خطب المهدي و الترابي .. إشارات ومعانٍ ..!!

[JUSTIFY]ثلاث محطات تستوقف القارئ لخطبتي العيد اللتين القاهما الامام الصادق المهدي والزعيم حسن الترابي، الأولى متعلقة بمسرح الخطبة والثانية بمضمونها والثالثة برسالتها الاساسية.
اختار المهدي ان يذهب الى مسجد الهجرة بودنوباي ممتطيا فرسا حرا في موكب كبير من الفرسان وجماهير الانصار انطلق من صينية الازهري حتى باحة مسجد جده عبد الرحمن الممتلئ عن آخره بالمنتظرين، المهدي بموكبه ومنتظريه قال بوضوح انه صاحب ارث عريض في العاصمة الوطنية وكذلك صاحب جمهور عريض فيها وفي بقاع أخرى، وما قاله بوضوح ايضا انه يعتقل هؤلاء الفرسان واولئك الانصار في وعود بالتغيير مكبلة برؤى ملتبسة وخطط مستحيلة.
لا ندري بأي كيفية ذهب الترابي الي ود الترابي هل تراه امتطى سيارة فخمة كتلك التي كانت له على ايام السلطة، هل رافقته ارتال من العربات تتقدمه وتتأخره أم ذهب برفقة المقربين له من آل بيته وحرسه، لم يصف احد حال موكبه ولم يتسن لنا التأكد منه، ولكن ما هو واضح ان الترابي اختار العودة الى اهله ليبعث برسائله من هناك، الترابي الذي كان يفخر بأنه منتم لكل السودان وانه مولود في كسلا وطاف مع والده القاضي الشرعي طول البلاد وعرضها بحيث لا يدري اين موطنه يبدو كمن تقهقر الى حيث دار جده حمد النحلان مما اعطى اشارة الى انه اقترب من الاعتكاف.
في المضمون فان الرجلين يلتقيان في التحليل ويفترقان في النتائج، المهدي تمسك بما اسماه «مشروع خلاص الوطن» داعيا إلى إفساح المجال امامه لإحداث تغيير سياسي في البلاد، وهنا التقى بالترابي الذي دعا الى التغيير ايضا، الحيثيات التي استند عليها المهدي بوجوب التغيير لا تختلف كثيرا عن تلك التي ساقها الترابي بل انهما تكملان بعضهما، المهدي قال ان البلاد تعيش وضعا متأزما عقب انفصال الجنوب، واستعرت الحرب الاهلية في ست جبهات، وتعيش تحت 20 قرارا من مجلس الامن بعضها تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يتيح استخدام القوة، وقيادة الدولة ملاحقة من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وابادة في دارفور.
وفي حيثياته التي ساقها بوجوب التغيير قال الترابي ان الحكومة في حالة ضعف شديد، مشيرا الى أن صوت السودان صار خفيضا بعد أن كان عاليا. لافتا الى تراجع الحكومة عن كثير من قراراتها خاصة المتصلة بقرارات المجتمع الدولي والتفاوض مع دولة الجنوب لعدم قدرتها على المواجهة فـ»حتى الدول البسيطة في المنطقة صار بإمكانها الضغط على السودان وتمرير أجندتها»، وقال ان استمرار السياسات الحالية للحكومة سيفضي الى مزيد من تقسيم البلاد بعد انفصال الجنوب باعتبار أن المطامع الدولية في السودان كثيرة وأن الحكومة يعتريها الهوان ولا تمتلك الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة تلك المطامع.
وبينما خلص المهدي الى ان طريق الحل هو مشروع الخلاص الوطني الذي يطرحه توقع الترابي ثورة تطيح بنظام الانقاذ وقال ان ذلك سيحدث فى اى لحظة، المهدي حذّر من محاولات إسقاط النظام بالقوة وتفشي الصراعات المسلحة في السودان، وبدا متخوفاً من خطورة تدويل قضايا السودان وانفلات الأمن وسقوطه في حرب دموية في حال لم تتفق الأطراف السودانية على حلول سياسية مرضية للأزمات التي تحدق بالبلاد، وقال المهدي ان « السودان في موقف عصيب يضعه امام سوأتين فاستمرار النظام الحالي بسياساته وقياداته سيؤدي الى تمزق البلاد والتدويل والعمل على إسقاطه بالقوة والاستعانة بالخارج سيقود ايضا إلى التشظي والتدويل» وقال ان الحكمة تقتضي اقامة نظام جديد بوسائل خالية من العنف تبدأ من الاعتصامات والاضراب السياسي مثلما حدث في ثورتين شعبيتين اطاحتا بنظامي الرئيسين السابقين ابراهيم عبود في 1964 وجعفر نميري في 1985م، وقال ان الحكام في الخرطوم في حال تمسكوا بنهج الانفراد والعناد فستتحالف كل قوى التغيير من اجل اقامة نظام جديد بكل الوسائل عدا العنف والاستعانة بالخارج. بينما حصر الترابي الخيارات في اندلاع ثورة بل قال ان السودان يترقب اندلاعها. وقال ان السودان اصبح يتراجع من سييء إلى أسوأ»، مشيرا الى ان السلطة فتنت حكام البلاد كما فتنت بني اسرائيل من قبل. ومعروفة كيف كانت نهاية بني اسرائيل في الرواية القرآنية وهي التيه.
الرسالة التي بعث بها الرجلان الى اتباعهما انهما ثابتان على مواقفهما السابقة، المهدي يريد تغييرا ولكن عبر ما يطلق عليه تارة الجهاد المدني وتارة اخرى القوة الناعمة، الترابي تمسك بموقفه الذي لم يتزحزح عنه منذ المفاصلة وهو القذف بمن اتى بهم الى السلطة الى زوايا النسيان التي اتى بهم منها وتطهير البلاد من خطيئته في مسلك اقرب الى التبتل المسيحي، وعلى كل فان مواقف الرجلين تتسق مع سياسات حزبيهما المعلنة ، اذ كانت الهيئة القيادية لحزب المؤتمر الشعبي اعتمدت اللجوء للإطاحة بالنظام عبر الثورة الشعبية المنظمة حال عدم الاستجابة للمطلب القاضي بقيام حكومة انتقالية، بينما اختار حزب الأمة القومي ما اطلق عليه الاجندة الوطنية التي تحافظ علي السودان وتغير الوضع القائم، أي الحل باليد لا بالسنون.
[/JUSTIFY]

الصحافة – التقي محمد عثمان

Exit mobile version