مع اقتراب المؤتمر العام الثامن .. الحركة الإسلامية .. من يخلف “شيخ علي”؟!

”فتنتنا السلطة” هذه العبارة ما فتئ يرددها زعيم الحركة الاسلامية السودانية السابق د. حسن الترابي كلما سؤل عن حالة الحركة التي تفرقت دماؤها بعد ثلاثة عشر عاما من المفاصلة وخروج الترابي بمؤتمره الشعبي.
بعد ذلك استفرد المؤتمر الوطني بالساحة حاول ان يجري عملية توسعة سياسية يجمع بها حتى غير الملتزمين بالفكر الاسلامي لملء الفراغ الذي أحدثه غياب ثقاة الاسلاميين والحركة الاسلامية. بدورها عاشت حالة تيه أوصلت الحال إلى تعالي الهمس بين اسلاميين “خلص” وملتحقين بسفينة الانقاذ بسلطتها، حيث اصبح وسط انشغال قيادة المؤتمر الوطني بمتابعة خيوط لعبة السلطة وتفادي مطباتها التي لا تنتهي, هنالك وبعيدا عن الاضواء او قل ليس كل هذا البعد يتهامس الاخوان جهرا ويطرحون الأسئلة على بعضهم البعض دون ان يتركوا مجالا للتهرب “انت حركة اسلامية ام مؤتمر وطني؟” بعضهم يبتسم ويرد “أنا مؤتمر وطني ساي” وآخر بعد ان يتحسس ذقنه يقول بنظرة حادة “أنا حركة اسلامية” وبعضهم يرد بنصف ابتسامة “أنا مؤتمر وطني وحركة إسلامية”.
الناظر لذلك السؤال ولتلك الإجابات واضعا في الحسبان الجدل الذي بدأ يتفجر وسط الساحة السياسية خاصة بين المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية وأيهما مرجعية للآخر ومن يذوب في الآخر وأيهما موجود وأيهما غير موجود لعرفت أن في الأمر شيء.
بدون شك ان سنوات الجبهة الاسلامية في الحكم أحدثت تحولات كبيرة داخل الجسم السياسي الاسلامي حيث عقب نجاح الانقلاب وبدء سياسية “التمكين” اتجة الدكتور حسن الترابي لحل الحركة الاسلامية في محاولة وصفها البعض “بالتصفية” لعدم رغبة الرجل في قيام مرجعية سياسية وايدلوجية تكون رقيبة على أداء سير عمل الدولة، خاصة وان الانتقال من مقعد المعارضة لسدة الحكم يحتاج لجسم يتجاوز فكرة الحركة الاسلامية إلى أبعاد مرنة تستوعب مكونات اخرى سياسية يسارية ويمينية وحتى دينية (مسيحية) لتمكين نظام الحكم ومنعه من العزلة المجتمعية باعتبار ان ليس كل السودانيين حركة إسلامية.
مؤتمر الحركة.. عندما تطرح الأسئلة الصعبة!
بالأمس وفي قاعة مركز الزبير محمد صالح للمؤتمرات عقد المؤتمر الصحفي الخاص بإعلان توقيت قيام المؤتمر العام للحركة وأشار رئيس مجلس شورى الحركة الاسلامية البروفسير ابراهيم احمد عمر إلى أن المؤتمر القادم سيكون فرصة لتضميد الجراح والإشارة هنا واضحة فجراح الاسلاميين السودانيين ماتزال دماؤها تتدفق بعد مفاصلتها الشهيرة، وعلى الرغم من هذا الحديث اللين إلا ان البروف عاد وحسم بأن عضوية المؤتمر الشعبي لاعلاقة لهم بالحركة الاسلامية وتهرب في المرة الأخيرة من سؤال مباشر لا يقبل القسمة بتوجيه الدعوة لعراب الحركة الاسلامية د. حسن الترابي حيث اكتفى فقط بالتنويه بأن الدعوة وجهت لكافة القادة الاسلاميين موضحا أن أهم مافي المؤتمر هو عرض الدستور الجديد للحركة بجانب اللائحة التنظيمية له، واوضح القيادي بالحركة د. مصطفى عثمان إسماعيل أن المؤتمر سيكون منعطفا مهما في تاريخ الحركة الاسلامية على مستوى الداخل باعتبار أنه أول مؤتمر ينعقد عقب انفصال الجنوب وعلى المستوى الخارجي لأنه يأتي عقب ثورات الربيع العربي التي هبت على الدول العربية متوقعا حضور60 شخصية اسلامية من الداخل و150 شخصية تمثل مؤسسات ومنظمات اسلامية على مستوى العالم.
