ويبدو أن مياه كثيرة جرت تحت الجسر بعد أن مثل قرار رئيس الجمهورية الصادر أمس بإلغاء قرار وزير الزراعة د. عبد الحليم المتعافي القاضي بالإبقاء على المدير السابق لوقاية النباتات خضر جبريل موسى فى الخدمة صدمة إضافية للمتعافي الذي قرر أن يقضي قسطاً من الراحة حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري. في وقت ترددت فيه أنباء عن أنه محبط من سياسته تجاه الزراعة وتمويلها، هذا فضلاً عن ضعف الإنبات فى القطن المحور وراثياً.
القرار الأخير قد يجعل المتعافي يراجع تصريحاته السابقة ويفكر في الخروج من الوزارة وإن لم يذهب للجزارة فعلى أقل تقدير سيذهب ليستقر بمزرعته السعيدة بالنيل الأزرق والتي كانت محوراً للنقاش في مجلس الوزراء بعد أن حثه الرئيس البشير للتحدث عن تجربته الخاصة في الاستثمار الزراعي. وذكر المتعافي وقتها أكتوبر 2009- أن لديه بولاية النيل الأزرق 10 آلاف فدان تزينها مجموعة من النعاج والأبقار، وقال إنه ربح من الموسم الزراعي الماضي 400 مليون جنيه.
تصحيح رئاسي
قرار البشير بإلغاء قرار وزير الزراعة والري الخاص (باستبقاء) خضر جبريل موسى المدير العام السابق لوقاية النباتات والذي انتهت خدمته غير المعاشية بموجب قرار سابق من مجلس الوزراء يمثل تصحيحاً لما حدث في الزراعة بالإبقاء على جبريل، وقد تزامن مع قرار آخر بذات الصيغة بحق استمرار عبد الرحيم أحمد خليل في الأمانة العامة لمنظمة التجارة العالمية.
في المقابل نفى خضر جبريل علمهم بهذا القرار، وقال فى تصريح لـ(السوداني) لم نتلق القرار حتى الآن تاريخ كتابة التقرير منتصف الليل- وأشار إلى أن الوزارة لم تتلقَ أي شيء بهذا الصدد خلال اليوم وإنهم سينتظرون يوم الغد.
وكان مجلس الوزراء قد أصدر في وقت سابق قراراً بإنهاء خدمة عدد من الخبراء الوطنيين في إطار سياسة الإصلاح الاقتصادي الذي اقتضى تقليل الإنفاق الحكومي وخفض الجهاز التنفيذي للدولة، ويرى مراقبون أن المتعافي خالف قرار رئيس الجمهورية القاضي بإنهاء خدمة خبراء متعاقدين اعتباراً من 31 يوليو المنصرم، وعين المتعافي بالقرار الوزاري رقم «6» بتاريخ 1/8/2012م، خضر جبريل، الذي برز اسمه في كشف الخبراء والمتعاقدين الذين أنهيت خدمتهم بقرار من الرئيس رقم «212» بتاريخ 19يونيو 2012م، وجاء في قرار المتعافي:(لا تخفى أهمية دور الإدارة العامة لوقاية النباتات في حماية الإنتاج الزراعي، ونحن في منتصف الموسم الزراعي المبشر بمشيئة الله، وتقديراً للدور المتميز للإدارة في ظل قيادة السيد خضر جبريل موسى مديراً عاماً، وبهذا أصدر قراراً بتكليفه مديراً عاماً لوقاية النباتات اعتباراً من الأول من أغسطس إلى حين إشعار آخر).
ويقول الكاتب الصحفي الطاهر ساتي إن خضر بلغ سن المعاش القانونية في العام قبل الفائت، فاستبقاه وزير الزراعة – بموافقة رئيس الجمهورية – عاماً، وبعدها أصدر وزير الزراعة قراراً غريباً بإبقائه لحين إشعار آخر، وأضاف ساتي فى مقال سابق بـ(السوداني) أن هذا الاستبقاء مخالف لقانون الخدمة ولوائح الاستبقاء يا وزير الزراعة ، بحيث لم يوافق عليه رئيس الجمهورية ، وكذلك العامل المستبقى نال فرصة (استبقاء رئاسي)، ويزيد ساتي أن المستبقى مهنته ليست بنادرة ولا تخصصه يستدعي (الاستثناء والاستبقاء مدى الحياة ).
