بعد قرار تعليق زيادة الكهرباء أمبراطور السدود .. هل خسر المعركة؟

ما من شك فى أن خطوط المعركة لا يمكن أن تحدد دوما حيث يمكن توقعها، لذلك فإن قرار وزارة الموارد المائية والكهرباء القاضي بزيادة تعريفة الكهرباء الذى دبر بليل دون أن يتم تسليط الضوء عليه مسبقا سواء عبر قرار رسمي أو مؤتمر صحفي، الأمر الذى رده المراقبون بأنه يأتي فى إطار سياسة الترشيد الحكومي فهي لم تنفك بعد من (صداع) زيادة أسعار الوقود، إلا أن خطوط المواجهة التى فتحت فى وجه وزير الكهرباء أسامة عبد الله من البرلمان وجمعية حماية المستهلك وأئمة المساجد وانتهاءً بالبرلمان لم تمر بالتجاهل و(تطنيش المكالمات) كما تعود الوزير بل أدت لتدخل قيادة الدولة، الأمر الذى نسف مبدأ أساسيا ظل يعتمده أسامة طوال مسيرته يتعلق بعدم تعويله على الرأي العام بقدر استناده على مواقف القيادات العليا.
قرار الكهرباء.. لمن تطفأ الأنوار
كما كان متوقعا فقد أوقفت اللجنة المكلفة بمتابعة إنفاذ الترتيبات الاقتصادية الأخيرة في اجتماعها أمس برئاسة النائب الأول علي عثمان الزيادة فى تعريفة الكهرباء بالقطاع السكني اعتبارا من أول أغسطس المقبل لحين اكتمال الدراسات التي تجرى لاحقا بشأن رفع الدعم والإصلاح في تعريفة الكهرباء للقطاع السكني والقطاعات الأخرى.
وقرر الاجتماع تكوين لجنة برئاسة وزير المالية وعضوية وزير الموارد المائية والكهرباء ومحافظ بنك السودان لإعداد دراسة تتصل بإصلاح قطاع الكهرباء والخطوات المتعقلة برفع الدعم المتدرج على أن تقوم اللجنة باتخاذ إجراءات فورية لضمان انسياب الوقود للتوليد الحراري بغرض ضمان وصول السلعة للمستهلك. وشملت قرارات اللجنة المكلفة بمتابعة إنفاذ الترتيبات الاقتصادية التأكيد على قرار وزير الكهرباء وشركة الكهرباء بغرض ترشيد الإنفاق في القطاع الحكومي.
وقال طه إن اللجنة استمعت الى عرض مفصل من وزير الموارد المائية والكهرباء حول الأسباب والحيثيات التي دعت لاتخاذ قرار زيادة تعريفة الكهرباء مؤكدا أن اللجنة بعد مداولات مفصلة توصلت الى مجموعة من الحقائق تمثلت في التأكيد على سياسة الدولة المعلنة والنافذة في اتخاذ رفع الدعم التدريجي للسلع والخدمات حتى تكون وفق تكلفتها الحقيقية بما يعيد العافية إلى جسد الاقتصاد القومي والسعي لتوفير الضمان والرعاية للشرائح المتأثرة برفع الدعم، بجانب أن قطاع الكهرباء من القطاعات التى تأثرت بالإجراءات الأخيرة وخاصة التوليد الحراري بنسبة 40% وتأثرت بتحريك سعر الصرف من 2,8 الى 4,4 مما ترتب علية زيادة أسعار الجازولين.
وأكد طه ضرورة الالتزام بالموجهات الاقتصادية التى تضمنها البرنامج الثلاثي والتزام الوزراء المعنيين بالمؤسسية فى تنفيذ وممارسة اختصاصاتهم التى تشكل السياسة العامة للدولة وقال: “إن قرار رفع الدعم صحيح فنيا لكنه يحتاج الى مراجعة اقتصادية شاملة ومراعاة الظرف السياسي الذى يعيشه المواطن، داعيا المواطنين الى التجاوب مع سياسة الدولة بالحرص التام على ترشيد الاستهلاك فى دواوين الحكومة.
