلاح ويخضع عملية تنفيذ الاتفاقية للتقييم، وهؤلاء نحن آلينا على انفسنا العمل من أجل ضمهم للعملية السلمية واقناعهم بعدم جودى رفع السلاح. وكما قلت فإن واقع التنفيذ سيترك ظلاله إن كانت سالبة او موجبة.
٭ ألا يعيق وجود «18» فصيلاً داخل جسد الحركة تحولها لحزب سياسي؟
ــ لا بالقطع.. فقبل يوم من التوقيع على اتفاقية الدوحة اقمنا هناك مؤتمراً جامعاً لكل قيادات الحركة، وحدث عصف ذهني، وتبين جلياً من خلال هذا الاجتماع ان كل الحاضرين كانوا مع توقيع الاتفاق، وبعد الانتقال الى الداخل هناك كثيرون من قيادات الحركة من فصائل مختلفة لم يتم استيعابهم لضيق فرص مشاركة الحركة وفقاً للبروتكول الخاص بالمشاركة السياسية، ومع ذلك الجميع آثر أن يكون جزءاً من الحركة، وحتى الآن لم نسمع غير الصوت الداعي الى وحدة الصف المقاوم ووحدة الحركة. وهذا ما يمكن أن نصفه بالبشريات بأن هنالك أملاً في أن تتحول الحركة الى العملية السياسية.
٭ لكن ألا يخلق هذا كوابح أمام…؟
ــ «مقاطعاً»..لا ما شايفين عوائق كبيرة، لكن هنا المسؤولية الكبرى والجهد الاكبر اصبح على عاتق رئيس الحركة باعتباره المسؤول الاول ومن التف حوله هذا الجمع. لأننا نحن في مجموعة الحركات المختلفة فشلنا في أن نتفق على قائد واحد، وهذا واحد من الاشكاليات رغم اتفاقنا على مداخيل حل القضية. وفي الاخير اتفقنا على القائد وعلى القضية نفسها. ولكن يبدو من خلال الممارسة وجود بعض الملاحظات على قيادة الحركة في المرحلة الماضية.. يعني مافي اجتماعات منتظمة للمجلس القيادي للحركة، وهذا الأمر يسبب الإزعاج لكثير من الناس، فلا توجد اجتماعات منتظمة لمكاتب الحركة في الداخل، وهذا يسبب الكثير أيضاً من الازعاج، كما لا يوجد دعم واضح لمؤسسات الحركة المختلفة، ولا يوجد تواصل قاعدي وأنشطة مصاحبة للحركة في إطار تبصير الناس بالاتفاق ودور الحركة وأهميته وفاعليته في المدى القريب، فضلاً عن أن الحركة منذ تحولها للداخل وانتقال كل مؤسساتها قبل «14» شهراً لم تضع أية استراتيجية مرحلية أو دائمة «عشان الناس يمشوا عليها».
٭ وما تأثير كل ما تقول؟
ــ هذا قد يشعر الناس بأنهم بصدد تجربة جديدة، وقد تكون أشبه بالتجارب السابقة، وفي مثل هذه الحالة قد يُقاد الناس الى مرحلة لا يحمد عقباها.
لكن نحن أملنا بوصفنا قيادات حركة ومسؤولين في أن نتلافى كل هذه الإشكاليات ونتجاوز احتمالات الفرقة والشتات، وذلك بأن نبنى تنظيماً متماسكاً وقوياً ومتفاعلاً يملك القدرة على اداء مهامه ويستبشر المستقبل له ولكل اهل دارفور. ولهذا نحن جادون وندعو ونحث بجدية خاصة رئيس الحركة على أن يفرد مساحة كبيرة للاهتمام بشأن الحركة ويوفر موارد مالية كافية ودوراً للممارسة السياسية بالشكل الديمقراطي المتفق عليه.
٭ ما شكل القيادة المتفق عليه في التحرير والعدالة؟
ــ نحن اتفقنا في المؤتمر الاستثنائي بالدوحة على قيادة تضامنية وليست قيادة شخص واحد، لأننا خبرنا تجربة الرجل الواحد ودخلنا في مجموعات خلافات وكمية انشقاقات بسببها، ونحن في غنى عنها ولا نريد تكرارها، ولهذا حددنا مجلساً رئاسياً لقيادتها، والتيجاني السيسي رئيس المجلس الاعلى لحركة التحرير والعدالة.
