الخرطوم وباريس .. سباق التجميد والتمديد

[ALIGN=JUSTIFY]في ذات الوقت الذي كان فيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يطلب من نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه في رسالة خطية حملها مندوب فرنسا لدي مجلس الامن ,في نيويورك تجميد النشاط السياسي لوزير الشؤون الانسانية احمد هارون , واحد اثنين مطلوبين من محكمة الجنايات الدولية, كان الاتحاد الاوربي , والذي ترأس دورته فرنسا ساركوزي نفسها, وفي جنيف , قد نجح في التجديد لولاية مقررة حقوق الانسان بالسودان سيما سمر لمدة 6 اشهر بعد ان كان يطمح السودان في انهاء ولايتها التي استمرت لمدة دورتين متتاليتين في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة. وافادت مصادر دبلوماسية تحدثت (للاحداث) ان فرنسا ووجهت بضغوط من عدة دول عربية واوربية لتليين موقفها المتشدد بشروطها الاربعة التي وضعتها للحكومة السودانية حتى توافق على تعليق توجيه الاتهام الى الرئيس عمر البشير لمدة عام كامل حينما يصوت مجلس الامن على هذا القرار في مقبل الايام. وافادت المصادر التي فضلت حجب هويتها لاسباب متعلقة بحساسية الموقع الذي يتقلده ان ساركوزي ابدى مرونة حيال هذا الامر وطلب من طه تجميد النشاط السياسي للوزير احمد هارون بدلا عن تقديمه للمحكمة الدولية لمحاكمته كما اشترطت قبل وقت سابق.وفيما رفضت الحكومة المقترح الفرنسي بشأن تجميد نشاط وزيرها هارون سارع الاخير بالقول انه مايزال جنديا من جنود الوطن وانه سيفعل كل ماتطلبه القيادة الحكومية. وابلغ المتحدث باسم الخارجية علي الصادق (الاحداث) ان ليس من حق فرنسا تحديد من سيجمد نشاطه ام لا( حكومة الوحدة الوطنية هي من تعين الوزراء وهي من تقرر من يذهب من الوزارة واذا ارادت فرنسا ان تساهم في حل الازمة في دارفور فعليها اقناع رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور الذي تستضيفه على اراضيها بالجلوس الى طاولة المفاوضات. اما وزير الشؤون الانسانية احمد هارون المطلوب من المحكمة الدولية بجانب القائد بالدفاع الشعبي علي كوشيب فمازال يمارس مهامه يوميا بالوزارة التي يأتي اليها يوميا , كما انه يتقلد منصب رئيس اللجنة الوطنية لازالة الالغام , لكنه يجد معارضة من بعض الدول الغربية ومدعي المحكمة الدولية الذي قال خلال تصريحات صحافيه انه ليس من المقبول ان يكون مطلوبا من المحكمة للعدالة بتهم قتل ابرياء في دارفور , والان هو مسؤول عن تقديم المساعدات الانسانية لهم! يقول هارون (للاحداث) انه سيواصل في اداء وظيفته بصورة طبيعية ولن يلتفت الى طلب الفرنسيين او غيرهم ( لكن لو طلبت مني الحكومة الانتقال الى موقع آخر , او التوقف عن أداء الوظيفة سأتوقف في الحال!).
ويرى الخبير في القانون الدولي كمال الجزولي ان طلب تجميد نشاط هارون , وتمديد مهمة سيما سمر مرتبطة ببعضهما البعض. ويقول (للاحداث) ان الدبلوماسية الغربية دائما ماترتبط ببعض وان ماتقوم به فرنسا ينسجم تماما مع مواقف دول اوربية اخرى تناصب الحكومة العداء. (اعتقد ان فرنسا تحاول استخدام سلاح القانون في مواجهتها مع الحكومة التي يمتلئ ملفها القانوني والانساني بثغرات مرئية لكل شخص يود ان يرى).
