الدور الأمريكي في «السودان». . خيوط في الظلام. . !!

[JUSTIFY] تكشف المقتطفات التي نشرت بالامس من محاضرة قدمها المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، في المجلس الأطلسي بواشنطون، عن رغبة امريكية حقيقية في تطبيع العلاقات مع الخرطوم، لدرجات تتماهي فيها خطوط السياسية الخارجية لبلاد العام السام مع خطوط الاستراتيجيات الامنية الحمراء التي اختطتها الادارات الامريكية المتعاقبة من الجمهوريين والديمقراطيين منذ عهد ايزنهاور.
فقد اعرب «برينستون ليمان» ، الذي يعد ايضا أحد كبار مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، عما وصفها بمشاعر الحزن الذي تنتابه إزاء توتر علاقات بلاده مع السودان، وهي المرة الاولى التي يبدي فيها مسئول امريكي ، على اي مستوى، مثل هذا التعاطف مع «الخرطوم» والحرص على التواصل معها، وربما لهذا عاد ليمان ليقول لخبراء المعهد: لكن لكي تعود المياه إلى مجاريها، لابد للخرطوم من أن تتخذ أولا من الديمقراطية منهجا وأن تتعهد بضمان حقوق الإنسان في البلاد « . واشار ليمان الى ان «واشنطن» تسعى لرأب صدع العلاقات مع «الخرطوم»، على ان يسبق ذلك التزام الأخيرة « باحترام حقوق الإنسان في السودان».

ولم يكتف الرجل بذلك فقد مضى بهدوء ليحدد مشترطات « واشنطون» لتطبيع العلاقة مع الخرطوم، وبعضها ليس بجديد، و كي يشرح اوضاع البلاد وأسباب أزماتها من واقع خبرته كمبعوث لصيق بالملف، ومن ثم ليقدم معالجات تحمل بالضرورة رؤية الادارة الامريكية التي يخدمها، وفي قلبها «ضرورة إيجاد حلول مجدية للقضايا العالقة مع جنوب السودان، يكون من شأنها استئناف التجارة بين البلدين الجارين»، واكد المبعوث بالصدد على موقف «واشنطون» الساعي لوقف الاقتتال في جنوبي السودان وإلى تشجيع دولة جنوب السودان على تطبيع علاقاتها مع الحكومة في الخرطوم»، وأضاف «يتوجب على السودان أن يوقف قصفه للمدنيين وأن يرحب بالعروض الدولية الساعية لتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، والذين حاصرتهم نيران المعارك الدائرة بين القوات السودانية المسلحة والمتمردين الجنوبيين» ، ثم القى ليمان مفاجأته الكبرى «تحسين العلاقات الأمريكية مع الخرطوم يعني التبادل بين الكليات والمدارس العسكرية بين البلدين»، فمن المعلوم ان امريكا اعتادت على ازجاء هذا التبادل في المجالات العسكرية لحلفائها الخلص، وهم عادة من يشاركونها حربها المعلنة ضد ما تدعيه بـ» الارهاب».
وتزامنت المحاضرة التي قدمها المبعوث الامريكي للسودان وجنوب السودان، مع وصول وزيرة الخارجية الامريكية الى «جوبا»، وعودة وزير الخارجية السودانية على كرتي من نيويورك التي زارها من اجل الطلب من ادارة اوباما المساعدة في حث «جوبا» على ايقاف دعمها وايوائها الحركات المسلحة على حدود البلدين.

