اختيار جنس المولود بين التحريم والإباحة وثقافة المجتمع

تتجه أسر سعودية وخليجيّة عديدة إلى تحديد جنس المولود، في الوقت الذي مُنحت فيه ثمانية مراكز في المملكة تراخيص لعلاج مشاكل العقم والإنجاب، وفي ظل سيطرة ثقافة «المولود الذكر» في المجتمع السعودي والعربي بشكل عام، عن طريق استخدام الجداول الغذائية وحسابات التبويض والغسول الكيميائي وصولاً إلى الاتجاه إلى هذه المراكز الطبية للحصول على نتائج مضمونة. ومع اختلاف الفتاوى الفقهية بين علماء المسلمين في الدول العربية التي تجيز وترفض تحديد جنس المولود، فإن مراكز متخصصة في العقم وتأخر الإنجاب تقوم بتحديد جنس المولود في السعودية وخارجها، وتشير تقديرات الأرقام إلى تجاوز عدد المواليد في السعودية 500 ألف سنوياً.
رأي الشرع

وحصلت «الشرق» على نسخة من دراسة شرعية مستفيضة للشيخ الدكتور خالد بن عبدالله المصلح تفند أدلة التحريم والجواز حول تحديد جنس المولود قبل أن يتخلّق، وأوضح من خلال بحثه أن مجلس الإفتاء بالأردن، ولجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية أجازتا ذلك، بينما لم تجيزه لجنة الإفتاء السعودية، كون ذلك من الغيبيات.
تساوٍ في الطلب

من جهته ذكر أمين عام الجمعية السعودية للنساء والولادة الدكتور هشام عرب أن هناك تساوياً في الطلب من حيث الإقبال على طلب الحمل بالذكور والإناث في السعودية مشيراً أن عمليات تحديد الجنس مفتوحة ولم تصدر تعاميم حول منعها. بينما يشير وكيل وزارة الصحة المساعد لشؤون القطاع الصحي الخاص الدكتور علي الزواوي أن لجنة الإشراف على أمور الإخصاب والأجنة وعلاج العقم وضعت شروطاً ومعايير خاصة بالترخيص لوحدات الإخصاب والأجنة وعلاج العقم بمستوياتها الثلاثة من حيث التأثيث والتجهيز والكوادر الفنية الواجب توافرها في هذه الوحدات حسب المستوى المطلوب الترخيص له.
23 ألف ريال

وفي استطلاع أجرته «الشرق» في مراكز العقم وتأخر الإنجاب، ذكرت موظفة في مستشفى سعد التخصصي في المنطقة الشرقية أنه يُمنع التحديد لجنس المولود بحسب تعميم من وزارة الصحة إلا في حالات خاصة، بينما كشفت موظفة في مركز الحبيب في الرياض أنه يمكن تحديد جنس المولود عن طريق الحقن المجهري دون قيود حيث يتم ذلك خلال ثلاثة أسابيع من الحقن مشيرة إلى أن تكلفة العملية تبلغ 23 ألف ريال.
أربع بنات

وذكرت أم لينا أنها تسعى حالياً لتحديد جنس المولود القادم ليكون ذكراً حيث أنها أنجبت أربع بنات وتجاوز عمرها 33 عاماً ولذلك فهي تعمل حالياً على أن يكون المولود ذكراً حيث أصبح حلماً يراودها خاصة وأن المجتمع بحسب قولها «لا يرحم». وبينت أنها ستستخدم «الغسول المهبلي» الذي يمكن الحصول عليه من الصيدليات.
خسائر مالية

وقالت «أم ماجد» أنها عانت من العقم قرابة 20 سنة وحين قررت إجراء التلقيح الصناعي في أحد المراكز المتخصصة بالرياض طلبت أن يكون جنينها ذكراً، وفعلاً أنجبت طفلها الوحيد «ماجد» منذ 7 سنوات. وحاولت تكرار الحمل عدة مرات عن طريق التلقيح لكن المحاولات باءت بالفشل مما كبدها خسائر مالية كبيرة حيث يعد إجراء مثل هذه العمليات مكلفاً.
نظام غذائي