وتأرجحت العلاقات بين الخرطوم وباريس صعودا ونزولا منذ بداية الازمة في دارفور , بيد ان المؤشر وصل الى قمة العداء مؤخرا بعدما اعلنت باريس صراحة انها ستعيق المجهودات التي تقوم بها الخرطوم لتعليق توجيه الاتهام الى رئيسها لمدة عام او اسقاطه بصورة نهائية. ثم عمدت اخيرا الى ونجحت في ذلك حسب رأي مراقبين من خلال رئاستها للاتحاد الاوربي في تمديد مهمة سيما سمر التي تمسك بملف حقوق الانسان في السودان بالرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها وزارة العدل التي ارسلت اكثر من 15 خبيرا قانونيا الى جنيف من اجل هذه المهمة. ومع ذلك فان مستشار مجلس حقوق الانسان عبد المنعم طه قد اكد ان السودان سيتعاون مع سمر خلال ستة الأشهر المقبلة. وقال (للاحداث) ان تعاون السودان مع المقررة جاء لقناعة الحكومة بانهاء هذا الملف بصورة قانونية وواضحة ( ليس لدى الحكومة ماتخفيه وسنطلب منها ان تتعاون معنا هي الاخرى في المجلس الاستشاري لحقوق الانسان وتستعين بالتقارير التي نعدها). ويعتبر الخبير بشؤون دارفور والقانوني ادريس الدومة ان الحكومة هي من فتحت باب ريح التقارير التي ترفع ضدها. ويوضح الدومة في حديثه للصحيفة عبر الهاتف ان احداث معسكر كلمة التي راح ضحيتها اكثر من 30 شخصا غير مبررة , ثم ان العمليات العسكرية التي تقوم بها حاليا في دارفور , ومهما كانت دوافعها واسبابها فهي لاتأتي بخير لها (بعد ان اعلن الرئيس البشير مبادرة اهل السودان كان الجميع يتوقع ان تتوقف اعمال العنف او تقل على اقل تقدير , لكن ماحدث كان العكس تماما , وهي ذريعة للمنظمات الحقوقية العاملة في دارفور لتقول ان الحكومة غير جادة في العملية السلمية). وربما ما يعضد حديث الدومة هو الطلب الذي تقدم به لويس مورينو اوكامبو مدعي المحكمة الجنائية الدولية قبل اسبوعين عندما طلب تفاصيل ماحدث في معسكر كلمة ليقرر ان كانت الاحداث هي جزء لايتجزأ من عريضة دعواه ضد الرئيس البشير. وفيما رفضت الحكومة هذا الطلب رفضا باتا بل ان المتحدث باسم الخارجية قال انها تطاول من مدعي المحكمة على الشؤون الداخلية للبلاد , وقال ان السودان مازال في موقفه الرافض بالتعاون مع الجنائية , الا ان الدومة يعتبر ان تلك الاحداث التي في كلمة ولاحقا في معسكر زمزم بشمال دارفور ثم العمليات العسكرية بدارفور , كشفت ظهر الحكومة بالرغم من الجهود والترتيبات الكبيرة التي قادتها ومازالت تقودها حتى الآن لتثبت للعالم انها جادة في التوصل لسلام في دارفور.
وتخشى الحكومة ان تتعاون سيما سمر , الافغانية الجنسية , مع مدعي المحكمة الجنائية الدولية بطريقة ما او باخرى, خاصة وانها تعتقد انها حققت انتصارا لنفسها بالتجديد مرة اخرى , وقالت خلال تصريحات نقلت عنها انها ستحاول ما بوسعها من اجل الا يستمر عمليات الافلات من العقاب والاغتصاب في دارفور. ومصدر خوف الحكومة هو انها تقول مرارا وتكرارا انها تتحامل عليها من خلال تقاريرها الدورية , وربما تعزز هذه المخاوف ماصدر من مدعي المحكمة نفسه عندما اكد في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية انه لن يرضخ للضعوط التي تمارس عليه من اجل ان يوقف ملاحقته للرئيس البشير قضائيا بعد تكاثر المطالبين بايقاف اجراءات المحاكمة . وقال انه سيجلس الى قضاة المحكمة لاعطائهم مزيدا من الادلة في مطلع اكتوبر من العام الحالي, مشيرا الى انه سيتعاون مع كل الاطراف التي تريد ان تعينه في عدم الافلات من العقاب.
ازاء ذلك , يبدو جليا ان المعركة الدبلوماسية والقانونية بين الحكومة ومؤيدي المحكمة الجنائية وصلت الى نقطة لايمكن التراجع عنها خاصة وان نائب رئيس الجمهورية علي عثمان طه الذي يقود الوفد الحكومي داخل اروقة الامم المتحدة قد استنفذ كل كروته واوراقه ولم يتبق له الا التعويل على الاصدقاء والمؤيدين للحكومة السودانية , غير ان المحلل السياسي صفوت فانوس يعتقد ان بامكان الحكومة القيام بخطوات حازمة وسريعة اذا ارادت ان تنجح في كسب معركتها هذه. ويقترح فانوس الذي كان يتحدث معي عبر الهاتف على الحكومة القبول وبلا شروط بمقترح الجامعة العربية بالسماح لقضاة من دول اوربية وافريقية وعربية بالمشاركة في المحاكمات الخاصة لمرتكبي جرائم الحرب في دارفور , ثم تمضي الحكومة الى ابعد من ذلك بتقديمها للوزير احمد هارون والقائد بالدفاع الشعبي علي كوشيب لمحاكمات علنية وعادلة , ثم والحديث لفانوس ايقاف العمليات العسكرية على الاقل في الوقت الراهن , واخيرا العمل على تعويض اهل دارفور من المتضررين في المعسكرات الامر الذي قد يجعلها تكسب مناصرين لها في تلك المعسكرات. لكن يبدو ان مقترحات فانوس قد تجد العديد من العقبات في ظل وجود مسلمات تعمل بها الحكومة حاليا واقلها ما قاله الرئيس نفسه ان الوزير هارون لن يستقيل ولن يقال من منصبه ولن يقدم الى المحكمة!
محمد عثمان عمر :الاحداث [/ALIGN]
Exit mobile version