إذا كان أبناء الريف ينتظرون موسم الخريف بفارغ الصبر ويحسبون متبقي موعد هطول المطر بترقب وصبر لأنه يجسد موسم الحياة بعد جفاف الارض، فإن من يقطن ولاية الخرطوم له رأي آخر، فموسم الخريف بالخرطوم هو فترة المعاناة في السير والعمل .. الارق عند هطول امطار الليل، وتصل معاناة سكان الخرطوم في موسم الخريف الى اقصى مداها الى الدرجة التي يرتبط فيها الخريف بمعنى الكراهية، ولم تكن تلك الكراهية للخريف في حد ذاته وانما لعدم اهتمام مسؤولي الولاية بتصريف مياه الخريف التي تتجمع لفترة طويلة دون أن تجد من يصرفها، ويعمد معظم سكان الولاية في غدوهم وترحالهم الى اقتباس وتقليد كل التقنيات التي تستخدمها الحيوانات البرية في الابقاء على حياتها من الجوارح والوحوش الكاسرة، ولأن مياه المطر تغرق شوارع الأسفلت وكل الطرق الفرعية لا يبقى امام المارة سوى تقليد الحيوانات البرية.. فيمشي المارة في صفوف الواحد تلو الآخر ويتتبع كل واحد قدم سابقه وكأنهم في غابة مطيرة فيسيرون وراء قائد القطيع، ومن قفزات الضفادع الوثابة يضطر البعض الى القفز عاليا لتلافي الوحل حيث لا يمكن الالتفاف او الرجوع عن الطريق، وعند وجود احجار يمكن المشي عليها يستخدم المارة طريقة الحرباء بالسير ببطء.. خطوة خطوة والا فإن الوقوع في الطين هو النتيجة الوحيدة .. والقدم حذو القدم والسير حسب أولوية الوصول، وهناك مناطق تتطلب القفز المتوالي وبوتيرة سريعة مثل الارانب، إلا ان اكثر التكتيكات التي يمارسها سكان الخرطوم في كل موسم خريف هى «التشعلق » بالاسوار والابواب وكل ما تصل اليه يداك، ولم يكن ذلك الا عبر اتباع طريقة القرود، وهناك وسيلة اخرى تصلح مع الحوائط الملساء.. انها الالتصاق براحة الكف على الجدران مع الحرص على عدم الاهتزاز واحتذاء سير الزواحف والسحالي و «الضبوب»، على أن اكثر تجليات تقليد الحيوانات نجده في ساحات مواقف المواصلات التي تغص بالطين والماء والنفايات، وهناك يتعلم البشر من الخيل طريقة المشي ما بين العدو والخبب والهذيب والتبختر والاضطرار الى الانتظار على طريقة الخيل الصافنات. ويجب على المارة في وسط الخرطوم أن ينظروا الى طريقة مشي البطة علها تفيدهم في الوصول بأمان الى اقرب موطئ قدم، وبالطبع على سكان الولاية ألا ينسوا الطريقة الفريدة التي يمشي بها رائد السينما الصامتة شارلي شابلن.. التي باتت الطريقة الوحيدة للسير في شوارع ولاية الخرطوم بعد أن عجزت الولاية عن تصريف مياه الخريف. [/JUSTIFY]
الصحافة