و تسعى «أم عبدالله» التي تعاني من مشكلة صحية في الظهر إلى إنجاب مولودة أنثى بعد ولادة طفلين من الذكور، وكونها تخشى من تكرار الحمل في ظل الظروف الصحية التي تعانيها فقد قرّرت أن تتبع نظاماً غذائياً ليساهم في تهيئة الرحم كي يكون حامضي وهي البيئة التي تناسب الحمل بأنثى.
قاعدة حسابية جديدة

يحيى عسيري

وذكر صاحب موقع (تاسك تيم) لاختيار جنس المولود، يحيى عسيري، أن افتتاحه للموقع الإلكتروني المسجل رسمياً لدى وزارة الثقافة والإعلام نبع من تجربة معاناته هو وزوجته في الإنجاب لمدة 11 عاماً، وأشار إلى أنه بعد أربع سنوات من محاولة العلاج مع المراكز الطبية التي تعتمد على العمليات الحسابية 28-14=14 35-14=21، تمكن من ابتكار قاعدة حسابية خاصة بأيام التبويض الخاصة بالمرأة لتحديد جنس المولود ليكون بإذن الله ولداً أو بنتاً، موضحاً أنه يعتمد أيضا على علامات حسية خاصة بالمرأة بالإضافة للغسول المهبلي قبل الجماع.
يطلبون مولوداً ذكراً

وبين عسيري أن غالبية الطلبات في الموقع الذي افتتح في مارس الماضي تكون من النساء، مؤكداً أن أعلى نسبة طلبات كانت من السعودية، كما أكد أن غالبية السعوديين في الموقع يطلبون تحديد جنس المولود ليكون ذكراً، بينما تتفاوت النسبة بين الطلب على الذكور أو الإناث في دول الخليج، وأوضح أن من أصعب الطلبات التي يتلقاها على الموقع تحديد جنس المولود بأنثى لأنه يحتاج إلى عملية حسابية سريعة بحيث يتم العزل خلال 12-24 ساعة، ولذلك فإن الحمل يحتاج إلى وقت من شهر إلى شهرين حتى يتم عمل الحسابات بدقة، مشيراً إلى أن حسابات الحمل بالذكر أسهل.
دون تدخل طبي

وبين عسيري أنه يستقبل طلبات تحديد الجنس من دول أخرى عربية وأجنبية، مشيراً إلى أن فريقه يتكون من خمسة أشخاص بينهم نساء ورجال مشرفون على الموقع على مدار الساعة. وأشار عسيري إلى أنه تقدم لفرع وزارة الصحة من أجل اعتماد فكرته، وإجراء أبحاث عليها إلا أنه لم يجد تجاوبا من الوزارة ولذلك اتجه لإحدى الجهات بحسب قوله خارج المملكة لاعتماد طريقته في تحديد جنس المولود بدون تدخل طبي.
فوق عمر 37 سنة

وبحسب إحصائيات الموقع فقد بلغ عدد الطلبات للحمل بمولود ذكر 355 طلباً، بينما بلغت توصيات الحمل ببنت 26 طلبا، بينما بلغ عدد الطلبات من المملكة العربية السعودية وحدها 355 طلباً ثم الإمارات بواقع 28 طلباً ثم الكويت بواقع 14 طلباً، وبلغت طلبات الإناث 388 بينما الذكور107 طلباً، فينما كانت أكثر الشرائح العمرية طلباً فوق عمر37 سنة.
مسموحة في السعودية

