شنو يا أستاذة .. الصحافة شغلتك عننا؟ .. قلنا خلاص بقيتي ما فاضية عشان تجي وتتابعي الحاصل معانا!!
وللحقيقة فان تعودي على كتابة مادة عامود اللطائف في الصباح، قد جارت على ثلاثة من عاداتي الصباحية الحبيبة .. أولى تلك العادات التي فقدتها هي مشاوير رياضة المشي الصباحية، والتي كنت استلذ فيها بممارسة الضهابة والزوزوة والروحان من البيت، كلما اتخذت مسارا جديد للمشي، ورغم وضعي لعلامات (وبالنجم هم يهتدون) بها للعودة، إلا أنني غالبا ما كنتا أغني لنفسي في طريق عودتي:
رجعتا وضهبي في عيوني .. درب الرجعة ما عرفتو
وكل الجيت بي من أفراح .. فارق دربي يوم (رُحتو)
وثاني تلك العادات و(المنبسقة) من العادة الأولى، هي تعودي على ملاقاة جاراتي اثناء تلك المشاوير الصباحية في طريقهن للجزارة أو متجمعات حول (بوكس الخضار) أو (سيد اللبن)، وبالتالي كنت احظى بمتابعة أخبار الحي ومناسباته من افراح وبكيات وولادات وغيرها، حتى استطيع أن أجد لنفسي (فَرقة) للزيارة والقيام بالواجب من بين مكابسة مشاغل البيت والعيال بالمناسبة دائما ما أحس بشي من (الشحتافة) عندما أرى النساوين في مشاويرهن من وإلى السوق، وتوزيعهن لمهام الشراء بينهن، فتلك تتوجة لاحضار البصل والزيت وتلك لشراء اللحم من الجزارة .. هذه التجربة لم احظي بخوضها يوما فـ أنا – والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه – عشت (رهينة المحبسين) .. فقد انتقلت من سلطة والدي القابضة والتي تعتبر مشي البنات للدكان من المحرمات وجريمة تستوجب العقاب بـ (دق الركابين) حتى الاستتابة من ذنب الدواحة، لسلطة (سيد الاسم) .. فانتقالي بين السلطتين يشبه قولة الخادمة المصرية المغلوبة على أمرها، والتي كانت تشكو من سوء معاملة (سيدها) رب المنزل الذي تعمل فيه، وعندما سألوها عن:
وكيف تعاملك سيدة المنزل؟
أجابت في قنعان فصارت مقولتها مثلا:
( ما أسوء من سيدي إلا ستي)!!
فزوجي من ملة تعتبر مشي الحريم للاسواق مفسدة، حتى أن أحد حِمياني رعاه الله قد قام بتلقين بياع البصل الذي تهور ودخل لحيّهم في الحلة درسا لا ينسى، بعد أن انزله عن حماره ووراهو المكشن بدون بصل لتجرؤه على الدخول ومحاولة بيع بصله لنسوة الحي!!
ما علينا .. ثالث تلك العادات وهي موضوع الذي كنت انتوي الحديث عنه، لولا الخرف المبكر الذي ذهب بي بعيدا على طريقة أستاذي (جعفر عباس)، فهو تعودي بين الحين والآخر على زيارة المدرسة لمتابعة سير العيال في دراستهم، واحيانا كنت اذهب بعد نهاية الامتحانات لحضور توزيع النتائج، وهذا ما دفع الاستاذ لمداعبتي عن سبب الانقطاع عن زيارة المدرسة ..
دفعتني تلك المداعبة للشعور بالتقصير ومن ثم المقارنة بين زمن دراستنا في المدرسة وزمن أبنائنا الـ (هسه)، فأنا مثلا لا أذكر أن (أمي) قد وطئت باقدامها حوش مدرستي يوما، أو حتى وقفت أمام بابها طوال أيام دراستي من الابتدائي وحتى جلوسي لامتحان الشهادة الثانوية .. حتى انها من كثرتنا – ما شاء الله – كانت لا تعرف في اي صف يدرس كل واحدا منا، دون أن يؤثر غيابها عن متابعة المدرسة في تحصيلنا شيئا.
ولم يكن هذا الغياب عن تقصير منها، فلم تكن زيارة الامهات أو أولياء الأمور للمدارس حينها بالأمر المعهود، ولا يتكرم ولي أمرك بزيارة المدرسة إلا لـ الشديد القوي بأن تكون قد فعلت فعلا ذميما يستدعي أن يُرفع أمره لوالديك، على العكس من الوضع الآن والذي لم يعد من الامكان فيه الاطمئنان على أن الامور في السليم وتمام التمام، إلا بمداهمة المدرسة بين الحين والآخر ومساككة الاساتذة لمتابعة سير العيال.
ففي زمنّا كان ذهاب الامهات للمدرسة مجرد شفقة غير مرغوب فيها وزيادة في محلبية رعاية الابناء تستدعي ان يضحك عليهم الزملاء بسببها، فزيارة الأم لمدرسة ابنها كانت مدعاة لان يزفّه كل طلاب الصف ويعايروه بـ (ود أمو) .. من الطريف ان بعض العيال من الصبية مازالوا بحمشنة زمان في رفض زيارة امهاتهم للمدرسة فقد حكت لي سيدة لطيفة شاركتني في ذات مرة الانتظار لاذاعة النتائج في المدرسة، بأن ابنها قد حذرها من الحضور إليه في المدرسة وهددها إن هي فعلت ذلك بترك المدرسة، وعندما اخبرته بانها سوف تأتي لحضور نتائج أخته، أمرها يا حلاتو – بأن (أن كان ولابد من ذلك فعليها عند حضورها أن تعمل فيها ما بتعرفو) .. !! [/ALIGN]
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com