تنملحي جربّا يا يمة .. تكبي لينا سلقة ملح قدر ده .. قايلانا مهيّمين؟!!
ولكن والدها كحال كل الآباء الحنان – سارع لنصرتها والدفاع عن فعلتها الخرقاء:
يعني عايزاها تتعلم الطبيخ وين؟ ما لازم يوم ناكل مسيخ ويوم مالح ويوم محروق لمن تتعلم زيها وزي أخواتا .. ولا دايراها تتعلم الطبيخ في بيت راجلا؟
هذا لا يعني أن (أم وجدان) كانت غاضبة عليها حقا عندما قذفت في وجهها قنبلة تلك الدعوة، وانما كان ذلك نوع من التعبير عن احباطها – فقط – من عدم سرعة (وجدان) في تعلم كيفية سبك (ملاح الرِجلّة) .. فقد طيّبت خاطرها لاحقا، وحكت لها عن تجربتها مع ردم الملح في الملاح، عندما قدمت بفخر لجدها صينية طعام من طبخها، فناداها بعد قليل لتحمل عنه الصينية وقال في هدوء وهو يجتهد في اخفاء ابتسامة الأسد:
أمشي يا فالحة شيلي الصحن ده .. لقّطي منو الملح براهو والملاح براهو !!
ما زالت صيغة الدعاء (تنملحي جربّا) تكييفني وتثير فيني الرغبة في الضحك فهي من ألطف ما سمعت من صيغ الدعاء، وان كنت قد نسيت أن اوردها ضمن منظومة الدعاء والمداعّاة التي رصدتها في مادة (النعامة التزوزي بيك).
وصيغة (تنملحي جربّا) يمكن ان تذكّر وتطلق على الرجل وهي تعني الدعاء على المدعي عليه بأن يصيبه الجرب ومن ثم يتمسّح بالملح للعلاج من جربته، فقد كان قدماء المصريين هم أول من عالج الجرب بالملح، والجرب هو مرض جلدي قديم وينشأ عن طفيل في الجلد، يقوم بحفر انفاق تحت الجلد وتضع الانثى منه بيضها وتنتج منه كميات هائله، ويزداد تهيج الجلد مع تطور الاصابة، مما يجعل المريض يحك حكا شديدا حتى يجرح جلده، كما يمكن أن ينتقل هذا المرض من الحيوانات الى الانسان الذي يتعامل معها، مثل جرب الجمــال الذي ينتقل من الجمال الى الشخص الذي يتعامل معها ولا يهدأ هذا النوع من الجرب، وينتقل من السليم الى المريض بمجرد ملامسه الجلد، وقد استعمل قدماء المصريين خلطة تتكون من الحنظل والتمر والملح والكمون، حيث يقومون بغلي هذا الخليط ثم يستخدمونه لمسح جلد المصاب بالجرب فيطيب بأذن الله.
ولعل من اشهراحاجي الاطفال تلك الحجوة التي كانت توضح أهمية الملح، فهي تحكي عن طرد الملك لابنه من بيته وقلبه، عندما شبه ذلك الابن محبته لابيه بمقدار محبته للملح، ليندم ذلك الملك عندما يتعلّم لاحقا وبعد سنوات حرم فيها نفسه من محبة ابنه، بان الملح هو اكسير الحياة التي لا تحلو ولا تكتمل متعتها من دونه – بالجد – يمكننا ان نستغنى عن السكر ولا نتأثر أو نفتقد غيابه، ولكن لا طعم للحياة بدون الملح.
أما صيغة (الملح والملاح) وهي كناية عن المعاشرة والمؤاكلة، فـ لها قدسية شديدة عند من يعرفون قيمة العشرة ومدى سوء أن تخون من أكلت معه (الملح والملاح) .. ولطالما أرتبط الملح في موروثات الحبوبات عندنا بطرد الشر والوقاية من العين والحسد، فـ للحبوبات عقيدة واعتقاد راسخ في خلطة الملح مع الكمون الاسود في فك المربوط وطرد الشياطين، كذلك فان هناك اعتقاد لدى البعض بأنه يجب عند الحفر لوضع حجر الاساس للبناء الجديد، رش الحفر بالملح وعيش الذرة والكمون قبل البدء في البناء، لتبعد الحسد والعين وتطرد عمار الارض، ونفس الاجراء يجب ان يحدث قبل سكن الدار الجديدة حيث أنه من عادة الكبار رش مدخل البيت واركان غرف المنزل بالملح والكمون قبل ادخال العفش والاساسات فيه.
عندما أصاب ابني إلتهاب رئوي اثناء زيارتي لـ ود مدني في احد الأعياد، دعتني (عمتي) لان أمسح على صدره بالملح ثم نصحتني أن أرمي بقبضة يدي القليل من الملح خلفه فوق كتفه الايمن وقليل فوق كتفه الايسر .. قالت:
اسكتي ساي وشيلي ليك حبيبة ملح اكشحيها بـ قفاه .. حبة بي كتفو اليمين وحبة بي كتفو الشمال .. وبراك بتشوفي.
طبعا ما اشتغلتا بي كلامها الشغلة، وحسبته فن من تفانين تخاريفها اللذيذة، ولكن عندما دهم ذات الإلتهاب الشرير الماعندو شغلة غير عيالي – ابني الصغير في الايام الفائتة، تذكرت كلام العمة الحبيبة فنفّذت وصيتها التي سبق أن وصتني بها و(طنّشتها) .. الغريبة انني لاحظت عليه سرعة في الاستجابة للعلاج، واستعاد عافيته باسرع مما كان يحدث من قبل .. ياربي ده من شنو؟؟!! [/ALIGN]
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com