د. هشام عرب

من جهته ذكر أمين عام الجمعية السعودية للنساء والولادة الدكتور هشام عرب أن عملية تحديد جنس المولود، مسموحة في السعودية ولا يوجد ما يمنع مراكز العقم من عملها، ولم تصدر أي تعاميم بشأن ذلك، مشدداً على أن عمليات تحديد الجنس في السعودية تعمل ضمن حدود، وفي النهاية مشيئة الله هي التي تحدّد الرزق بالمواليد، وما يقوم به الأطباء هو مجرد أسباب. وقال إنه لا توجد حتى الآن إحصائيات حول مراكز العقم والإنجاب في السعودية، مبيناً أنه خلال هذا العام تكونت مجموعة مختبرات أطفال الأنابيب تحت مظلة الجمعية السعودية للنساء والولادة التي هي بصدد حصر هذه المختبرات في السعودية. وقال عرب إنه لاحظ أن الزوجات في الغالب هن من يحضرن لعيادة العقم الخاصة به لطلب تحديد جنس المولود، مؤكداً أن نسبة الولادات الطبيعية بين الذكور والإناث في السعودية متساوية حيث إن الفرق يكون بسيطاً جداً حيث لا يتجاوز 5.%.
طفل الأنابيب

وأشار عرب إلى أنه طبياً يتم تحديد الجنس عن طريق طريقتين علميتين، الأولى بالتلقيح الصناعي حيث يتم أخذ «نطفة» الرجل ويتم فصل الحيوانات المنوية المذكرة عن المؤنثة، بحيث يتم حقن رحم المرأة وقت نشاط البويضات بالحيوانات المنوية الخاصة بالجنس المطلوب بدون «بنج»، موضحاً أن نجاح هذه الطريقة يتراوح بين 20-30% وإذا نجح التلقيح فإن نسبة نجاح تحديد الجنس المطلوب تصل إلى 90% بمشيئة الله، أما الطريقة الثانية فهي تتمثل في «طفل الأنابيب» حيث يتم استخراج بويضات المرأة تحت تأثير «البنج»، ويتم فصل نطفة الرجل بحسب الجنس المطلوب ويتم التلقيح خارجياً، وبعدها بيومين تؤخذ وحدة الخلايا المتكونة وتفحص من حيث الكروموسومات فيما إذا كانت أنثوية أو ذكورية بعدها يتم حقن المرأة بها في داخل الرحم.
في الحمل الرابع

وأشار إلى أن الإقبال على تحديد الجنس يكون غالباً في الحمل الرابع أو الخامس للمرأة مؤكداً أن الطلب على الذكور والإناث متساوٍ حيث إن هناك عائلات تطلب الذكور وهناك عائلات تطلب الإناث، وذكر أن من أحد المواقف المؤثرة أن إحدى السيدات كان لديها أربع بنات وأرادت الحمل بولد وفرحت بعد التلقيح بحملها بتوأم ولكن في الشهر الرابع اتضح أنهما بنتان «أنثيان»، مشدداً أن عملهم كأطباء عمل البشر ولكن مشيئة الله فوق كل شيء. وحول اتباع الطرق الأخرى لتحديد الجنس من حيث استخدام الدش المهبلي، واتباع غذاء معين ووقت الجماع أشار إلى أن كل ذلك علمياً غير مثبت نجاحه ولا يحبّذ وصفها لمريضاته وإيهامهن بها مبيناً أن هذه الطرق عليها علامات استفهام كبيرة.
500 عام قبل الميلاد

د. خالد المصلح

وفي بحث عميق للمفتي الدكتور خالد المصلح حمل عنوان «رؤية شرعية في تحديد جنس الجنين» أشار فيه إلى «أن عملية تحديد جنس الجنين هي مسألة قديمة شغلت الناس منذ سالف الزمن، ففي سنة 500 قبل الميلاد توصلت مدارس الطب الهندية إلى أنه يمكن التأثير على جنس الجنين في بعض الحالات بفعل الطعام أو العقاقير كما ذكر بعض المؤرخين، ومن خلال هذا يتبين أن الجديد في قضية تحديد جنس الجنين إنما هو فيما طرأ من تقدم في الوسائل والطرق التي من خلالها يمكن تحديد جنس الجنين.
الأصل الجواز

وذكر البحث أنه يمكن أن يُستدل على القول بأن الأصل جواز تحديد جنس الجنين بعدة أدلة منها، أن الأصل في الأشياء الإباحة.

صحيفة الشرق
Exit mobile version