بين الرياضة والريادة

بين الرياضة والريادة
منذ أن عدت من غربتي الطويلة وأنا عازف عن العمل العام، لأن العمل العام تكتنفه مشقة وعنت كبيرين، لكن أخوة أعزاء من الذين يظنون بنا خيرا إرتأوا أن ينصبوننا في مكمن من أماكن العمل العام (رئيسا) للجنة المجتمعية بالحي الذي أسكنه، والعجيب أنهم من بين أسبابهم لذلك أنني وصاحبي (الصبابي) أصحاب حظوة وقبول، مقحمين الرياضة في ذلك ، في حي فيه التوادد والحب أغلى قيمة من كل الأشياء، وهو حي وديع يتوسد مثلث بحري القديمة ومحصور بين الصبابي والمزاد والدناقلة وكوبري شمبات .

ولما كنا عازفين عن هذا الأمر فإن كثيرون قد مارسوا نحونا نوعا من الضغط المعنوي محمليننا أمر هذا التكليف الكبير الذي يقتضي متابعة مستمرة لشؤون الحي، والحقيقة أنني أمارس هذا العمل مع أخوة أكارم من من خير أبناء حينا الأبرار، الذين يقاسموننا التكليف وعبء العمل، أما (عزالدين) فأجد نفسي متناغما معه في كل عمل نقوم به علاوة على واجهته القانونية القضائية، وأحسب أنه قد وافق على المشاركة تحت إلحاحي عليه رغم مشغولياته الكثيرة التي لا تترك عنده متسع لمثل ذلك، وبيننا كذلك أخوة على شاكلة النقاء والصفاء والعلم.

لم ينتهي بنا أمر التكليف الى هذا الحد، بل تمادى التكليف فينا هذه المرة من أهل الحي نفسه الذين رأوا فينا ضرورة أن نكون في اللجنة الشعبية في الحي، خاصة وأنها هذه المرة من دون سابقاتها تشهد حراكا ذو ضراروة شديدة، وقد حاولنا جاهدين أن ننأى بأنفسنا عن ذلك، لكننا لم نلق سبيلا للخروج عن إصرار الناس الى الإعتذار، حتى وجدنا أن كل المخارج قد أغلقت أمامنا إلا باب القبول والرضا بأن نكون حيت يرتأى الناس لنا أن نكون .

فعقدنا العزم هذه المرة أن ندخل سجال إنتخاباتها والتي لم نكن نحمل لها إلا جزالتنا بين الناس، والمعايشة الوجدانية التي تجمعنا بهم، رغم ضراوة التحدي وتكالب الناس على هذه اللجنة، وقد شهدت إنتخابات هذه المرة في حيينا إستقطابا حادا إنتهى الى ثلاث قوائم، إستعصت حتى على التوافق والذوبان فيما بينها.

والغريب أن البعض كان يرى أن حظنا في الفوز أقل وأقرب الى الخسران لكونا قد نأينا بأنفسنا الى ملاذات الآخرين وقررنا أن تكون لنا كينونة منفصلة نجابه بها القائمتين، وأردنا أن نكون أكثر إنفتاحا على الناس، بإعتبار أن هذه اللجان الشعبية تعتبر حكومات مصغرة في الأحياء، مما يعني أنها تحتاج الى قدر من الإنسجام والتناغم حتى تؤدي دورها وتنجح في أداء رسالتها .

لكن آخرون كانت لهم نظرة مغايرة عن نظرتنا لهذا الأمر، حيث كانوا يظنون أننا سنخسر الرهان، وسنعود خائبين نتوكأ عصا الخذلان، حيث ينتظرنا الشمّات والمعاتبين والراصدين والقادحين، بينما كنا أكثر إستوثاقا بقدراتنا الموصولة بالقاعدة التي نرتكز عليها .

وبناء على ذلك شكلنا غرفا للمتابعة والرصد والتحليل ونصبنا أحد فرسان الحي ( صالح عوض الله صالح) بخبرته النقابية ليكون مديرا للحملة ليبدأ الرجل بالتعبئة ثم الإستكشاف ثم إختيار مكامن القوة في الشخوص ذاتهم ومدى تأثيرهم في الناس .

