ماما كاو

ماما كاو
نجح العلماء الصينيون في زرع جينات بشرية في مئات الأبقار، فصارت تنتج لبنا بنفس مواصفات لبن الأم، يحتوي بروتين الليزوزيم وعناصر أخرى مضادة للبكتيريا وتقوي جهاز المناعة لدى الطفل الرضيع، (تنبيه لعرب الجزيرة العربية وما جاورها: اللبن هو التسمية العربية للسائل الطازج الذي يخرج من ضرع الماشية وأثداء النساء، بينما أنتم تطلقون كلمة «لبن» على ذلك السائل بعد ان يتخمر ويصبح «روب» حامضا، وتسمون الزبادي روبا.. لا بأس فقد اختلطت علينا الأمور في السودان بدرجة أننا نسمي الفم «خشم»، بينما الخشم في اللغة هو الأنف) ولأنني أعرف ان لبن المرأة له خاصيات عجيبة في تحسين الصحة وتحصين الجسم ضد المرض فقد فكرت في الحصول على واحدة من تلك الأبقار وتربيتها في الحوش الخلفي في بيتي، لأحلب لبنها وأتوجه كل صباح الى العمل حاملا زجاجة رضاعة «بزازة» بحلمة بلاستيكية، وكلما أحسست بالجوع وضعتها على فمي و«صصصصصص»، ولكن العلماء الصينيين قالوا إن تلك النوعية من الأبقار لن تكون متوافرة بكميات تجارية قبل عشر سنوات، ولو مد الله في أيامي فسأكون عندها قد بلغت مرحلة الفطام والفصام والزهايمر.
هب أن جميع أبقار وأغنام الدنيا كانت تنتج لبناً بشريا مبسترا منذ خمسين أو مائة سنة، هل كنت سأسمح لأم عيالي بأن تمتنع عن إرضاع العيال لأن لدينا لبن بقر يقوم مقام لبن الأم؟ قطعا لا… ولكن لا بأس في ان تستخدمه أي أُم بديلا بين الحين والآخر كما يحدث مع اللبن الاصطناعي المجفف.. خطورة لبن الأبقار المعدل وراثيا ليحل محل لبن الأم هو أنه يغري الأمهات بالتوقف التام عن إرضاع مواليدهن، لأن ذلك اللبن فيه كل العناصر المتوافرة في لبن الأم، ولكن المسألة لا تتعلق فقط بتغذية الطفل «جسمانيا»، فالوليد الصغير بحاجة إلى ملامسة ثدي أمه، وهو يستطيع وعمره بضع ساعات تمييز رائحة ثدي أمه، وهناك صغار يصرخون ويولولون بمجرد نزع الثدي من أفواههم، وهذه النوعية تريد ان تظل تشفط حتى يفقد جسم الأم كل السوائل الحيوية، وهم لا يفعلون ذلك لأنهم «بطينيون» أي نهمون وشرهون لا يشبعون، بل لأنهم «يستأنسون» لخفقات قلب الأم التي تتردد خافتة على مسامعهم وهم يرضعون، أي ان الرضاعة علاقة جسد حميمة تعطي الطفل الإحساس بالأمان، ولهذا صار الأطباء ينصحون بإلصاق الأطفال الذين يهبطون الى الدنيا اضطراريا قبل إكمال 9 أشهر، ببطون أمهاتهم لأن الاحساس بالدفء في منطقة البطن يسهم في تسريع واكتمال نموهم (تناقلت الصحف مؤخرا حكاية طفل صيني عمره ثلاث سنوات ووزنه 63 كيلوجرام قالت أمه إنه كان يشفط من صدرها نحو 12 ساعة يوميا، فاستعانت باللبن الاصطناعي، وفشلت كل المحاولات لحمله على إنقاص وزنه، وهو الآن يأكل نحو 3 كيلوجرامات من اللحم وكيلو من الرز وبضع كيلوجرامات من المكسرات ورقائق الذرة «كورن فليكس» يوميا، ويصبح عدوانيا عند منعه من الطعام وتخاف أمه من ضرباته لأن وزن المسكينة 50 كيلوجراما، بينما يتفوق عليها طفلها بـ13 كيلو.. وربما ألهم هذا الطفل الدب علماء الصين فكرة التلاعب بجينات الأبقار لتنتج لبنا يقوم مقام لبن الأم).
هناك ملايين النساء اللواتي لا يرضعن أطفالهن بتاتا أو يرضعنهم يومين أو ثلاثة فقط، لأنهن لا يردن لصدورهن أن تتهدل.. طفلك يتبهدل؟ نو بروبليم!! ولكن صدرك يتهدل؟ ياي مش ممكن.. وهؤلاء ومن على شاكلتهن من سيكنّ زبائن البقرة الصينية.. ومن عادتي أن أطرح ملاحظات وأسئلة «بريئة»: هل ترضين يا سيدتي أن يكون للطفل أم بديلة من حقه ان يسميها ماما كاو؟ (استخدمت كاو الإنجليزية التي تعني «بقرة» لأن ماما ومامي أيضا كلمتان مستوردتان فنحن ينبغي أن ننادي الأم: يمة.. أو أمي).. وهل تقبلين ان يكون لوليدك أخ في الرضاع «عجل» أو «ثور»؟
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com[/EMAIL]
Exit mobile version