وفي السياق يرى الصحفي المهتم بالشأن الزراعي أيوب السليك أن القرار الأخير بمثابة ضربة قوية للمتعافي باعتبار أن المبعد بمثابة الذراع الأيمن للمتعافي فيما يتعلق بالمبيدات، ويضيف السليك في حديثه لـ(السوداني) أن القرار يحمل إشارات حمراء أمام المتعافي، ويتوقع أن يتقبل المتعافي الأمر ولكنه في ذات الوقت قد يكون عاملاً حاسماً في تنحيته مستقبلاً سواء عبر الاستقالة أو الإقالة.
الوجه الباسم
في حوار صحفي مع الزميلة (التيار) سئل وزير الزراعي المتعافي عن علاقة منصبه بخلفيته الدراسية فـ(ضحك) وقال:”أنا درست بيلوجي.. الطب والزراعة قريبان لبعضهما.. فقط هنا في الطب بدلاً من تشريح الشجر والنبات نشرح البني آدم، ولكن تكنيك التشريح قريب من بعض..فهناك تداخل أنا بالنسبة لي هذه خلفيتي”. هكذا هو المتعافي الذي رسم صورة المسؤول المتفائل والباسم والذي لا تستعصي عليه مسألة، ولكن يبدو أن هذه الصورة ستتغير فالأنباء التي رشحت تشير إلى أنه ومنذ أسبوعين يعتكف فى منزله بالمنشية.
غير أن مصادر بوزارة الزراعة نفت لـ(السوداني) ماتردد عن (حردة) الوزير، وقالت إنه يقضي إجازة عادية ستنقضي فى الخامس والعشرين من الشهر الجاري، واضافت ان الحديث عن ضعف انبات القطن المحور حدث فى منطقة محدودة لاسباب تتعلق بتقنيات الزراعة.
وإذا انحينا السبب الحقيقي لاعتزال أو إجازة المتعافي، نجده من طراز المندفع لأقصى حد في سبيل ما يؤمن به، وفي سبيل ذلك يمكن أن يذوق الأمرين، وعلى هذا الأساس كان إيمانه بمسألة القطن المحور.
سبب الزعل!
في رحلة البحث عن سبب زعل المتعافي المثير للجدل برزت قضية القطن المحور وراثياً الذي خاض فيها المتعافي حرباً ضروساً بعد أن كثرت الانتقادات لمثل هذا النوع من الزراعة إلا أن المتعافي كسب الجولة بإعلان اتحاد عام مزارعي الجزيرة والمناقل عن بدء عمليات زراعة القطن الوراثي لأول مرة في تاريخ المشروع وسط توقعات بارتفاع أسعاره علمياً نتيجة لارتفاع أسعار الزيوت واستطاع المتعافي أن ينال تأييداً كبيراً على مستوى رئاسة الجمهورية، مما أدى إلى أخذ قرار زراعته الطابع السياسي.
إلا أن الرياح لم تساعد المتعافي في الإبحار بقارب القطن المحور وراثياً إلى الإمام حيث خرجت الأنباء بأن المشاريع التي بدأت زرعتها بالقطن الجديد لم تجد حظها من النجاح وأن الفشل قد أصابها إلى الآن وعلى الرغم من عدم وجود معلومة رسمية في هذا الأمر إلا أن البعض ربط الفشل بـ”الزعل” من قبل المتعافي الذي يعيشه هذه الأيام وجعله يعتزل الناس خاصة وأنه متحمس للمشروع بشكل كبير.