ــ مقاطعا: أليس رئيساً مطلقاً؟
ــ لا ليس رئيساً مطلقاً بل هو رئيس المجلس الاعلى للحركة وصلاحياته مقيدة، وتضم عضوية المجلس الرئاسي الأمانة العامة، ومجلس التحرير الثوري باعتباره مؤسسة رقابية وتختص بالمحاسبة والمساءلة والمؤسسة القضائية والمجلس العسكري، وكل هذه الأجهزة تعمل معاً بتكامل، وضم للمجلس كل رؤساء الفصائل، وذلك لبناء الثقة وتجسير الهوة، والتعامل مع من يقودنا ومن لا يقودنا. وأحضرنا رئيساً من خارج الفصائل المختلفة، زول من دارفور، لكنه ليس جزءاً من مكون الثورة في دارفور. وفي هذا وضعنا بعض الموانع والكوابح والحدود حتى يتعامل مع الناس في اطار تعاوني وتضامني، واي قرار يصدر يُتخذ بالإجماع، لأن قرار الفرد هو سبب تشظي وانشطار الحركات في دارفور.
٭ بصراحة هل توجد مساحة الآن بين السيسي والآخرين؟
ــ نعم.. فعدم تفعيل مؤسسات الحركة وعلى رأسها المجلس القيادي يثير غضب الآخرين.
٭ متى كان آخر اجتماع للمجلس القيادي للحركة؟
ــ كان قبل دخول مؤسسات التحرير والعدالة السودان.
٭ وهل يعد ذلك امراً طبيعياً لحركة تضطلع بمهام تنفيذ اتفاق مثل «الدوحة»؟
ــ الواقع ان هناك عوامل كثيرة يمكن وضعها في الاعتبار عند التعامل مع هذا الأمر، لكن من المهم الآن الاسراع في تنشيط مؤسسات الحركة ودفعها لاداء مهامها المنوطة بها حسبما اتفق. ونحن حينما نقول ذلك نعي التحديات والمهام الجسام التي تنتظر التحرير والعدالة على صعيد تنفيذ الاتفاق وعلى صعيد قيادة عمليات الاستقرار واعادة الحياة الى طبيعتها في الإقليم.
٭ هل تتوافر الثقة في علاقاتكم مع المؤتمر الوطني؟
ــ العلاقة بيننا ليست ثقة، فنحن بيننا كتاب. وقصة الثقة تشبه من يبحث عن الحب، نحن لا تربطنا علاقة حب مع الحكومة وما يجمعنا هو الكتاب الموقع معها، وهو منصوص وله جداول، وان نفذته فكان بها وتصبح صادقة، وان لم تنفذ لن تكون كذلك. ولسنا بحاجة لتبادل الثقة مع المؤتمر الوطني، والثقة التي يمكن ان تنبني معنا مبعثها تنفيذ النصوص الموقعة. ودائرة الشك تتلاشي كلما مضينا معا في التنفيذ لحين مرحلة التواثق. ونحن الآن في مرحلة تجارب والايام ستثبت ذلك.
٭ هل ينتمى المسلحون الذين اقتحموا مقر السلطة للحركة؟
ــ نعم يتبعون لجيش التحرير والعدالة.
٭ وهل تتحمل قيادة الحركة مسؤولية ما حدث من اقتحام لمقر السلطة في الفاشر؟
ــ لقد تمت تسوية الأمر من قبل الحركة ومن خلال مؤسساتها.
٭ وأنت عائد من دارفور كيف ترى أداء السلطة على ارض الاقليم؟
ــ الواقع أن نصيب حركة التحرير والعدالة من اجهزة السلطة الاقليمية لا يتعدى «33%» فيما يشارك المؤتمر الوطني وحركات السلام من الداخل النسبة الباقية. وهناك خلط مستمر بين أداء السلطة الاقليمية والحركة، رغم أن الحركة هي التي وقعت الاتفاق الذي انشئت السلطة بموجبه. وعموماً هنالك حاجة ملحة لتسريع تنفيذ الاتفاق وانزاله إلى ارض الواقع في دارفور حتى يشعر الناس هنالك بثمرات السلام وأهمية الاتفاق.
٭ ما جدوى الجهود المتسارعة لإقامة مؤتمر المانحين في ظل التعثر الذي يشوب تنفيذ الاتفاق نفسه؟
ــ قد تكونون محقين في ما ذهبتم اليه، لأن العملية السلمية سلسلة ومرتبطة ومتصلة الخطوات، ولهذا تجدوننا نحث الاطراف على تسريع وتيرة تنفيذ بنود الاتفاق.
٭ تجارب البلاد مع المانحين غير مبشرة، والالتزامات المقطوعة في أبوجا ونيفاشا لم يتم الإيفاء بها.. كيف يتأتى ضمان الالتزامات الخارجية في ظل ضعف أداء الداخلية؟
٭ هناك اشارات وشواهد على ارتباط اداء الالتزامات الدولية تجاه الدوحة بمسار التقدم في تنفيذ الاتفاق على ارض الواقع، ومع تأميننا على ضرورة الإسراع داخلياً في انزال «الدوحة» على ارض الواقع، نحث المجتمع الدولي وندعوه بصدق إلى أن يكون على قدر المسؤولية ويلتزموا بتعهداتهم حتى يتم انزالها ايضا إلى ارض الواقع بشكل جيد. ونحن نعلم أن الدولة تعيش مجموعة من الأزمات منها الأزمة الاقتصادية، والاتفاق لن ينفذ ما لم يتوفر الدعم المالي، وهذا لا يمكن توفيره الا من المجتمع الدولي والشركاء سواء قطر او الاتحاد الاوربي او الامم المتحدة والهيئات الكبرى مثل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي.
