كان اللحم في أسواق الدوحة يباع في لفائف بلاستيكية شفافة وبأسعار مختومة عليها سلفا من قبل البلدية، وكانت علبة النيدو الكبيرة تباع بنحو ثلاثة دولارات (سعرها اليوم نحو 22 دولارا)، وكان هناك مكتب للبلدية يراقب التسعيرة في سوق الخضروات، وكان الخبز (ومازال) أرخص السلع الضرورية في قطر.. على كل حال كان الألف ريال كافيا لإعاشة أسرة صغيرة بمستوى معقول إذا أخذنا في الاعتبار مجانية التعليم والخدمات الطبية، والأهم من كل ذلك أن أهل قطر ودودون وطيبون، وظلت الجالية السودانية في قطر تحظى بالاحترام والتقدير لأن من “أسسوها” في قطر كانوا من المهنيين ذوي السمعة الحسنة والمكانة العالية، وما زالت تلك الجالية من اكثر الجاليات ترابطا بين الجاليات السودانية في مختلف المهاجر.. عندما وصلت الى قطر لم يكن عدد السودانيين بها يتجاوز الألفين، واعتقد ان عددهم اليوم ناهز الـ 25000، والحبل على الجرار، وقد كتبت في الصحف القطرية منبها الى ان السودانيين صاروا في السنوات الأخيرة مولعين بتشكيل حركات التحرير، ولدينا اليوم نحو 8 تنظيمات كل واحدة منها تحمل اسم “حركة تحرير السودان..” حتى لتحسب أن هناك عدة سودانات في العالم، وكل واحد منها يطالب بنصيب في السلطة والثروة، وفي قطر حي ضخم وفخم يحمل اسم السودان، فهل يستبعد ان يقوم سودانيون من النوع “المفتري” برفع شكوى الى الأمم المتحدة بزعم أن ذلك الحي كان جزءا من السودان، ثم انتقل الى منطقة الخليج إثر عاصفة ترابية رعدية او تسونامي ثم يطالبون بتحريره أو بنصيبهم من الثروة فيه؟
بعد تركي العمل لدى أرامكو أتيت الى قطر وعملت فيها عاما واحدا بالتمام والكمال، أي بالضبط 365 يوما، ثم انتقلت الى ابوظبي، ولكنها كانت سنة حافلة بالانجازات، فقد شاركت في الجهود الجبارة التي بذلها ناصر العثمان لتحويل جريدة الراية من أسبوعية الى يومية، ونشف ناصر ريقي بالمواد المطلوبة للترجمة، فقد كان يميل الى تخزين المواد التحريرية لساعة “عوزة” أو “زنقة” لأنه لم يكن يحب المفاجآت غير السارة كأن يتأخر صاحب عمود صحفي راتب في إرسال مقاله، فتنشأ الحاجة الى مادة مقروءة جاهزة عوضا عن “مكلفتة”.. وأصبحت مكلفا بتحرير الملف “العلمي” لمجلة الدوحة، ولكن أكبر معاناة خلال تلك الفترة كانت مع التلفونات: فقد كانت قائمة الانتظار لتركيب التلفونات طويلة ولتجري مكالمة دولية كان لابد من الذهاب الى مقر شركة كيبل آند وايرلس في شارع مشيرب وتقف في صف طويل في انتظار دورك (وكان واسطة السودانيين اريتري اسمه “جميل” يعمل في مكتب الهاتف).. ثم دارت الأيام وصرت موظفا بتلك الشركة بعد تأميمها، وصار ممكنا تزويد المشترك بالخدمة الهاتفية بعد 36 ساعة من تقديمه لطلب الخدمة.. بركاتك يا سي دي أبوالجعافر.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com