السلام بالأحضان ورفع الفاتحة آخر تقليعات السرقة

وشمس الخميس الماضي تلملم أشعتها إيذانا بإعلان مغيها، تتزاحم وتتناكب مجوعة ليست بالصغيرة بالقرب من نفق السكة حديد جنوبي داخيلة الزهراء بجامعة الخرطوم بغية الظفر بمقعد حتى إن كان غير وثير بإحدى المركبات العامة التي عز وجودها وتوافرها في الآوانة الأخيرة بالمواقف العامة ومحطات المواصلات المعهودة، ومع مرور الوقت تكدس المواطنون فرداً إثر آخر حتى ضاقت جنبات المحطة على امتدادها وسعتها عن سعتهم، ليشتد الزحام وتزيد وتيرته ليكون سيد الموقف، الأمر الذي شكل مرتعا خصباً لذوي النفوس المريضة، لتطل على أعين المراقب عفوياً جملة من التجاوزات المجتمعية تتباين شدتها وحدتها من موقف لآخر، غير أن أكثرها إبهاراً وجذبا للفت الانتباه موقف بديع وفريد من نوعه لم ولن يكون في مقدور أي أحد سوى أهل البصيرة السليمة والسجية مجرد تخيله، ولو أن البعض قدم وحكاه لـ «الصحافة» لتردد محررها ألف مرة قبل تسيطر حرف بشأنه، غير أن «الصحافة» كانت شاهد عيان على ما اعتبرته آخر تقليعة في عالم السرقات التي يبدو أنها تطورت أساليبها، فبينما كانت محررة «الصحافة» على دكة الانتظار بالمحطة إذا بها تلحظ رجلاً يبدو من ملامحه تخطيه العقد الرابع من عمره، يرتمي في أحضان مثيل له في العمر بغية السلام عليه بعناق، غير أن المفاجأة كانت في نفور المرتمى على أحضانه وترديده بصوت عالٍ في نكران بين لمعرفته: إني لا أعرفك.. ومع ذلك يزيد إصرار الحاضن على مواصلة معانقة الرجل دون توقف رغم صيحات واستهجان الآخر الذي أحس إبان معانقة الرجل إليه بامتداد يد المعانق إلى جيبه الأمامي والعمل على سحب ما فيه من نقود، لتنقذه العناية الإلهية وتنبهه إلى ما يحيكه الرجل ويدبر له، ليتحول العناق إلى عراك بين الرجل المعانق الذي يريد دفع الرجل بعد أن اكتشف خطته والمحتضن الذي يزيد في الإمساك به بغية تلقينه درساً في الأخلاق وتسليمه للسطات، لينتبه الحضور إلى ما يجري بين الرجلين، فانهالوا ضرباً ولطماً على وجه «الحرامى» حتى بعثر المبلغ على الأرض قبل تسليمه إلى السلطات المختصة .
وبمجرد وصول أول حافلة إلى المحطة، كان ما حدث بين الرجل مادة دسمة لفتح مسارات النقاش والتحليل بين الركاب للواقعة التي وصوفوها بالدخيلة على المجتمع، فطفق بعضهم في إيجاد العذر للحاضن وتعليق صنيعه على مشجب شماعة الوضع الاقتصادي، فيما لم يجد آخرون سوى اجترار ذكريات الزمن الماضي الذي سمته المعافاة من الأدواء الاجتماعية، قبل أن يلقي الآخرون اللائمة على السلطات جراء عدم قيامها بدورها بالصورة المطلوبة زجرا ووأداً لمثل هذه الظواهر في مهدها، فيما ترى فئة رابعة أن الحادثة تنم عن مرض وضعف إيمان لجهة أن الظروف ليست دافعاً لأن يصبح المرء مجرماً، فالكل مضغوط، فاذا كان الظرف الاقتصادي الدافع الاساسى للسرقة فالكل سيصبح سارقاً.
وحكت لـ «الصحافة» مجموعة من المواطنين أن أساليب السرقة تعددت باحترافية يحسد عليها ممارسوها، وروت لنا المواطنة رجاء قصة وقعت في أحد احياء شرق النيل شهدها والدها مع مجموعة من اهالى الحى، وأوضح أنهم بينما كانوا عاكفين على أداء صلاة المغرب ذات يوم ليس بعيداً، وبعد انتهاء الصلاة فوجئوا بعربة «بوكسى» ينزل منها اربعة رجال يحملون على متنها جنازة ليضعوها على الارض والبوكس يذهب تاركا الرجال والجنازة، وهب الجميع وقوفاً لمساعدتهم في دفن جثة المتوفى، وبعد قراءة الفاتحه حكى أحد مصاحبي الجنازة أن المتوفى يقرب لهم وهم يسكنون خارج العاصمة، وأنهم لا يمكلون مليماً واحداً لإيصال الجثة إلى حيث يقطنون، وأن صاحب البوكسى فاعل خير، ولم يكمل الرجل حديثه حتى انهالت عليه تبرعات المصلين، لتضيف رجاء أن فصول المفاجأة استمرت باتصال أحد الرجال هاتفياً على صاحب البوكسى الذى تركهم لتعود العربة البوكسى ويركبها الرجال بسرعة البرق وينطلق بهم البوكسى بسرعة جنونية تاركين الجثمان فى الأرض، ليخيم الذهول على الكل، وبعد أن فاقوا من هول الصدمة الصدمة اكشتفوا أن الجثة لا تعدو أن تكون مجرد مجسم من الحطب والملابس.
وحكى لنا أحمد تعرض أحد أقربائه الذي كان مغترباً لعملية نصب واحتيال عند عودته إلى السودان أثناء قضائه بعض احتياجاته تأهباً للسفر، وكان يتابعه أربعة أشخاص، وكان يحمل حقيبة فى يده، وادعى الاشخاص معرفته برفع ايديهم للفاتحة، ليضع حقيبته المملوءة بالمال على الأرض لرفع الفاتحة، ليجيء أحدهم من خلفه ويسحب الحقيبة ويهرب، ليلوك أصابع الندم على عدم الانتباه لمثل هذه الحيل.

الخرطوم: هويدا المكي
صحيفة الصحافة

Exit mobile version