و كان مساعد الرئيس يشير فى هذا الخصوص لما ابدته اتحادات المحامين العرب و الافارقة و السودانيين من مبادرات قانونية لمساعدة الحكومة فى مناهضة ولاية المحكمة الجنائية الدولية على السودان، و دفع الاتهامات التى وردت فى مذكرة الاتهام التى تقدم بها المدعى العام للمحكمة الدولية فى منتصف يوليو الماضى، طالبا فيها من قضاة الدائرة التمهيدية بالمحكمة توجيه الاتهام للرئيس البشير بارتكاب جرائم فى دارفور .
و يعيد الحديث عن استكشاف المسار القانونى فى التعامل غير المباشر بين الحكومة و المحكمة الجنائية الدولية حديثا سابقا للسفير سراج الدين حامد مع «الصحافة» قبيل صدور مذكرة الاتهام من المدعى العام للمحكمة الدولية ضد الوزير أحمد هارون و القائد بالدفاع الشعبى علي كوشيب فى 27 فبراير 2007 عن وجود رؤيتين داخل الحكومة ازاء الموقف من محكمة لاهاي ، احداهما تدعو للتعامل القانونى مع المحكمة من اجل مناهضة اختصاصها اولا و تهمها ضد اثنين من المواطنين السودانيين، ثانيا و ذلك استنادا على ميثاق روما المؤسس للمحكمة و على قوانين الاثبات ، و برأي انصار هذه الرؤية ان التعامل القانونى مع المحكمة من شأنه ان يجنب الحكومة مواجهة محتملة مع المجتمع الدولى على اعتبار ان قرار الاحالة للوضع فى دارفور جاء من مجلس الامن بموجب القرار 1593 فى مارس 2005 ، وفى الوقت نفسه يمكن للحكومة اذا ما تعاونت ان تكسب الى جانبها و هى تناهض اختصاص المحكمة اكثر من نصف الدول الاطراف فى نظام روما و البالغ عددهم حتى الان 108 دول «يشكلون اكثر من نصف الدول الاعضاء فى الامم المتحدة البالغ عددهم 192 دولة» .
و يدعو انصار الرؤية الثانية بحسب سراج الدين لتجاهل المحكمة تماما على اعتبار انه لا اختصاص لها على السودان و ان اى محاولة للتعاطى القانونى معها لن تكون الا جرجرة لاقدام الحكومة الى «فخ» ما له من قرار و لن تستطيع بعده الحكومة الفكاك مما الزمت به نفسها . و كان واضحا ان انصار هذه الرؤية هم من كسب الرهان «بأيديهم و شديدهم» و استطاعوا ان يحشدوا الموقف الحكومى خلفهم بعد صدور مذكرة الاتهام ضد هارون و كوشيب ، حيث تم تجاهلت الحكومة اى رسائل او طلبات بعثت اليها بها المحكمة الدولية و على رأسها مذكرة التوقيف الصادرة بحق الرجلين حيث تم اعادتها ادراجها بالبريد المسجل من حيث صدرت فى لاهاي .
و يستدعى حديث الرؤيتين داخل الحكومة ما كان اذاعه وزير الخارجية ، دينق الور فى تصريحات صحفيه له بلاهاى فى سبتمبر الماضى ، و قبلها فى حوار اجرته معه «الصحافة» قبل سفره الى هناك بيوم واحد كشف فيه عن رؤيتين داخل اللجنة العليا لادارة الأزمة برئاسة النائب الاول لرئيس الجمهورية سلفاكير ميارديت و التى ينوب فيها عنه نائب الرئيس علي عثمان محمد طه ، حيث فصل الوزير فى محتوى الخلاف بين الرؤيتين التى تدعو احداهما وهى رؤية الحركة الشعبية الى التعامل المباشر او غير المباشر مع المحكمة ، و الثانية التى تمانع فى اى تعامل مع المحكمة بدعوى عدم ولايتها القضائية على السودان باعتباره ليس دولة طرف فى نظامها الاساسى ، و شرح الوزير فكرة التعامل غير المباشر عبر توكيل محامين سودانيين او شركات محاماة دولية لاجل الترافع عن الرئيس ، و فى نفس الوقت كسب الوقت من اجل حل أزمة دارفور على اعتبارها اصل المشكلة التى ادت تداعياتها الى أزمة المحكمة الدولية و الدخول فى عملية مصالحة وطنية شاملة بما يوفر مناخا مواتيا لسحب الملف نهائيا من المحكمة لانتفاء الاسباب الموضوعية التى حملت مجلس الامن لاحالة الوضع فى دارفور اليها باعتباره مهددا للامن و السلم الدوليين .
