صيغ التمويل الاسلامي تحتاج الى قاعدة اخلاقية اخترقها البعض
صعوبة تطبيق النظام الاسلامي وسط ناس يستحلون اكل الاموال بالباطل
اجراءاتنا فشلت مع الخطرين .. ربع موارد البنوك ذهبت للتمويل ولم ترجع
استعنا بالاجهزة الامنية بعد ان كشفنا تحايل البعض على القانون
سنعالج مشاكل الجادين ونعيد تمويلهم واخراجهم من الأزمة
سنعلن عن لائحة بالموظفين المتورطين
اجراءات قانونية ضد الموظفين تطال الذين فصلوا
الاسبوع الاخير من رمضان كان يوماً عسيراً على المتعسرين… تحقيقات واعتقالات طالت معظم منسوبي لائحة الـ37 الخطرين ولم تتوقف حتى الآن اخذت ردود فعل متباينة بين مؤيد ومعترض على الاجراءات.. حينها صمت البنك المركزي ولم يدل باي تعليق سوى بقوله انه ينفذ استراتيجيته التي اعلنها سابقاً لمعالجة المشكلة..
الآن(السوداني) اقتحمت صمت المشهد الرسمي بلقاء مطول اجرته مع دكتور صابر محمد الحسن محافظ البنك المركزي… تحدث واسهب في الشرح والتبرير وكشف اشياء جديدة دعونا نطلع عليها معاً عبر الحوار التالي..
الوعيد والتهديد
* كثيراً ما اطلقتم تهديدات باتخاذ اجراءات ضد المتعسرين.. الآن لا حديث للوسط المالي والمصرفي غير ما طال البعض من اعتقالات وتحقيقات وضغوط فهل فشلت سياستكم وعندها لجأتم الي جهات اخرى؟
– في البدء نشكركم على الاهتمام بهذا الموضوع والاهتمام باستجلاء المعلومة قبل النشر… بداية دعوني اشير الي خلفية اعتقد انها مهمة… اخطر مرض ممكن ان يصيب القطاع المالي والمصرفي على وجه الخصوص هو مرض التعسر وهو يمثل سرطاناً للقطاع المصرفي… وما ترونه الآن من ازمة مالية عالمية في القطاع المالي في امريكا واوربا سببه الرئيسي هو التعسر والاخفاق في سداد الالتزامات تجاه المصارف… لذلك من اهم مسئوليات الدولة والسلطات الرقابية في القطاع المالي والمصرفي الحرص على ان يكون التعسر تحت السيطرة صحيح تختلف السلطات الرقابية من دولة الى اخرى.. ففي بعض الدول تمثل البنوك المركزية السلطات الرقابية وفي اخرى توجد سلطات اخرى عبر مؤسسات منفصلة.. لدينا هنا في السودان البنك المركزي هو المسئول عن حماية اموال المودعين.. التعسر يعني اهدار اموال المودعين فمهمة البنك الوساطة المالية تجميع المدخرات خاصة من صغار المودعين والمدخرين وتوفيرها للمستثمرين في شكل تمويل وفي حقيقة الامر الناس الكبار لايسهمون في الموارد التمويلية للبنوك بل انهم يأخذون الاموال بغرض التمويل..
* هذا امر طبيعي فكيف وصلنا الي هذه النتيجة غير الطبيعية؟
– في كل دول العالم يوجد معيار للتعسر فاذا فاق النسبة المحدودة فهو مهما ضعفت نسبة الزيادة فهو يعتبر انذاراً… عالمياً اذا زاد التعثر عن 6% يدق ناقوس الخطر.
* كم وصلنا نحن في السودان؟
– جاييك في الكلام.. فمثلا في عام97 عندما حدثت المشكلة المالية في جنوب شرق آسيا عندما وصل التعسر في ماليزيا 17% الدولة اعلنت حالة الطوارئ لاسترداد الاموال وسنت ثلاثة قوانين لاسترداد الاموال.. الآن في السودان وصل التعسر 26% في المتوسط.
* ماذا يعني ذلك؟
– هذا يعني ان اكثر من (ربع) اموال المودعين وموارد البنوك ذهبت في شكل تمويل لبعض الناس ولم ترجع مرة اخرى لذلك نحن في البنك المركزي انزعجنا طبعاً لان الموضوع بدأ ينذر بالخطر…
* لكن هل هذا الوضع المزعج حدث فجأة؟
– لم يحدث فجأة وانما كان لعدد من الاسباب.. منها اسباب اقتصادية واخرى قانونية وهناك اسباب تتعلق بالاشخاص نفسهم وتوجد اسباب اخلاقية.. الاسباب الاقتصادية تتمثل في ان الاقتصاد نفسه حدثت به بعض التطورات منها ازمة المالية العامة ففي بعض الاحيان ادى الاخفاق في سداد الالتزام تجاه بعض الافراد الى دخول هؤلاء في ازمة مالية وبالتالي تأخروا في سداد التزاماتهم تجاه البنوك.. الاسباب القانونية تتمثل في ان بعض المقترضين من البنوك كان هدفهم التهرب فعلاً من السداد لذلك رفعوا قضية دستورية ضد قانون بيع الاصول المرهونة والمحكمة علقت العمل بالقانون لحين البت وبالتالي لم تتمكن البنوك من بيع الرهونات وهذا شجع كثيراً من الناس بعدم التسديد.. اما بالنسبة للنواحي الاخلاقية فقد حدث تغيير جذري في سلوك الناس فالنظرة الي اكل المال لم يعد عيباً بل اصبح شطارة وهذا تحول خطير في السلوك الاجتماعي لذلك عندما وصل التعسر هذه المراحل الخطيرة كان لابد من التدخل.. قبل عشر سنوات كانت هنالك سابقة عندما بلغ التعسر24% وفي ذلك الوقت طبقنا استراتيجية وفعلا نجحنا خلال عام من النزول بالنسبة الى حدود دنيا.. الآن حاولنا ان نطبق ذات الاستراتيجية السابقة واستمرينا فيها نحو 8 شهور.
