عربات مستعملة
وتعود القضية مجددا الى سطح الأحداث بعد أن تم التعامل معها على أنها واحدة من الثوابت التي لا فكاك منها على المدى القريب، ولكن وزير التجارة عثمان عمر الشريف عقد ظهر أمس الأول مؤتمرا صحفيا أعلن من خلاله نوايا وزارته عن رفع قرار حظر استيراد السيارات المستعملة، ولكن سرعان ما عاد الرئيس البشير في مساء ذات اليوم ليصدر مرسوما جمهوريا قرر من خلاله الاستمرار في قرار حظر استيراد العربات المستعملة من خارج السودان.
وزير التجارة عثمان عمر الشريف قال خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس الأول بوزارة التجارة، إن الضوابط الخاصة بقرار رفع الحظر عن السيارات المستعملة تحدده اللجان الفنية المختصة والتي تأخذ في الاعتبار كل إجراءات السلامة للمركبة وتتمثل في الحالة الراهنة للسيارة وموديلها ومدى جودتها وكفاءتها، مبينا أن وزارته تضع ضوابط صارمة لاستيراد المركبات، خاصة التي تتعلق بمركبات النقل العام من باصات وحافلات لارتباطها بحياة المواطن اليومية.
تصريحات متضاربة
الخبير الاقتصادي أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين بروفيسور عبدالوهاب بوب أكد وجود اضطراب في مراكز اتخاذ القرار وأن تضارب القرارات مشكلة حقيقية، ويرى أن تلك القرارات لا تبنى على دراسات مسبقة وطالب بضرورة تغيير وإعادة هيكلة الإدارات الاقتصادية بالبلاد، وقال بوب لـ(السوداني) إنهم فوجئوا أولا بالقرار الذي اتخذه وزير التجارة بإلغاء الحظر عن استيراد السيارات المستعملة ثم بقرار معاكس للقرار اتخذه رئيس الجمهورية بإلغاء قرار وزير التجارة واستمرار قرار حظر السيارات المستعملة، وأضاف: “قبل ذلك بيومين سمعنا عن اتخاذ وزير المالية لقرار بزيادة أسعار الدقيق وقبل صدوره كان رئيس الجمهورية في خطوات سريعة علق ذلك القرار”، وأكد بوب أن التضارب في السياسات له أثر سلبي على تطبيق السياسات وآثار سلبية على التفاعلات الاقتصادية التي تحدث نتيجة عنها وقال إن من المعروف بالنسبة لحظر السيارات ولو بشكل جزئي له أثر في استنزاف العملات الحرة من الأسواق السودانية وزاد “من غير الممكن استيراد بضاعة وعدم دفع ثمنها ولكن ماهو المنطق الذي اتخذه وزير التجارة وراء هذا الرفع الجزئي للحظر؟”، وتساءل بوب “لصالح من قرار رفع الحظر هذا؟”، وقال إن ذلك يثير تساؤلات وقد توجه العديد من الاتهامات العميقة عن السياسات التجارية وتفاعلها مع السياسات المالية والنقدية ووضعها داخل إطار السياسات الاقتصادية الكلية.
معالجات سريعة
فيما أكد مدير عام وزارة التنمية الاقتصادية وشئون المستهلك د.عادل عبدالعزيز تأثير تضارب وتناقض القرارات على الاستقرار الاقتصادي إذا لم تتم معالجتها بصورة سريعة، وأوضح عبدالعزيز لـ(السوداني) أن الهيكلة في الدولة بموجبها يكون الوزير المعني هو المسؤول عن الأنشطة الاقتصادية في الوزارة المعنية، وأضاف “غير أن هذا الوزير يتبع لمجلس الوزراء وبالتالي من الطبيعي أن تكون بعض القرارات خاضعة للمراجعة بواسطة مجلس الوزراء باعتباره يملك الصورة الكلية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهناك سياسات عامة يتم الاتفاق عليها تكون نابعة من الاستراتيجة المجازة او من خطط الوزارة او من خلال الميزانية المجازة للدولة وأي قرار يصدر وفقا لهذه المرجعيات يكون منسقا بالضرورة”، وقال إن مجلس الوزراء لديه متابعات دقيقة تجعل من النادر حدوث تضارب وأضاف “إذا حدث تضارب تتم معالجته بالسرعة المطلوبة”، فيما قال الخبير الاقتصادي استاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم د.محمد الجاك إن تضارب التصريحات سمة من سمات السياسات الاقتصادية التي تتبناها الدولة منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي، وبالتالي فإن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تضارب من جانب السلطات مثل قرار إيقاف الاسبيرات المستعملة ومن ثم سمح باستيرادها، وأكد الجاك لـ(السوداني) أن قرار الحظر يتناقض مع سياسة التحرير الاقتصادي التي من بينها تحرير التجارة وسياسة الحماية عكس سياسة تحرير التجارة، داعيا الى إزالة القيود على حركة التجارة الخارجية، وأضاف “غير ذلك يكون نقيض لسياسة التحرير التي تتبناها الدولة ويتناقض مع جهودها للانضمام لمنظمة التجارة العالمية والتي أهم شروطها تنفيذ سياسة تحرير التجارة بمعنى إزالة أي قيود عليها”، ووفقا لذلك ويضيف الجاك “أنا ورغم إيماني بسياسة حماية التجارة الخارجية خاصة في بلد نامي كالسودان إلا أنني لا أرى أن مسألة الحظر ستستمر لفترة طويلة وستعود الدولة مرة أخرى للسماح باستيراد السيارات خاصة إذا كان هناك مصلحة لأشخاص نافذين لاستيراد السيارات فهو سمة الدولة مرة تدعو للتحرير الاقتصادي وإدارة وضبط الاقتصاد وهذا شيء طبيعي في النظام بصورة عامة”، وطالب الدولة بأن يكون لها يد على إدارة الاقتصاد بمعنى أن تتحكم في إدارة الاقتصاد ومعرفة مايستورد ومايصدر وأن لا تترك ذلك للقطاع الخاص.
