نخب دارفور .. الغياب والحضور في سوق المبادرات

[ALIGN=JUSTIFY]من المقرر ان توقع ( 25 ) من احزاب المعارضة ابرزها (الامة القومى ، الشعبى ، الشيوعى ، الاتحادى الديمقراطى ،البعث ) اليوم الإثنين على استراتيجية وآليات جديدة للعمل المعارض لمواجهة التحديات المتمثلة فى دارفور والتحول الديمقراطى والانتخابات وغلاء المعيشة. وقال رئيس لجنة القوى السياسية فاروق ابوعيسى للزميلة ( الأخبار) ان المعارضة ستتجه نحو الجماهير فى المرحلة المقبلة من اجل الخلاص من المخاطر التى تتربص بالبلاد وباعلان استراتيجية القوى المعارضة اليوم التى هى فى حقيقة الامربمثابة مبادرة جديدة بعد مبادرة اهل السودان والمبادرة العربية اللتين لم تظهر ملامحهما حتى الآن.
وتجىء المبادرة فى اطار الاصطراع الحزبى حول ملف دارفور والتداعيات اللاحقة عقب اصدار لائحة اتهام بتوقيف الرئيس البشير من قبل محكمة الجزاء الدولية ، كل تلك المبادرات والحراك السياسى لم تأخذ فى الحسبان اهل دارفورولم يكن لنخبه ومثقفيه اى دورفيها وفى ظل تغيب وغياب هذه الاطراف الاصيلة لا يدري المرء الى اين تتجه وتصير الامور فضلا عن عدم وضوح رؤية القوى الدولية والاقليمية حول تلك المبادرات خاصة دول الجوار التي تعتبر من اللاعبين الاساسيين على المسرح الدارفوري كتشاد واريتريا .
على الرغم من الغيوم الملبدة فى سماء البلاد والاقليم بصفة خاصة نجد الدارفوريين لاسيما نخبه ومثقفيه اما واقف على رصيف الاحداث او متفرج عليها او متحسر عليها، فى الوقت الذى تستوجب عليهم حسن القراءة وصلابة فكرية وجسارة نفسية لمواجهة تلك الغيوم الداكنة التى لها رعود تشير الى ان الاقليم يتجه الى منعطف تاريخى خطير له خياران اما الاختفاء او خوض معركة البقاء . ولا شك ان امام نخب ومثقفى دارفوراستحقاق تاريخى يدعوهم الى خوض معركة بلا صهيل خيل وصليل سيوف وقعقة سلاح وهدير مدافع ، معركة لا اوار لها ولاغبار يثور تحت سنابك الخيل، معركة بلا بارود ميدانها العقول والافئدة والوجدان لتجاوز واقع تسوده الحيرة واليأس وظواهر القبلية والعشائرية وانحطاط الممارسة السياسية ، واقع افرزه ضيق الافق وعدم التدبر الحصيف في ادارة ازمات البلاد الملحة . يعيش السودانيون اليوم، وبخاصة الدارفوريين من بينهم، فترة حرجة من تاريخهم، تكثر فيها الأسئلة حول مصيرهم ومصير وطنهم، ويتعاظم الخوف على مستقبلهم والخشية من عودة الاقتتال الداخليّ، بسبب الصراعات الدائرة الآن وما يرافقها من شحن للنفوس وإثارة للغرائز.
فالوطن أصبح في مأزق يهدد وجوده وكينونته، وينذر بارتدادات بالغة الخطورة على المنطقة بأسرها ، والمواطن راحت تتجاذبه تيارات متناقضة ومحاور إقليمية ودولية متناحرة، فأخذ بعضه بالاصطفاف وراء هذا المحور أو ذاك، ووقفت الأكثرية الصامتة حائرة، ضائعة، عاجزة عن الصمود بوجه التيارات وعن اختيار موقع لها ،والبلاد أضحت مهددة بتقطيع أوصالها، تطغى عليها الانتماءات وصراعات القوى والمصالح وبات دور المثقفين فيها مهمّشًا، ولم تعد هذه الشريحة المهمة تقوى على القيام بدورها في توحيد الصفوف.
لقد اكتملت ملامح المأزق الذى له اكثر من وجه وعمق وبعد ، واحد ابرز هذه الوجوه والابعاد والاعماق التناحر والنزاع والقطيعة بين ابناء الاقليم الواحد والاستقطاب الحاد . لقد باتت مسؤولية النخب الدارفورية الآن أكبر من أيّ وقت مضى، وذلك للموقف الحرج الذي يمر به الاقليم من جانب والفرصة المتاحة لها للتدخل والتأثير في مجريات الأمور بقدر كبير من جانب آخر. لذا فإنها مطالبة بأنْ ترتقي إلى مستوى هذه المسؤولية وتنتهز هذه الفرصة لتضع بصماتها على خارطة المستقبل لدارفور الذي طالما حلمتْ به اقليما واحداًمسالما مزدهرا يحترم أبناؤه بعضهم البعض ويحرصون على صون حياة وكرامة أهاليهم .
