مشاهدة واقصاء

مشاهدة واقصاء في يوم مهيب الحضور.. اكتست ملامح الموضوع بالسحنات الزنجية وكادت الخرطوم أن تنطق أنها أفريقية فقط.. تقاطرت الجموع صوب الساحة الخضراء للقاء (الدكتور جون قرنق) الذي هبط المطار بذات اللبسة الأفريقية التي صعد بها إلى طائرة الرئاسة اليوغندية التى لقي حتفه فيها.. شاءت لي الأقدار أن أشاهد الحشود المتقاطرة للساحة وأنا أهم لأداء واجب العزاء اللازم.. وأكاد أقسم بالشديد القوي أن الساحة الخضراء لم تشهد حشداً سودانياً كما شهدته للقاء عودة (د. جون قرنق).. المهم ما جرّني للحديث عن هذا الموضوع هي المشاهد التي تبث هذه الأيام بقناة (ايبوني) لتلك اللحظات التاريخية.. وأظن أن إعلامنا أو قل التلفزيون الرسمي أقصى بث هذه المشاهدة التي تمثل نهماً لنظر المشاهد المتعطش للمعرفة المتعلق بشأن الوطن الموحد في ذلك الزمان.. وربما كانت هذه المشاهدات الخالدة مؤشراً لسحب إستراتيجيات الراحل من شأن الجنوب «منفصلاً» إلى سودان جديد وربما كان ذلك المشهد الهادر سبباً لهذا الرحيل الغامض.. (ربما).

ومضى الجنوب

لا نستطيع أن نقول إن الشأن الجنوبي صار لا يعنينا بالقدر السابق كون أن هذا الجزء صار وطناً آخر ودولة مجاورة تنفك وشائجها من خلال شهور أو أيام قادمات وتبدو المحاولات التوحيدية من باب المشاعر الحالمة، وإن أُلصق باسم الدولة الجديدة لفظ «السودان».. ولكننا أمام حتمية حقيقة أن الجنوب ذهب وعلينا أن ننظر بصورة أكثر جدية جهة الغرب.. جهة دارفور حتى لا يصبح الإقليم دولة أخرى «السودان الغربي» أو قل (دارفور الجديدة) وتجد الدولة نفسها أمام ذات السيناريو بدءاً بالإقليم الواحد وانتهاءاً بالانفصال..

الشعب الوليد

نعم هناك دولة جديدة «لنج» بكل معطياتها من أرض وشعب ونظام، وبما أن الدولة حديثة فإن هذه المكونات تخضع لعنصر الحداثة.. فالإخوة الجنوبيون بعد الانفصال صاروا مواطنين لدولة جديدة تحتم عليهم رؤى وانتماء جديد.. فعليهم أن يتحولوا من قولهم أنهم (سودانيين) إلى أنهم «سودانيي الجنوب» ورغم تقارب الألفاظ إلا أن البون واسع بين «أحمد وبيتر» الآن.. ورغم أن الشعب الجنوبي رقص وفرح أايما فرح بهذا الانفصال إلا أن هناك الكثير من أركان الشخصية الجنوبية مأخذوة من إرث شمالي باعتبار أن التعايش القديم ما زال يُلقي ببعض الأثر.. وعربي جوبا أكبر دليل على ذلك وإن توجهت الدولة إلى اللغة الإنجليزية واللهجات المحلية، ولكن الروابط العريضة للتفاهم ما زالت مباشرة بالشمال، وحتى لا يسارع الساسة الجنوبيون قدماً لمحو هذه الآثار وتصبح من باب الآثار البائدة للدولة القديمة.. ورغم كل الفرح الكبير للإخوة الجنوبيين ورغم العبارات الجارحة التي طاشت هنا وهناك يبقى الشعب الوليد محل ترقب وملاحظة من الشعب القديم، لأن التجربة جديرة بالملاحظة والاعتبار.. فربما كان الشعب الجديد متضامناً مع الشعوب الشابة التي أينعت ثمار ثوراتها.. وباتت تعبر عن مكنونها واحتياجاتها الحقيقية.

آخرالكلام:-مهما تعظم الأحداث فإن الذاكرة تحتشد على تداعي المخزون وحينها لا يجدي أن تقصي الذواكر الإعلامية المشاهد الحية.. خاصة عندما يكون هناك شعبٌ جديد قادم وأرضٌ على أعتاب الاقتطاع. (ودمتم)

سياج – آخر لحظة – 20/2/2011
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email

Exit mobile version