المهم: بعد السلام والذي منه سألني أستاذي الشوش ماذا فعل الزمان بي فحكيت له عن تجربتي في مجالات التدريس والترجمة والتلفزيون، فما كان منه إلا أن صاح: الله جابك لي .. أنا مزنوق في مادة عملية ضرورية للعدد الجديد للمجلة، وسأعطيك المادة لتترجم لي منها صفحة أو اثنتين لأحكم على مستوى الترجمة وأقرر ما إذا كنت قادرا على ترجمة المادة بأكملها (وكانت ملفا كاملا).. ودعته وطلبت من مرافقي ان يوصلني الى بيت صديقي عثمان حمور الذي كان هو وعائلته وقتها في السودان، وكان كما ذكرت في مقال سابق قد أعطاني مفتاح بيته عندما أتاني بتأشيرة دخول قطر في الخرطوم، وهناك جلست على طاولة الطعام، في نحو الساعة العاشرة ليلا وعندما فرغت من ترجمة الملف (وليس صفحة او صفحتين) كانت الساعة قد بلغت العاشرة صباحا، وركبت سيارة أجرة وذهبت الى مقر المجلة وقدمت أوراق اعتمادي للشوش وكان اول رد فعل منه الصياح: شنو ده؟ فقد قدمت له عشرات الأوراق بخط يدي وليس مجرد عينة، وشرع يقرأ ما كتبته ثم أطلق واحدة من ضحكاته الطفولية المجلجلة ثم صاح: أنا مش قلت لك تترجم صفحتين بالكتير؟ قلت: طلبت مني ذلك لأنك لم تكن واثقا من قدراتي وتجاهلت طلبك لأنني واثق من قدراتي.. فوصفني بأنني “لميض” وتعني الشخص اللجوج طويل اللسان، ثم قادني الى مكتب آخر وقال لهم: الزول ده ترجم كذا وكذا صفحة واعطوه المكافأة الآن.. وهكذا وقبل إكمال 24 ساعة في قطر كان في جيبي كذا ألف ريال، وكالعادة كان أول ما فكرت فيه هو تحويل بعض المال الى زوجتي بأسرع ما يمكن لتطمئن إلى أن اوضاعي في قطر بـ “خير” وأنني بدأت مشوار المليون ريال (وما زلت في قطر لأكمل ذلك المشوار).
كانت تلك فترة “عز” المترجمين، فقد كانت مجلة الدوحة تدفع 150 ريالا عن كل صفحة مترجمة، ولاحقا ترجمت مستندات كثيرة بنفس التسعيرة لسفارتي اليابان وكوريا الجنوبية في قطر.. ولم أحظ بوظيفة ثابتة في مجلة الدوحة فقد كان من مصلحتي أن أعمل معها كمترجم متعاون وأتقاضى منها بضعة آلاف شهريا، ثم استعانت بي صحيفتا الراية وجلف تايمز في مجال الترجمة، فصار دخلي العشوائي قرابة 7 آلاف ريال شهريا وهو مبلغ مهول في ذلك الزمان.. ثم اجتزت اختبارا لهيئة اليونسكو القطرية (كمترجم) وطلبوا مني ان أذهب الى القاهرة لأختم تأشيرة العمل لعدم وجود تأشيرات من ذلك النوع في السفارة القطرية في الخرطوم، فذهبت الى القاهرة وختمت التأشيرة على جواز سفري، وتوجهت الى المطار وأنا أرقص طربا: جيبي مليان دولارات، وعندي عقد عمل بشروط مجزية.. وركبت الطائرة ونزلت مطار.. الخرطوم.. يعني لم أتوجه الى الدوحة للشروع في العمل في اليونسكو بل شدني الشوق الى وطني وأسرتي وأمضيت في الخرطوم شهرا وأنا سعيد بصحبة وليدي الصغير ثم سافرت الى الدوحة لأكتشف أن الوظيفة اليونسكوية طارت.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com