بدورها قالت مسؤولة الإعلام للمؤتمر سناء حمد إن المؤتمر سينتخب أمينا عاما جديدا ومجلس شوري جديدا أيضا.
سؤال صعب طرح على البروف ابراهيم حول الوضعية القانونية للحركة الاسلامية خاصة وأنها ليست مسجلة في هيئة ولا حزبية او دعوية، ولأن السؤال ليس لديه إجابة جاء رد البروف بالقول “عندما توجد هيئة او جسم يمكن أن يسجلنا سنسجل عنده”.
كل التوقعات تشير الى أن المؤتمر الثامن للحركة والرابع عقب المفاصلة سينعقد بشكل مختلف عن سابقاتها نسبة لتغيير الأجواء السياسية في البلاد وهذا مابدا واضحا منذ اجتماع مجلس شورى الحركة الاسلامية الذي تم تأجيلة للمرة الثانية ونجح في المرة الثالثة في الانعقاد وسط أجواء من السرية والسبب وراء التأجيلات السابقة نابع من تباين الآراء والمواقف السياسية والتنظيمية داخل المؤتمر الوطني قادت إلى منع قيام ملتقى الشورى للمرة الثانية على التوالي خلال العام الجاري، حيث كان مقرراً قيام المؤتمر الأول في شهر مارس الماضي وعلى الرغم من انعقاد مجلس شورى الحركة الاسلامية إلا أنه لم يخرج بنقاط واضحة في القضايا المطروحة والتي كان من المفترض ان يجيب عليها، وأكبر أمر خرج به الاجتماع هو أن الأمين العام للحركة الاسلامية ونائب الرئيس علي عثمان محمد طه لن يترشح لانتخابات الحركة المقبلة باعتبار أنه أكمل دورتين في منصبه أمينا عاما للحركة، وهذا الأمر في شكله الخارجي يعد أمرا طبيعيا إلا أن باطنه يحوي العديد من المتغيرات التي قد لا تظهر على المستوى القريب لكن لها أثر على المستوى البعيد والاستراتيجي خاصة في الشخصية التي ستخلف “شيخ علي” على المنصب وهل ستتبنى رؤية تذويب الحركة في الحزب ام تقوية الحركة وجعلها منافسة للحزب؟.
أيضا خرج الاجتماع بأمر مهم وهو الإشارة بشكل واضح إلى تعريف الحركة بأنها جسم سياسي وفكري ذو أهداف يسعى لتحقيقها وله حزب سياسي على أن تكون الحركة مشرفة عليه دون الإشارة إلى (حزب المؤتمر الوطني الحاكم حالياً).
صراع الحركة والحزب… من يفوز؟
منذ أن أطلت مذكرة الـ (1000) شخص بوجهها وإثارتها للكثير من الجدل وسط الساحة السياسية والمؤتمر الوطني، خاصة وأنها طالبت بإصلاحات سياسية وجاءت بها إشارات لضرورة ان يتوحد الاسلاميون وأن تعود السيرة الاولى للحركة الاسلامية بإحياء قيم الجهاد والتعبئة وعدم التخلي عن الشريعة الاسلامية، اعتبر البعض أن قيادات الحركة الاسلامية التي لا يعجبها سير أداء المؤتمر الوطني هي من وقفت وراء إعداد المذكرة والدفع بها إلى الأمام ليعود بعدها جدل “المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية” من جديد لدرجة أن البعض قال إنهم يريدون أن “يرثوا” الوطني باعتبار أنهم المرجعية الحقيقية للحزب. إثر هذا التصعيد سارعت قيادات في المؤتمر الوطني للمجاهرة بنيتها في تذويب الحركة الاسلامية في المؤتمر الوطني وسارعت أيضا بعض أجهزة المؤتمر الوطني للتقرب من الغاضبين عبر سياسية الدمج الوظيفي حيث جاءت التعديلات الأخيرة في هيكلة الوطني، وبعض المصادر تخوفت من تغول الوطني على المشهد قد يأتي بنتائج عكسية إلا أن بروف ابراهيم بالأمس حسم الامر وأشار إلى أن الدستور الجديد سيجعل عضوية الحركة الاسلامية هي عضوية المؤتمر الوطني بمعنى سيكون الوطني الواجهة السياسية للحركة.