القرارات الأخيرة يمكن اعتبارها بمثابة خسارة جولة بالنسبة لإمبراطور السدود أسامة عبد الله ووزارته، ولكنه لا يعني خسارة المعركة، فالقرار الأخير وجد انتقادات واسعة كان أبرزها ما قادته جمعية حماية المستهلك التى أعلنت عن شروعها في تحريك إجراءات قانونية بالمحكمة الدستورية ضد وزير الكهرباء أسامة عبدالله، وعزت ذلك لاختراقه الدستور والقوانين، وعدم إخطاره لمجلس الوزراء والمجلس الوطني بالزيادات الجديدة في الكهرباء، واعتبرت قراره باطلاً.
وأكد رئيس الدائرة القانونية بالجمعية مولانا عمر كباشي، أن قرار وزير الكهرباء بزيادة تعرفة الكهرباء قرار غير دستوري وغير أخلاقي وتم إصداره بدون شفافية وعلم المستهلك مما يمثل انتهاكاً واضحاً لحق المستهلك والذي كان يجب إعلانه بالقرار قبل التطبيق، وقال إن الوزير تجاوز كل الأعراف والقوانين والدستور ومجلس الوزراء والقرار باطل لأنه لم يدخل في الميزانية المعدلة والإيرادات العامة وتجاوز سلطات مدير الهيئة.
في المقابل دافعت وزارة الكهرباء عن القرار الأخير وأشارت الى أنه أتى استنادا لقانون الكهرباء للعام 2001 الذي ينص الفصل الخامس، المادة (16-1د) منه على أن تحديد أسعار الكهرباء من اختصاصات الوزير، مبيناً أن اللجنة العليا للسياسات والتي أصدرت عدداً من القرارات بما في ذلك رفع الدعم عن المحروقات كانت قد أقرت زيادة في الكهرباء وأكدت أن والي الخرطوم -عضو اللجنة آنذاك- طلب إرجاء زيادة الكهرباء.
فى ذات الوقت فإن قيادات المؤتمر الوطني أبدت استياءها من قرار زيادة الكهرباء واعتبرته تجاوزا من المؤسيية، وأعلنت رفضها ورفعته للرئيس عمر البشير.
وهنا يتبادر للذهن سؤال أساسي هل اتخذ أسامة القرار بمفرده دون الرجوع لقيادات الحزب والدولة، أم أن الأمر تم بالتشاور داخل دوائر ضيقة.
ويرى المحلل د. محمد الناير أن القرار بزيادة تعرفة الكهرباء على القطاعين الحكومي والسكني لم يكن قرارا مؤسسياً ولم يخضع للإجراءات الروتينية لإجازته من السلطتين التنفيذية والتشريعية واعتبر ماتم تطبيقه مثالا واضحا على عدم الشفافية والوضوح، ولفت الناير فى حديثه لـ(السوداني) الى أن تطبيق القرار كان يتعارض مع ما أعلن عنه من زيادة لمن يستهلك أكثر من600 كيلواط ، وزاد أيضا أن ما أعلنته وزارة الكهرباء من أن 7% من نسبة الشعب السوداني هم الذين يتجاوز استهلاكهم أكثر من 600 كيلواط بأنه رقم غير دقيق في ظل التوسع الذى حدث في السودان.
ومهما يكن من أمر فإن القرار الأخير لم يحسم بشكل جازم الصراع الأخير بل جعله معلقا لحين، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان اعتباره خسارة لوزارة الكهرباء التى لا يعرف وزيرها معنى هذه الكلمة.
البلدوزر..خطر ممنوع الاقتراب
رغم مظهره البسيط إلا أن أسامة يخفي وراء لحيته البيضاء وبشرته السمراء وبدلة السفاري نفوذا لا تخطئه العين وهو يكسب صداماته المختلفة بشكل كسر قاعد الإنقاذ الشهيرة بإبعاد المتصادمين معا، فقد تسبب بإقالة واستقالة العديد من المسئولين ممن وقفوا فى وجهه.