وهنا نذكر ان للدارفوريين دور ومواقف عبر تاريخ السودان القديم والحديث ( سلطنة الفور، الثورة المهدية) والحركات التحررية ففى عام 1921 احتل اهل دارفور بقيادة الشهيد عبدالله السحينى الذى لم ينصفه التاريخ حتى الآن واسرته حامية نيالا وتم قتل قائدالحامية وتمزيق العلم الانجليزى وفى عام 1952 تم حرق العلم الانجليزى بالفاشر وترك العلم المصرى تضامنا وانحيازا للعالم العربى والاسلامى. وفى عام 1965تم تكوين جبهة نهضة دارفور كوعاء جامع للتعبير عن قضايا ومطالب دارفور سياسيا واقتصاديا وتنمويا واجتماعيا وثقافيا وفى عام 1967 قام ابناء دارفوربالقوات المسلحة باعتقال قيادات حامية واو واستدعاء وزير الدفاع آنذاك الراحل عبدالحميد صالح جراء عدم تنفيذ نقلهم بعد انتهاء مدة خدمتهم بالجنوب فى الوقت الذى تم نقل جميع زملائهم من ابناء الشمال الذين انتهت مدة خدمتهم واجبر ابناء دارفور الرئيس النميرى على التراجع عن قراره بضم اقليم دارفور الى كردفان عام 1980 وتعيين ابن دارفور احمد ابراهيم دريج بدلا من الطيب المرضى حاكما لدارفورفضلا عن مشاركة ابناء دارفور فى كافة الثورات والانتفاضات التى قامت من اجل التغيير ودولة المواطنة والحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الانسان فى اطار خصوصية دارفور اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتنمويا
وفي تعريفها نجد ان ( النخب هي الفئة المتعلمة الواعية المدركة بالضرورة لمصالح أمتها وبلدها. وهي التي تسعى إلى فرض المشروعات وعليه فإن النخب بصورة عامة وللمثقف خاصة أدوارا مهمة ومسؤوليات كبيرة تقع على عاتقه في كل الأحوال والظروف. وتتوزع هذه المسؤوليات بحسب انتمائه والتزامه، وعلى وفق مؤهلاته والفرص المتاحة له، سلماً أم حرباً، وسواء كان محكوماً بسلطة دكتاتورية أم يتمتع بحرية مطلقة أو شبه مطلقة للتعبير عن رأيه وممارسة دوره) ، وخلافاً لكل النخب في العالم، التي ما ان تقع نازلة ما في اوطانها، او تحل نكبة ما في مجتمعاتها، حتى تسارع لتأجيل – ولا نقول تتنازل – خلافاتها البينية وإقصاء تناحراتها المصلحية لتتخندق خلف قضايا وطنها ومواطنيها. ولا شك ان ابناء دارفور يدركون أن الخيارات المتاحة لهم اليوم خيارات قليلة جدا فإما أن يبقوا خاضعين لعقلية الفرقة والنزاع أو يتجهون للتوحد والتضامن لتجاوز الازمة وإلاسيدفعون الثمن غاليا إذا لم يفعلوا ذلك اليوم قبل الغد، والأخطر من ذلك اذا لم يبادروا ويتحملوا مسئوليتهم وشؤونهم بأنفسهم فلا يلومن الا انفسهم وحذارى من يقول غدا لقد فعلوا بنا كذا وعلى المسئولين عدم تجاهل الحقائق على أرض الواقع بأن هناك خصومة بين النظام و بين قطاع عريض من اهل دارفور، فالمصالحة واجبة لإعادة اللحمة الإجتماعية و تعزيز الوحدة الوطنية و قذف الماضي الى الخلف لحماية الوطن من التهديدات و الأعاصير التي تحيط به.
لقد باتت البلاد كلها أسيرة مأزق حشرَها فيه جميع أطراف الصراع الداخلي حشراً ، حشرها قادتها وزعماؤها حشراً ضيقاً حينما تنازعوا حول السلطة دون أن يفكروا في عواقب نزاعهم لم يفكروا في أي شيء إلا في الاستحواذ على السلطة والمال والجاه والنفوذ ليتحمل المواطن المغلوب على أمره معهم تبعات نزواتهم دون أن يوضع لها في كل ذلك أي حساب أو يقام لها أدنى اعتبار. ما عاد لابناء السودان غير الحوار خصوصاً أن هناك أصواتاً وضمائر حية ما زالت موجودة رغم ان هذه الأصوات ما تزال منخفضة وخافتة إزاء الأزمة .
أبو زيد صبي كلو :الصحافة [/ALIGN]
Exit mobile version