نجد أن كل هذه الشواهد تدل على أن هنالك شيئا يدور في الخفاء يجعل الاختلاف قد ترتفع سقوفه حيث أشار قيادي بالحركة الاسلامية – فضل حجب اسمه – أن البعض بات يتهرب من استحقاقات انعقاد المؤتمر العام للحركة الذي ستخرج فيه النقاشات التي تدور في الصالونات للعلن وأضاف لـ(السوداني) أن البعض لا يريد سماع تلك الأحاديث، وأشار إلى أن هنالك العديد من الأوراق أعدت لوضع خارطة طريق تعيد بها الحركة الاسلامية سيرتها الأولى بعيدا عن تأثيرات السلطة عليها وأضاف: “نستعد للخروج من العباءة” متوقعا أن تثور بعض الجهات عليهم، إلا أنه أشار لوقوف القيادات العليا معهم في ترتيب الصفوف مستبعدا وجود خطة للصراع مع المؤتمر الوطني باعتبار أن أغلبية الشخصيات التي تقف على ترتيبات إحياء الحركة الاسلامية لديها عضوية داخل المؤتمر الوطني.
واستبعد في ذات الوقت الاتصال بقيادات في المؤتمر الشعبي للمشاركة في مداولات الترتيب لمؤتمر الحركة الاسلامية لكنه لم يستبعد دعوة شخصيات إسلامية ابتعدت عن العمل السياسي عقب المفاصلة أو حتى بعد وصول الحركة الاسلامية للحكم.
أمين حسن عمر.. بين نظرية الدمج والصف الخالص
بعض منظري المؤتمر الوطني يرون أن الطريقة التي يجب استخدامها لاحتواء “غاضبي الحركة” بالتسريع في خطوات تذويبها في المؤتمر الوطني، وهذا الأمر لم ينفه القيادي بالمؤتمر الوطني والحركة الاسلامية د. امين حسن عمر خلال حواره مع المركز السوداني للخدمات الصحفية حيث أقر بوجود اتجاه لهذا الأمر، مشيرا إلى أن هنالك نظريتان الأولى نظرية الدمج الكامل لكنها غير مقبولة من الكثيرين والثانية هي نظرية الصف الخالص.
ويبدو أن عمر معجب بفكرة أن تكون الحركة الاسلامية مرجعية حيث اعتبر أن هذا النموذج قديم وعرفته الحركة الإسلامية هو أن تكون هناك حركة إسلامية، وهناك حزب تشارك فيه وهذا الأمر موجود في جبهة الدستور سنة 1958م حيث كان هناك الإخوان المسلمون في إطار جامع مع الآخرين. وفي سنة 1964م كان هناك جبهة الميثاق الإسلامي والإخوان المسلمين وهم حتى كانوا مختلفين. في الإخوان كان هناك محمد صالح عمر وفي جبهة الميثاق د. حسن الترابي. وهذا ما حدث في وقت الجبهة الإسلامية القومية، على الرغم من أن في مرحلتها حدث تجنيب لنشاط الحركة الإسلامية المنفصل عن الجبهة، وأصبحت أجهزة الحركة الإسلامية أشبه بأجهزة الرقابة فقط.
وأشار أمين إلى أنهم يعتقدون أن الحل الأمثل لهذا الجدل أن تعمل الحركة الاسلامية في مجالات الثقافة والدعوة والفكر والعمل الاجتماعي ولكنها في السياسية لا تعمل إلا داخل المؤتمر الوطني.
الحركة.. سؤال الوجود والنفي!
في سؤال الوجود والنفي للحركة الاسلامية مقابل المؤتمر الوطني يقول نائب الامين العام للمؤتمر الشعبي عبدالله حسن في حديث لـ(السوداني) إنه عقب نجاح الانقلاب أشار البعض الى ضرورة قيام حزب كبير يجمع الحركيين وهذا كان قبل قيام الانقسام حيث قام المؤتمر الوطني وجمع الاسلاميين وغير الاسلاميين وكان رأي الناس أن يفتح الباب لغير الحركيين الاسلاميين لحكم الدولة، وأشار إلى أن الترابي لم يحل الحركة الاسلامية ولكنه أعطاها مهام محددة للقيام بها “التبشير بالدعوة” معتبرا الحديث عن حل الحركة “إشاعة” ووزع مهامها وفصل المهام العامة التي يشارك فيها كل السودانيين للمؤتمر الوطني.