وقد بدا واضحا ايضا ان الزيارة التى قام بها وزير العدل ، عبد الباسط سبدرات للاردن الشهر الماضى كانت فى اطار البحث عن مسار قانونى للتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية اقل كلفة ، و يتضح ذلك من خلال تشكيلة الوفد التى ضمت الى جانب الوزير كلا من نقيب المحامين ، فتحى خليل و السفير ، سراج الدين حامد المتخصص فى القانون الجنائى الدولى . و لم تكن زيارة الاردن دون غيرها مصادفة حيث انها الى جانب جيبوتى و جزر القمر من بين جميع البلدان العربية اختاروا الانضمام الى عضوية المحكمة الجنائية الدولية ، وهى الدولة الانشط بينهم فى المحكمة، و كان سفيرها الحالى بواشنطن و ابن عم الملك عبد الله ، اول رئيس لجمعية الدول الاطراف فى نظام روما فى العام 2002 ، و لكن فيما يبدو ان الوفد لم يتحصل على ما كان يبغى من دعم اردنى لموقف الحكومة السياسى او القانونى ، و يدلل على ذلك حديث وزير العدل و مستشار الحكومة القانونى فى المؤتمر الصحفى الذى عقده فى العاصمة عمان و تحذيره من تسونامى يحرق كامل المنطقة حال صدور مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية ضد الرئيس البشير ، و الذى وجد انتقادات عدة باعتباره حديثا غير مناسب ان يصدر من الشخص الذى اوكل اليه الجانب القانونى فى ادارة الأزمة .
غير ان السؤال الاهم هو هل تجدى المساعى القائلة بالتعامل غير المباشر فى التعاطى مع مأزق لاهاى ؟ . يؤكد نقيب المحامين ،فتحى خليل «الاحداث 9 اكتوبر» انهم يدرسون هذا الكلام حاليا و انهم قطعوا شوطا بعيدا فى دراسة الجوانب القانونية من مختلف الزوايا و الاوجه ، و يضيف : ان المحكمة الجنائية ووفقا لنظامها الاساسى تتيح الفرصة للدول و الجهات و حتى المنظمات و الاشخاص لمخاطبتها و بالتالى فانه مسموح لاتحادي المحامين العرب و السودانيين اجرائيا بمخاطبة المحكمة طالما ان موقف السودان الرسمى رافض تماما للتعامل مع المحكمة . و يجادل الخبير القانونى ، كمال الجزولى فى حديثه لـ«الصحافة» امس فى فرضية التعامل غير المباشر و قال ان العلاقة بين السودان و المحكمة الجنائية الدولية هى علاقة قانونية اولا و اخيرا و كلمة «وسيط» يمكن ان تفهم فى مقام السياسة و ليس القانون .
و غير ذلك فانه و وفقا للوائح و نظم المحكمة فانه لا يمكن لمحامى التعاطى معها الا اذا كان مسجلا فى سجلاتها ، و كانت المحكمة قد عينت من تلقاء نفسها المحامى الليبى المقيم بباريس ، هادى شلوف كمحامى دفاع فى قضية هارون و كوشيب .
و علاوة على ذلك و طبقا للوائح المحكمة الدولية فانه يحظر عليها القيام بمحاكمات غيابية ، كما انها تقيم دعاواها ضد الاشخاص و ليس الحكومات ، و يقتضى اى اجراء فيها مثول الشخص الذى وجهت له دائرة ما قبل المحاكمة الاتهام و اصدرت بحقه مذركة توقيف او امر بالحضور اولا ، و تتيح الفقرة «4 » من المادة «19 » فى نظام روما الحق فى التقدم بطعن قبل الشروع فى المحاكمة او عند البدء فيها فى مقبولية الدعوى او فى الاختصاص . لكن هذا الاجراء يقتضى مثول الشخص الذى وجهت اليه الاتهامات امام المحكمة اولا ، و ريثما تفصل المحكمة فى الطعن و تصدر قرارها ، فانه يجوز للمدعى العام و وفقا للفقرة «8 » من المادة «19 » ان يلتمس من المحكمة مواصلة تحقيقاته من اجل جمع مزيد من الادلة فى ذات القضية موضع الطعن الى جانب الحيلولة بالتعاون مع الدول ذات الصلة دون فرار الاشخاص الذين يكون المدعى العام قد طلب بالفعل اصدار امر بالقاء القبض عليهم .
و كان المدعى العام للمحكمة الجنائية قد بعث خطابا استكشافيا للحكومة السودانية قبل اصدار مذكرة التوقيف بحق هارون و كوشيب من ضمن تساؤلاته فيه ما اذا كانت الحكومة و الشخصين المطلوبين يفضلون اصدار مذكرة قبض ام امر مثول ، و قد ذيل الرجل مذكرته الاخيرة التى يطلب فيها من قضاة الدائرة التمهيدية توجيه الاتهام للرئيس البشير بمناشدة ان يكون قرارهم اصدار امر مثول و ليس مذكرة توقيف .
المحرر السياسي :الصحافة [/ALIGN]