تشمل قائمة ضحايا المواجهات كثيرين كان أبرزهم مدير هيئة الكهرباء السابق مكاوي محمد عوض، والي الشمالية ميرغني صالح، والي نهر النيل غلام الدين عثمان، ومدير الغابات المستقيل د. عبد العظيم ميرغني فى أعقاب تجاوزه فى فك حظر غابة الفيل وتحويلها لمطار يتبع لوحدة السدود.
قوة الدفع التى يتحرك بها أسامة جعلت كثيرين يحجمون عن مواجهته المباشرة، ودفعت لطرح سؤال عريض حول مصدر قوته، إلا أن الإجابة التى توضع فى العادة على هذا السؤال هي إنه يمتلك قدرات عالية لتنفيذ ما يوكل له من مهام تبدو عصية على الكثيرين حيث يمتلك مقدرة كبيرة على العمل الميداني والمتابعة التنفيذية اللصيقة للعمل اليومي، ويقول مقربون منه لـ(السوداني) بعد أن فضلوا حجب هويتهم-: “إنه يتمتع بطاقة وحيوية غير مألوفة، كما أنه رجل حسم وحزم وعزم لا يلين في تنفيذ المهام الموكلة إليه والتى ينفذها بكل الوسائل”.
أسامة عبد الله.. بعيدا عن الإعلام قريبا من الأحداث
ما أن أشار الرئيس البشير لاحتمال أن تخلفه قيادة شابة حتى قفز اسم أسامة عبد الله على صدر قائمة المرشحين، وذات الأمر تكرر عندما رشح إبان انعقاد المؤتمر الثالث للمؤتمر الوطني عندما كان الحديث يدور حول ضرورة تصعيد الشباب الى المكتب القيادي الذي احتكره «الكبار» لفترة طويلة، ولكنه انسحب من انتخابات المكتب القيادي.
الملاحظة اللافتة أن أسامة المولود بمنطقة مساوي بات الرقم الأول حين يأتي الحديث عن احتمالات التصعيد للشباب رغم تجاوزه العقد الخامس من عمره بقليل، إلا أنه تولى مناصب تنفيذية فى سنوات عمره الأولى، فى العام 1984 كان أول طالب يتولى مسؤولية الأمين العام للاتجاه الإسلامي بجامعة الخرطوم وهو لم يزل بعد طالباً في السنة الأولى، وعلى سبيل المبالغة يجزم من عاصروه في تلك الفترة أنه يعرف كل معلومات طلاب الجامعة بعد أن التقى بهم فرداً فردا.
ودفع ثمن عمله التنظيمي غالياً عندما لم يستطع الجمع بين الأختين «الدراسة والسياسة» فطلق الأولى، وصعد في الثانية على نحو لم يعرف التدرج كما يقول الزميل فتح الرحمن شبارقة فى تقرير سابق عنه. ليتقلد الكثير من المواقع بالغة الحساسية بحكم قدراته الشخصية التي اكتشفها د.حسن الترابي الذي كان يشبهه آنذاك بأسامة بن زيد، ويحبه جداً قبل المفاصلة، إلى جانب علاقته ومنذ كان طالباً بمسؤول الجهاز الإداري للتنظيم وقتها علي عثمان محمد طه – المحامي – ثم علاقته بالدكتور عوض الجاز فيما بعد.
يتميز أسامة بكل صفات القيادة التنظيمية لدى رجال المهام الصعبة، صامت لا يتكلم ولا يعرف أحد طريقة تفكيره وعمله والوسائل التي يستخدمها لتحقيق إنجازاته، ويعتمد على طاقم مؤهل في كل المجالات، يقال إنه لا يتركهم في مؤسسة بعد مغادرتها.
أما أسوأ ما فيه تفاديه غير المبرر لوسائل الإعلام خاصة الصحف. أما الأمر الثاني والخطير هو محاولته القفز فوق المؤسسات أحياناً رغم قدراته التي تمكنه من إنجاز ما يريد وفقاً للمؤسسية.
صحيفة السوداني
Exit mobile version