واعتبر حسن أن المؤتمر الوطني أنهى الحركة الاسلامية لأنه كحزب حاكم لا يريد قوى أخرى تنافسه ولا يريد مرجعية، مشيرا إلى ان الاسلاميين لديهم أشواق لتوحيد الحركة معتبرا أن هذا الأمر “غير مستحيل” إذا تجرد من العمل السياسي، مشيرا إلى أنهم يلتقون ولديهم أنشطة مع بعضهم من صيام وقيام ليل ولم تنقطع كل الصلات.
فيما يقول القيادي السابق بالحركة الاسلامية والمحلل السياسي د. الطيب زين العادبدين إن الحركة الاسلامية موجودة وغير موجودة في ذات الوقت بمعنى أن الحركة المتواجدة الآن هي تابعة للمؤتمر الوطني وليس لها وجود مؤسسي وليست مسجلة لدى مسجل التنظيمات السياسية وليس لديها أنشطة سياسية وهي فقط تعمل الإطار الفكري والاجتماعي وتقدم الدعم السياسي للمؤتمر الوطني.
واعتبر زين العابدين في حديثه لـ(السوداني) أن محدودية عمل الحركة الاسلامية يرجع إلى أنها “ممنوعة من الحركة” بشكل او بآخر وأن هذا الأمر تم بقصد منذ حل الحركة بعد وصولها للسلطة نافيا ان يكون هنالك صراع بين الحركة والمؤتمر الوطني معتبرا أن الاحتكاك الذي خرج للسطح في هذه الفترة يرجع إلى أن قواعد الحركة الاسلامية التي بدأت تشعر بأن الدولة والمؤتمر الوطني فشلا في إدارة البلاد لذلك تطالب بالتحرك والعمل والمشاركة في الحكومة وهذا قد يخيف المؤتمر الوطني مشيرا إلى أن عضوية الحركة إذا تنظمت وثارت سيستمع اليها في المرحلة القادمة.
من يخلف “شيخ علي”؟!
الكل الآن في انتظار قيام المؤتمر العام للحركة الذي سيختار قيادة جديدة ودستور جديد وينتظر أن يدور حوله أيضا جدل كبير خاصة في الصلاحيات والاستقلالية التي يتطلع اليها البعض في الوقت الحالي للحركة الاسلامية في مواجهة المؤتمر الوطني وتدور خلف الكواليس عدد من السيناريوهات لبديل “طه” حيث يطرح بقوة عدد من الأسماء التي تضع نفسها وريثة لأفكار الحركة الاسلامية القديمة وتعمل على تجديدها ويأتي في مقدمتهم دكتور غازي صلاح الدين المنافس السابق لشيخ علي عثمان على المنصب ولرجل رواج وشعبية في القواعد الشبابية و القيادي بالمؤتمر الوطني والحركة اسلامية د. امين حسن عمر هو الشخص الذي ينظر اليه بأنه “الوريث الفكري للترابي” باعتبار أن عراب الحركة الاسلامية ومفكرها د. حسن الترابي بعد المفاصلة ترك الساحة وراءه خاصة من ناحية التنظير والتجديد الفكري الاسلامي خالية سوى قليل من الاجتهادات غير المؤطرة والمنتظمة كما كان يفعل الترابي، وفي الفترة الأخيرة يلاحظ اتجاه امين حسن عمر الذي كان مقربا من الترابي لدرجة توقع الكثيرون أن يذهب معه وقت المفاصلة لذلك الرجل استفاد كثيرا وينظر البعض لأمين بأنه مقرب من الترابي وقد يصب تنصيبه أمينا عاما للحركة الاسلامية في اتجاة وحدة الحركة الاسلامية بجانب البروفيسور ابراهيم احمد عمر، إلا أنه أشار بالأمس لرحيل كافة شيوخ الحركة عن سدة قياداتها ليفتح الباب أمام الشباب وهذا قد يفتح باب المفاجآت، فقد تأتي سناء حمد التي فرضت هيبتها على مؤتمر أمس لتكون أول امرأة تقود حركة إسلامية.
[email]Kalo1555@yahoo.ca[/email] تقرير: خالد أحمد
صحيفة السوداني
Exit mobile version