في أكتوبر من العام الماضي، وقفت سيدة سعودية أمام القاضي الشرعي في مدينة جدة مطالبة بإثبات طلاقها من زوجها، بزعم أن الطلاق وقع سلفا، فاستدعى القاضي الزوج ليسأله عن حقيقة الأمر، فقال إنه لم يطلقها لا شفاهة ولا كتابة، فما كان من الزوجة إلا أن أثبتت أن الطلاق وقع بالفعل وأخرجت هاتفها الجوال وعرضت على القاضي رسالة نصية تقول: أنت طالق، طالق، طالق، واستفسر القاضي عن رقم الجوال مصدر الرسالة فاتضح انه يخص الزوج، ولكن الزوج أقسم بالله أنه لم يكتب تلك الرسالة التي كان يعود تاريخها إلى عدة أيام سبقت النظر في دعوى الطلاق.. واحتار القاضي: فمن ناحية شرعية، الرسالة الهاتفية النصية تعتبر مستندا قانونيا وهناك سوابق كثيرة وقع فيها الطلاق عبر مثل تلك الرسائل واعترف القضاء بصحة وقوعه، ولكن إنكار الزوج كونه مصدر الرسالة حتى لو كانت صادرة من رقم هاتفه جعل القاضي يحس بأن المسألة فيها «إنّ» فسأل الزوجة عن مكان إقامتها، فقالت إنها تقيم في بيت الزوجية، فما كان منه إلا أن ابتسم ونطق بالحكم: زوجك لم يطلقك وأنت استخدمت هاتفه الجوال وارسلت إلى نفسك رسالة طلاق بالثلاثة، ولكن فات عليك أنه كان من الواجب عليك شرعا مغادرة بيت الزوجية فور تسلم الرسالة، ولكنك لم تفعلي ذلك لعلمك بأن الرسالة مدسوسة من جانبك، وظللت تعيشين معه تحت سقف واحد عدة أيام.. وأبلغ القاضي تلك السيدة أنها تستحق عقوبة تعزيرية ولكنه عفا عنها كي لا يفاقم أوضاعها الزوجية والاجتماعية، وهكذا عادت الزوجة الى بيتها «وقفاها يقمر عيش».
قبل أيام قليلة اتصل شخص ما بزوجتي في نحو الثالثة فجرا وبدأ يقول لها بعربية مكسرة: أنت لا تعرفينني ولكنني كنت أصلي وأقرأ القرآن وفي لحظة «كشف» علمت ان شخصا ما يريد بك سوءا.. وبين اليقظة والمنام سمعت زوجتي تسأل: أنت منو.. فبرطم بعدة كلمات، ثم انتهت المكالمة فنظرت الى الرقم الذي أتت منه فوجدته رقما مصريا، وبعد قليل صدرت من نفس الرقم رنة واحدة، ولم يتسن لي الرد على المكالمة.. يعني ذلك الدجال الحقير كان واثقا من أنه زرع الخوف في نفس زوجتي وبكل بجاحة «يعمل مس كول» لتتحمل هي تكاليف المكالمة ويعرض هو تسعيرة حمايتها من السوء، ومن دون أن أخبر زوجتي اتصلت بالرقم في نحو العاشرة صباحا والتقط صاحبنا المكالمة فقلت له إنني قادم مع زوجتي الى القاهرة في خلال 24 ساعة لننعم ببركاته، فهش الرجل وبش وتمتم بكلام غير مفهوم تتخلله عبارات «بارك الله فيكم» وبعد أن اطمأن لي واصلت الحديث: خليك راجل وما تغير رقم التلفون لأني لما أجي مصر سأسحبك من أُذنك إلى ميدان التحرير مستعينا ببلطجية حسني مبارك لتنال علقة لم ينلها حرامي في مولد.. ثم أمطرته بسيل من الشتائم من الصنف اللبناني، فأقفل صاحبنا الخط، وعاودت الاتصال به من رقم مختلف بعد يومين فجاءني «تسجيل» بأن الرقم خارج الخدمة وكررت المحاولة بعد يوم آخر، وتأكدت ان ذلك اللص الجبان تخلص من شريحة هاتفه، أي خاف بالفعل من ان اتوجه الى مصر وأسلم رقمه للشرطة أو البلطجية، في كل الحروب هناك أضرار جانبية egamad laretalloc أي غير المقصودة، وفي التكنولوجيا الحديثة أيضا أضرار جانبية يتسبب فيها من يستخدمونها لأغراض غير حميدة او غير شريفة.. فما من اختراع غيّر مسار التاريخ مثل الهاتف الجوال، ولكن هناك من يستخدمه في السرقة والتحرش والاستعباط، والانترنت أهم أداة معرفة وتعليم وتواصل منذ فجر التاريخ ولكن به ملايين المواقع الزبالة تقابلها بلايين المواقع المفيدة.. والشاهد هو أن هناك أشخاصا مرضى يسيئون استخدام تقنيات العصر ولكن ذلك لا يجعل من تلك التقنيات شرا ووبالا، وفي زماننا هذا على كل فرد ان يعتصم بثقافته كي لا يجرفه التيار إلى سيبيريا أي عالم السيبر المليء بالدهاليز والمتاهات غير الآمنة.