وتتشابك الرسائل التي قدمها كل من الثلاثة لتقدم تساؤلات معمقة حول حقيقة العلاقات بين السودان وامريكا، ورؤية كلا الطرفين لما يجب ان تكون عليه، وما ينبغي ان تقدمه « الخرطوم» تحديدا ثمنا لتطبيعها، وكل ذلك على ضوء التصريحات المتناثرة، فكلينتون نحت في جوبا الى اسداء ما يشبه النصح لكل من الخرطوم وجوبا من اجل حل خلافاتهما العالقة، فيما زلزل المبعوث الامريكي ليمان معارضي الحكومة، ومنهم قطاع الشمال المسلح، للمرة الثالثة باشارته الى ان بلاده «لا تدعم تغييرا عنيفا للسلطة في الخرطوم!»، وهذا في غضون الاشارات الصادرة اشارات من الوزير كرتي في اديس ابابا بان مجلس الامن « الذي تسيطر عليه امريكا» لن يصدر عقوبات على خلفية تعثر عمليات التفاوض هناك.
البعض من المحللين يشيرون الى ان ما يدور من تصريحات لا ينفصل عن طبيعة التكتيكات التي تنتهجها الولايات المتحدة الامريكية مع السودان منذ العام «1997»، ولايرون تناقضا بين ابداء الحرص الامريكي على بقاء النظام حاكما دون «مهددات عنفية فعلية» وبين المساعى الامريكية لاحلال السلام بين الخرطوم وجوبا، وتغيير طبيعة المنظومة الحاكمة باتجاه اكثر انفتاحا لا غير.

فامريكا كما يشير استاذ العلوم السياسية الدكتور سامي عبد العاطي شاركت في مختلف مراحل العملية السلمية بين الشمال والجنوب باستراتيجية واضحة، لكنها ابقت على خطوطها مع الجانبين مفتوحة بشكل متساوٍ حدا ما، رغبة ربما في استمرارهما في تنفيذ الاتفاق «بشكل صحيح»، و يتابع الدكتور سامي في حديثه لـ» الصحافة» : وان تم ما ارادته امريكا لتغير وجه النظام الحاكم تماما، لان بنود الاتفاقية كانت تنضوي على تغيير حقيقي وجذري للاوضاع في البلاد ولتوازنات القوى بين مراكزها، غير ان ابطاء تنفيذ الاتفاق وتعليق بنوده الرئيسة دفع بواشنطون الى مساندة «جوبا»، وهي المساندة التي يؤكد استاذ العلوم السياسية على انها لن تستمر « طالما فشلت في استثمار الفرص وابقت « الخرطوم» على الامور تحت سيطرتها. ورغم ان الدكتور سامي يرمي بهذا التحليل بافشال تحقيق الاهداف الامريكية من تنفيذ الاتفاقية ومن ثم عدم انجاح الاستراتيجية الامريكية في السودان تحديدا، فانه يحملها وزر ارسال اشارات خاطئة للاطراف ذي الصلة بالقضية، فهو يشير الى ان المبعوث الامريكي نفسه «ليمان»، سبق وارسل تصريحات من لندن تحمل ادانة بلاده لنهج «الجبهة الثورية» التي تحمل السلاح، واكد عدم رغبة «واشنطون» في استهداف النظام الحاكم في الخرطوم، في حين ان امريكا تركت الاوضاع تشتعل في جنوب كردفان والنيل الازرق دون تدخل فعال او محاولة لفرض خيار الحوار على الطرفين، وتابع « وهو ما يحدث الان، فكلينتون تحث على الحوار من اجل حل القضايا، وليمان يستهجن العنف، في حين العملية السلمية تنهار دون مساعدة».

يري الدكتور صلاح الدومة ، من جهته، ان الولايات المتحدة الامريكية ظلت الفاعل الرئيس في المسرح الدولي منذ سنوات طويلة، وان « واشنطون» بفضل هذه المكانة اضحت تحرك ملفات العالم كيفما شاءت مثل المخرج المسرحي، معربا عن قناعته لـ» الصحافة» بان كل ما يتم على صعيد الاوضاع بين دولتي السودان وجنوب السودان صناعة رسمت «واشنطون» خيوطها منذ ما قبل توقيع الاتفاقية وحتى « احداث هجليج»، ومن هذه الارضية ينطلق المحلل السياسي ليؤكد على ان امريكا لن تقدم على خطوة لا تحقق مصالحها واجندتها الخفية على الجانبين، ناهيك على صعيد الاوضاع الداخلية في السودان، ويستطرد الدكتور الدومة قائلا : متي كانت تدعم « واشنطون» الديمقراطية والحرية في بلاد العالم، فالشواهد الكثيرة كفيلة بتوضيح الحقيقة.
[/JUSTIFY]

تقرير: ماجد محمد علي
الصحافة
Exit mobile version