ضيق النفس
عندما أعلن المتعافي عبر برنامج (مؤتمر إذاعي) الجمعة الماضية أن وزارته قررت زراعة القطن المحور وراثياً في مساحة تقدر بنحو (150) ألف فدان.. ورفض الوزير مبررات بعض العلماء من أن هذا النوع من القطن له آثار خطيرة على الإنسان والحيوان والبيئة وأنه يسبب ضيقاً في التنفس وحساسية واختناقاً لأي حيوان يأكل (سيقان) القطن، ودافع المتعافي عن إدخال القطن المحور جينياً بأنه لا يحتاج لرش، وأكد أن أهم عنصر في تدهور القطن في السودان يرجع للإصابة بالدودة الأمريكية، مبيناً أن المحور يقلل استيراد الكيماويات. وألمح إلى ضلوع شركات الرش في مناهضة دخول القطن المحور وراثياً، وكشف عن إلغاء اعتمادات بمبلغ (13) مليون يورو لاستيراد مبيدات لإبادة الدودة الأمريكية، وقطع بزراعة (150-100) ألف فدان قطن محور هذا الموسم بعد إجازته من مجلس السلامة الحيوية، وعزا الانتقادات تجاه زراعته للدفاع عن مصالح ربحية، واعتبر الحملة لا تستهدف المتعافي في شخصه إنما تستهدف القطن نفسه لأنها توقف الكيماويات، وأكد عدم تأثير القطن المحور على صحة الإنسان وأكد أن التحوير الوراثي ينتج بروتينا يغني من رش المبيد. وقطع المتعافي بأن لجنة إجازة الأصناف هي التي تقرر إجازة القطن المحور وليست وزير الزراعة أو أي قرار سياسي، وأكد تفهم النائب الأول علي عثمان لأمر الشكوى ضد وزارته في موضوع القطن المحور مبيناً أنه شخص متفهم رد على المذكرة بحديث مقتضب (الجهات الفنية هي التي تقرر والخيار متروك للمزارع).
وكانت اللجنة العليا لمتابعة زراعة القطن المحور أقرت بحدوث حالات عدم إنبات لبذور القطن المحور وراثياً في مناطق محصورة بولاية الجزيرة، مؤكدة عدم وجود أي مشكلة عدم إنبات بشكل عام حيث تم الاطمئان على موقف المحصول في اجتماع للجنة المتابعة، وعزت مشكلة حدوث عدم إنبات في مساحات محصورة إلى عوامل التحضير غير الجيد والأمطار التي تسببت في الغرق مما أدى إلى تعفن البذور.
وأوضح عضو اللجنة بروفسور عبدالباقي مختار علي لـ(السوداني) أن موقف القطن بشكل عام مطمئن، وأن عدم الإنبات الذي حدث ببعض المناطق المحصورة يرجع إلى أسباب عدم التحضير الجيد والأمطار الغزيرة التي ظلت تهطل مما تسببت في الغرق وتعفن البذور، وذلك لأن محصول القطن معروف بحساسيته العالية ضد الغرق الذي يؤدي إلى (موت البذرة)، مؤكداً أن المسألة غير مرتبطة بالتقاوي التي تم استخدامها في العديد من المشروعات المروية المختلفة وفيها حقق المحصول إنباتاً جيداً، وقال إن اجتماع عقده مؤخراً ناقش التقارير الأسبوعية لممثلين الإداريين للمشاريع الزراعية وتقارير اللجان الفنية لمحطات البحوث التابعين لهيئة البحوث الزراعية ،أشار إلى أن المساحات التى المتأثرت لم تتجاوز ألفي فدان مقارنة بالمساحات المزروعة بالمشروعات المروية البالغة أكثر من (27) ألف فدان .
وأكد عضو اللجنة د.الفاضل علي عبد الرحمن لـ(السوداني) تعرض محصول القطن إلى الأمطار الغزيرة بجانب التحضيرات السيئة من قبل بعض المزارعين في استخدام الزراعات للمحصول، وقال إن عدم تجويد العمليات الفلاحية الأساسية تسببت في العمل غير الجيد للزراعات الذي ينعكس سلبا على أي محصول، مضيفاً أن هناك قاعدة ثابتة مفادها أن الأمطار الغزيرة دائماً تحدث إشكالات في الزراعة المروية، مشيراً إلى فترة زراعة القطن المحور وراثياً التي انطلقت منذ يوليو واستمرت حتى بداية أغسطس الحالي وهي صادفت هطول أمطار مستمرة بمعدلات غزيرة، فيما قال الاتحاد العام للمزارعين على لسان نائب رئيس الاتحاد غريق كمبال لـ(السوداني) إن الاتحاد يحتفظ بحقه في التدخل في حالة ثبوت عدم إنبات القطن المحور وراثياً، وأن التقاوي المستوردة ليست مقاومة للأمراض التي ذكرت، مضيفاً أن ثبوت حدوث أي ضرر ستكون هناك إجراءات لحماية هؤلاء المزارعين واتباع الآليات المعلومة للمطالبة بحقهم.
تقرير: ابتهاج متوكل