قطع أرزاق
في اتجاه آخر عبر رئيس شعبة مستوردي السيارات المستعملة مهدي ادريس عن خيبة أمل شعبته من صدور القرار الرئاسي بإلغاء حظر السيارات المستعملة بعد ساعات فقط من إعلان وزير التجارة أمس الأول بإلغاء الحظر الجزئي للسيارات المستعملة، وقال ادريس لـ(السوداني) إن القرار فيه ظلم للمواطنين في المقام الأول والحكومة نفسها لأنها محتاجة لموارد في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، مشيرا الى أن تضارب وتناقض القرارات خلق سمعة خارجية (بطالة) للسودان وأضعف الثقة الخارجية في التجارة السودانية، مؤكدا أن قرار حظر السيارات أثر على حركة البنوك والمصارف كما أدى الى احجام الرقم المالي المدور في عملية الاقتصاد وركود السوق مما انعكس سلبا على المواطن والشريحة العاملة ذات الدخل المحدود وتشريدهم بسبب إغلاق المحلات وأضاف: “أكبر ضرر قطع الأرزاق وللأسف الآن الحكومة تتذرع بالدولار في سياساتها مع التاجر المحلي مع أن المغترب يستثمر أمواله في الخارج والأموال الموجودة مستثمرة في الأراضي او حبيسة في الخزائن”، موضحا أن الخسائر من قرار الحظر لا تقدر بثمن البضائع متكدسة، وقال إن التزامات الخارجية تتصاعد في ظل ارتفاع سعر الصرف وأضاف “أصبح الكثيرون غارمين وإذا كان القرار مقصودا منه عملية جراحية للاقتصاد من المفترض أن يشمل القرار كل السيارات حيث يتراوح سعر السيارة المستعملة بين “3 ـ5” آلاف دولار وسعر السيارة الجديدة “40 ـ50″ ألف دولار واذا كان القرار معادي للسيارات المستعملة قرار فيه إجحاف لشريحة كبيرة وإجحاف لاختيار الفرد وهذا لا يتماشى مع الدين والقوانين التي وضعتها الحكومة”. وقال ادريس إن لجنته تتمسك وتطالب مجلس الوزراء بإلغاء قرار حظر السيارات المستعملة، ويقول إن العلاج الجزئي لمكان الخلل يتلف أعضاء سليمة إذا كان العلاج مركب غير صحيح وأن القرار آثاره السالبة اكثر من الإيجابية تعدى المتاجرين ونزل للعامة وخروج آلاف المؤسسات.
قرار نافذ
وزير التجارة الخارجية عثمان عمر الشريف أكد أن توجيهات رئيس الجمهورية المشير عمر حسن البشير باستمرار قرار حظر استيراد السيارات المستعملة من الخارج نافذ ولا رجعة فيه، وقال الشريف لـ(السوداني) أمس إن الوزارة عقدت مؤتمرا صحافيا يوم امس الأول الاثنين لتوضيح دواعي استمرار سريان القرار والذي برره بحاجة البلاد الى إنعاش الصناعة المحلية وتشجيعها، وزاد: “قرار الحظر أملته ضروريات اقتصادية”.
من جهته قال وزير المالية والاقتصاد الوطني علي محمود عبد الرسول إن قرار حظر استيراد العربات المستعملة هو قرار مجلس الوزراء وليس محل مراجعة من أية جهة أخرى، وقال إن العربات المستعملة حظر استيرادها لأنها تسببت بصورة مباشرة في زيادة الطلب على العملات الصعبة وتساهم في رفع الطلب على قطع الغيار والوقود وهى فوق ذلك ليست سلعة إنتاجية تساهم في دفع عملية الانتاج ، وقال إن الدولة سمحت باستيراد الآليات والعربات التى تساهم في دفع عجلة الانتاج الذي هو شعار المرحلة.
تقرير: سلوى حمزة
صحيفة السوداني