وإرتأينا كذلك أن أمر إخفاء قائمتنا عن الناس نتوّه به المترصدين عن تتبعنا ونمنع التأثير على مراكز القوة عندنا، مستصحبين أن نجتبيء القوي الأمين ليكون في ذمرتنا، وبيننا وبين من نصطفى لون من الميثاق والعهد .. فكنا عصبة متجانسة الإيقاع والخطى ، إذ بيننا إيهاب إبن عبد الوهاب، وبيينا فدوى ومروة بمروءة نحسدهما عليها ، وبقيادة الفارسة المناضلة (إبتسام عبد الرحمن) التي فاقت الرجال في العنفوان والتحدي .

أما الدكتور فيصل (كبسور) فقد لمسته جادا قويا على نحو على نحو فاق ما كان في ظني ، فقد كنا نظنه أميل الى الضحك والفكاهة والمرح من الجد والحزم، لكننا وجدنا فيه مدرسة في العمل والمراس والتحدي لنفوز بواجة جديدة عنده، تمكننا من إرتياد المراقي وتحقيق طفرة نوعية نتطلع لها في الحي ، وبيننا كذلك ثلة من أصحاب وصاحبات الهمة العالية في مقدمتهم المربي (عبد العاطي الخليفة) والمأمون وعادل.

وهكذا دخلنا حومة السجال بعد أن أن عقدنا العزم وتوكلنا على الله، مدركين أن النصر والهزيمة وجهان لعملة واحدة وشأنان مترادفان يطوفان بين الناس، وأياً كان شكل الهزيمة يجب أن نتقبلها بروح رياضية سمحاء، وبقدر عال من السماحة والقناعة والواقعية ولين الجانب، دون انفعال وودون غضب، معترفين بالواقع والحياة .

كما قررنا أن لا نشيّع فوزنا بنشوة زائدة وكيد خفي، وأن لا تتمدد أفراحنا واحتفالاتنا بهذا النصر الى أمد الشماتة بالآخر، لأن ذلك يوقظ كوامن الغل والترصد والتشفي في الآخر، وأن نعلن تقبلنا للنصر والهزيمة بعد إستنفاد الأطر القانونية لتكون طريقنا للإخاء وإستعدال المسار والنجاح ولنبعث بذلك رسالة لتطييب الخواطر وإشاعة الود بين الناس، لنعود أخوة في الحي كما كنا .

وكان النصر لقائمتنا التي إنتصرت للناس لأننا كنا الأقرب لأحاسيسها، ولأن الرياضة علمتنا كيف نبسط الوجدان والوجه في وجوه الناس وكيف نكون آدميين وإنسانيين في الحياة، لتصبح الرياضة ساحة تدفعنا للأمام وتكسبنا حب الناس وودهم، حيث تعلمنا أن الإبتسامة في الوجوه هي العملة النادرة في هذا الأوان.

أما الزهو فهو مرض يعشعش في عقول وقلوب كثير من الناس، وفي تصرفاتهم وسلوكهم ، فهناك من يوصمون الناس بالجهل وسوء التقدير لأنهم يتصورون الآخرين أقل إدراكا منهم، فعندهم لا تساوي لا أنت ولا حديثك شيئاً عندهم لأنهم يسفهون الناس وقدراتهم وهذا شأن الخاسرين للدنيا والآخرة، وربما تأخذهم العزة بالنفس، لأنهم يتصورون أن مجرد إلحاق الهزيمة بالآخر هو الهدف والغاية ويتوقفون عند هذه المحطة ، فيفوتهم قطار العمل والبذل .

شكرنا وتقديرنا لكل أهل الشعبية جنوب الذين منحونا قلوبهم قبل أصواتهم .. والتحية حتى للذين لم يمنحونا ذلك لكنهم منحونا الإحترام، وليعلم الجميع أن الفائز الأكبر هو الحي الذي مارس حقه في الإنتخاب .
………….
ملء السنابل تنحني بتواضع .. والفارغات رؤوسهن شوامخ
…………

صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو)
[email]shococo@hotmail.com[/email]
Exit mobile version