وآخر تلك الجسور جسر توتي المعلق الذي بات يمثل بوابة الانفتاح لجزيرة ظلت معزولة عن محيطها العاصمي لقرون، وجسر توتي بنى على نسق الجسور التركية في أسطانبول وشبيه بتلك التي تصل بين جزر مضيق البيسبور، وجسر توتي المعلق يبعث في النفس معنى أن تحلق عاليا دون أن تلامس قدماك الارض ، وفي الحقيقة انه الاحساس الاول الذي لازم البشر بالتحليق والطيران.
واذا كانت مهمة الجسور في الاصل هى وصل من قطعت بينهم الانهار، فإن جسر توتي بات يمثل جسرا لتدعيم العلاقات بين الاسر السودانية، وفي ظل ظروف اقتصادية متغيرة وظروف عمل معقدة اصبح من الصعب على العائلات في العاصمة ان تلتقي وتعيد ترميم علاقاتها وتربط افرادها في شكل علاقات ممتدة ولصيقة، لذلك وجدت العائلات فرصتها تحت ظلال الجسر المعلق ومناظر الطبيعة الخلابة دون ان تكلف نفسها أية نفقات، وساهم قرب الجسر من وسط الخرطوم في تقليل تكاليف الترحيل.
ويقدم جسر توتي الفرصة لجموع الشباب في الالتقاء مع اقرانهم ومناقشة آمالهم وطموحاتهم في الهواء الطلق، فهنا تحت الجسر تجد من يخطط لسفره خارج البلاد ويساعده اصحابه في وضع خريطة الطريق وما سيواجهه في بلاد الاغتراب، وغير بعيد عنه تجد من يضع مسودة مشروع تخرجه وسط زملائه الذين يكونون بمثابه عصف ذهني لخطوات المشروع والعقبات والنتائج التي يحققها.
وفي الجانب الآخر من الجسر المعلق في الهواء تجد من تعلقت روحه بمن يحب، حيث يشكو الى كوابل الجسر الفولاذية مدى ضعفه امام من يعشق، وقد تجد من وضعا اولى لبنات بناء عش الزوجية متأملين قوة الجسر الذي ظل معلقا على برجين وكأنه يمثل واقع محبتهما القوية وسيواجهان باخلاصهما مزالق الزواج في ظل ظروف متغيرة.
ويوفر الجسر فرصة للعيش الكريم لمن اضطرتهم ظروف حياتهم، بسبب فقدان الزوج الرحيم او الاب الرؤوف، للعمل بمهنة بيع الشاي ، ويبلغ الجسر بكرمه الى الصبيان الصغار ممن يعملون لحماية عائلاتهم من ذل السؤال أعطوهم أو منعوهم.
حقاً أنك شيدت أيها الجسر المهيب لتصل سكان توتي بالخرطوم، بيد أنك منحتنا الفرصة لندرك معاني الوصل بين عوالم متباينة.. وبكوابل فولاذك العنيد حملت لنا الأحلام الوردية وترميم العلاقات التي شرختها ظروف المدينة الصاخبة. صحيفة الصحافة
عبد الوهاب جمعة