* لكن هل الظروف والاوضاع في عام 97 نفس اوضاع اليوم؟
– ابدا وعشان كده الاستراتيجية لم تنجح فخلال الـ8 اشهر لم نحصل على نتيجة لذلك احدثنا تغييراً.. في السابق قسمنا البنوك على حسب نسبة التعسر فيها.. فالبنوك التي زادت تعسراتها عن20% تبعوا الي لجنة المحافظة ومن20% الى 15% كانت تتبع للجنة نائب المحافظ ومن 15 الي10% للجنة المدير العام هذه اللجان كانت تجتمع شهرياً مع مجلس الادارة ومدير البنك نناقش فيه بتفاصيل دقيقة عن التعسر وباسماء العملاء ونبحث ونتناقش حول الضمانات والاجراءات والتسويات في هذه المرة حاولنا ان نطبق نفس الاجراءات لكنها لم تأت بنتيجة درسنا الموضوع وجدنا فعلا كما ذكرتي ان الوضع هذه المرة مختلف التعسر هذه المرة له اسباب موضوعية ووجدنا نوعين من هذا التعسر تعسر موضوعي بسبب السياسات او بسبب ما لهم من ديون على الحكومة او موضوع الشاحنات مما ادى الى ضرر القطاع..
* لكن يا دكتور هناك من اصحاب هذه الظروف الموضوعية متعسري قطاع النقل مثلاً هم الآن داخل مجموعة الـ37 وهم الآن رهن التحقيق؟
دقيقة دعيني اشرح لك ولا تستعجلين.. نحن وجدنا فعلاً اسباباً موضوعية ويجب ان نستصحبها في اعتبار المعالجات لكن ايضاً وجدنا في السبب الثاني اناساً متحايلين كانت نيتهم منذ بداية البحث عن التمويل بغرض الهروب وهذه مسالة اخلاقية اصلاً لم تكن موجودة قبل عشر سنوات الآن هناك مجموعة ذهبت إلى البنوك واخذت اموالاً باحجام كبيرة وتحت اسماء ومظلات مختلفة وبتعاون وتنسيق مع عدد من موظفي البنوك وهذا ما جعل البنك المركزي يعيد النظر في الطريقة التي كان يعمل بها فقررنا نوعين من المعالجة.. الاول يختص بالمتعسرين لاسباب موضوعية هم فعلاً رجال اعمال ولديهم تاريخ من الاعمال وتاريخ مصرفي جيد وليس معروفاً عنهم الاحتيال واكل اموال البنوك وهم حريصون على الجلوس مع البنوك لمعالجة الدين وهم معترفون به ومنزعجون له فهؤلاء من العدل ان نجلس معهم ونشترك معهم في المعالجة حتى وان كان عن طريق منحهم تمويلاً جديداً حتى يتمكنوا من التحرك ويسددوا الالتزام القديم, فمثلا ما حدث في دارفور يشكل تعسراً موضوعياً, توجد صناعات تأثرت بالوضع في دارفور وإغلاق الابواب نحو توجهها الى غرب افريقيا والتي تمثل سوقاً رئيسية لها كما حدث مثلاً لحجارة البطارية عندما توقفت حركتها من اسواقها الرئيسية في دارفور وتشاد وافريقيا الوسطي ومات السوق فلم يستطع المصنع ان يبيع السلعة وبالتالي فشل في تسديد التزامه تجاه البنوك فاذا مثلاً اراد فتح اسواق جديدة واحتاج الي دعم فاعتقد انه من الممكن ذلك حتي يتمكن من التحرك مرة اخرى وهذا جزء من الاستراتيجية اما الجزء الاخر فهو يتعلق بالمتحايلين وهم الذين يتحايلون على قوانين العمل المصرفي واستغلال الثغرات وهناك اساليب اخرى يستعملونها للخروج من السجون ويمارسون اعمالهم بشكل عادي وكذلك عند استخدام اجراءات لبيع العقارات المرهونة تجدهم يستخدمون اساليب متخصصين في التحايل فلابد من استخدام سلوك آخر معهم لان الطرق العادية فشلت..[/ALIGN] صحيفة السوداني