قضيت في قطر عاما بالتمام والكمال أي 365 يوما، وتركتها، ولكن “الحي مصيره يلاقي” كما تقول الأغنية السودانية المعروفة (أعني أنني عدت إلى قطر مرة ثانية لأقضي فيها آلاف الأيام وأسأل الله أن يمد في أيامي وأبقى فيها حتى أشهد مباريات بطولة كأس العالم لعام 2022، أنا مفتري.. صح؟).. المهم، كنت قد صادقت خلال فترة عملي في أرامكو شابا سعوديا ما لاقيت في حياتي من هو أنبل أو أذكى أو أنقى منه، وكان أصغر مني سنا ولكنه يعمل مديرا لتحرير صحيفة اليوم التي تصدر في الدمام وكنت أترجم لها مقالات من المطبوعات الأمريكية والبريطانية وتوثقت علاقتي به.. هو صالح العزاز الذي خطفه الموت قبل سنوات قليلة.. اتصلت بصالح وقلت له إنني متوجه الى أبوظبي و”لازم وضروري تجي الدوحة تسافر معي الى أبوظبي”، وكما توقعت فقد أتى صالح الى الدوحة وسافرنا سويا الإمارات.. كان الغرض من مرافقة صالح لي هو أن يساعدني في عملية “تهريب” وكان في ذلك استغلال لكونه “خليجيا” وبالتالي كان احتمال تعرضه للتفتيش ضئيلا.. وتحمس صالح للفكرة من باب رد الجميل فقد سبق لي أن أوصلت اليه بضائع قمت أنا بتهريبها، وفي الحالتين كانت البضاعة “كتبا”، وكانت كل الدول العربية وقتها تشهد رقابة سخيفة وثقيلة على المطبوعات، وكتبت من قبل عن مصادرة سلطات الجمارك في عاصمة خليجية لأطلس كنت أحمله.. سألتهم: يا جماعة الأطلس كمان فيه فكر هدام مستورد؟ قالوا: لا، بس في الخرائط مكتوب اسم إسرائيل.. قلت لهم: بسيطة.. امسحوا إسرائيل الحقيقية من وجه الأرض وستختفي تلقائيا من الأطلس.. وكنت أملك كتبا قيِّمة ليس بينها ما يستحق المنع والمصادرة ولكن جماعة الجمارك في ذلك الزمان كانوا يلعبون ع المضمون ويصادرون جميع الكتب ويطلبون منك مراجعتهم بعد نحو أسبوع بعد ان يفحصها الرقيب ويقرر تسليمها او مصادرتها أو نزع بضع أوراق منها.. المهم أن صالح العزاز عبر الحواجز وكتبي في حقيبته، وفي مطار ابوظبي استقبلني مندوب عن مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر وقادني الى فندق ستراند المطل على شارع المطار القديم قبالة مبنى البريد.. وكانت أبوظبي تشهد أزمة مساكن أكثر استفحالا من تلك التي كانت تشهدها الدوحة فأقمت بالتالي في الفندق قرابة شهرين ماكل وشارب ببلاش، ولكنني كنت مستاء، لأنني لا استطيع استقدام أسرتي ما لم أحظ بسكن عائلي، وجاء الفرج بعد ان استقال أحد أبناء الإمارات العاملين في المؤسسة فأعطوني الشقة التي كان يقيم فيها.. ثم وقعت في ثاني خطأ مالي في حياتي.. كان الأول عندما وصلت الى مطار الظهران لأول مرة للالتحاق بأرامكو فأعطوني في المطار “نثريات” 3000 ريال وبدلا من أضعها في جيبي وأعود الى السودان واصلت العمل.. ولكن الخطأ الذي ارتكبته في أبوظبي كان أفدح فبمجرد حصولي على شقة أعطوني 35 ألف درهم بدل أثاث.. وبكل هبالة وعباطة اشتريت بها “أثاثا”، بدلا من السفر فورا الى السودان! ومازلت الى يومنا هذا أناضل لتوفير ما يعادل ذلك المبلغ.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com