٭ وهل يمكن الركون الى ذلك فقط في تنفيذ الاتفاق؟
ــ لا.. وعلى كلا الطرفين العمل بجهد وتسخير كل الامكانات اللازمة لجعل بنود الاتفاق الموقع في الدوحة حقيقة تمشى بين الناس في دارفور، فلا يمكن أن نقنع الناس بجدوى السلام ونحافظ على الاستقرار دون ذلك. وخطورة هذه الاتفاقية تنبع من التأثيرات التى قد تشكلها عملية التنفيذ أو التباطؤ فيها على مستقبل الاقليم، وعلى مواقف الآخرين في الحركات غير الموقعة. كما ان دور المجتمع الدولي مهم في جوانب اخرى غير الدعم المادي، لأنه شاهد على الاتفاقية ومعني بدعم التنفيذ ومحكم بين الطرفين في المغالطات التي تحدث، ومن هذا آلية متابعة الاتفاق التي تجرى اجتماعات روتينية للتدقيق في عملية التنفيذ بالشكل المتفق عليه. وهذا يجعل المجتمع الدولي في مواجهة اي طرف من الاطراف إذا حاول التقاعس عن الالتزامات المقطوعة.
٭ هل تعتقدون أن دور المجتمع الدولي هو الأهم على صعيد التنفيذ؟
ــ لا لم نقل ذلك، فالدور الأهم هو دور الشريكين الموقعين على الاتفاق، لكن هذا لا يقلل من دور الأطراف الثانوية التي قد يصبح دورها جوهرياً إن عجزت الحكومة عن الالتزام بتعهداتها.
٭ هل يوازي دور التحرير والعدالة الآن في دارفور ما حققته من مكتسبات للإقليم عبر الدوحة؟
ــ لا نستطيع ان نقول بهذا لأن طموحاتنا أكبر مما هو واقع الآن، فهذه الحركة تضم في داخلها كل الاثنيات والاتجاهات الفكرية والثقافية واللغوية، وقد لا أبالغ إذا قلت ان كل اهل دارفور بكل مكوناتهم ممثلون داخل هذه الحركة، لهذا ما تمثله حركة التحرير والعدالة من ثقل لا يمكن مقارنته بما هو موجود على أرض الواقع.
٭ وهل تعتقد أن الحركة مؤهلة لتمثيل اهل دارفور؟
ــ لا يوجد شك في أن التحرير والعدالة هي الاكثر شعبية وجماهيرية وامتداداً في دارفور، وهذا لأننا نرهن قضايانا بشعب الاقليم ومكوناته. ولا ابالغ اذا اشرت الى ان الحركة اضحت اكثر من مؤهلة لأن تكون الوعاء السياسي لكل اهل الاقليم بكل تبايناته، فقط ما يلزمنا في المرحلة القادمة هو استكمال تحويلها لحزب سياسي، وتنشيط عملها داخل الاقليم وفي بقية امتداد دارفور الاجتماعي. ونعني بهذا الامتداد كل ابناء دارفور في بقية انحاء السودان.
٭ الملاحظ أن الحركة انكفأت على نفسها مركزياً ولم تعد تتحرك الا باتجاه المؤتمر الوطني؟
ــ لقد سعت حركة التحرير والعدالة منذ توقيع الاتفاق الى لقاء كل القوى السياسية، وشاركنا بوصفنا وفد مقدمة في اجتماعات ضمت كل الاحزاب السياسية يميناً ويساراً ووسطاً، وذلك ايماناً منا بأهمية التواصل مع الآخرين، وسعياً منا وراء شرح الاتفاق ورؤيتنا لسلام دارفور ومعالجة الازمة هناك. ونحن حريصون جداً على فتح قنوات حوار مع القوى السياسية الفاعلة في البلاد، وما يربطنا معها هو مصلحة أهلنا في دارفور والسودان، لأنه ليس لدينا عدو او صديق، والذي يحدد شكل العلاقة بيننا وبين أي مكون سياسي في السودان بداية بالمؤتمر الوطني وانتهاءً بالآخرين هو مدى جاهزيته للدفاع عن حقوق شعبنا، واحترامه للحرية والديمقراطية والعدل والسلام والاستقرار.
حوار : ماجد محمد علي
الصحافة [/JUSTIFY]