بداية الحقبة “القطرية”

[ALIGN=CENTER]بداية الحقبة “القطرية” [/ALIGN] عملت عدة أشهر في مدرسة الكنيسة الأسقفية الثانوية للبنات في أم درمان، وكان معظم الطالبات فيها من المسلمات، والبقية مسيحيات من أصول قبطية أو جبال النوبة وجنوب السودان، وكان العمل فيها منضبطا جدا، ومستوى استيعاب الطالبات للغة الإنجليزية التي كنت أدرسها عاليا، لكون معظمهن درسن المراحل السابقة في مدارس تبشيرية/ كنسية، لغة التدريس فيها الإنجليزية، وذات نهار وأنا أقوم بالتدريس شعرت بحكة في عيوني، وبحكم الخبرة عرفت السبب، فلأنني كنت طوال حياتي الطلابية غاوي مظاهرات فقد كنت قادرا على تمييز وشمّ رائحة الغاز المسيل للدموع حتى في المشاهد السينمائية، وطلبت من الطالبات أن يلزمن أماكنهن وتوجهت الى مديرة المدرسة الكندية التي كانت لا تعرف سببا لجريان دموع عينيها وقلت لها: الشرطة تستخدم الغاز المسيل للدموع في مكان ما قريب، ولابد ان هناك مظاهرات ضد حكومة نميري في منطقة سوق أم درمان، فامنعي خروج أي بنت من المدرسة تحت أي ذريعة واطلبي من كل واحدة منهن أن تبل قطعة من القماش بالماء لحماية عينيها بها لأن الغاز سيتكاثر في الجو،.. وكانت تلك ما تمت تسميتها بانتفاضة شعبان الطلابية ضد حكم نميري، وبالفعل انتشر آلاف الطلاب في الحواري القريبة من المدرسة والشرطة تطاردهم، وأحكمنا إغلاق أبواب المدرسة وظللنا وبناتنا نعطس وندمع نحو أربع ساعات حتى هدأت الأمور قبل حلول المساء بقليل.
ذات عصرية كنت أشق سوق الخرطوم بحري، عندما وجدت نفسي وجها لوجه مع عثمان عوض حمور زميلي في مدرسة وادي سيدنا الثانوية، الذي كان قد دخل كلية الشرطة وصار ضابطا، (وصار الآن صيدلانيا بالعافية يفتي في شؤون العقاقير الطبية ويغشى المعارض والمؤتمرات الصيدلانية) وكان وقتها معارا لدولة قطر، وسألني عثمان عن أحوالي وحكيت له تجربتي مع أرامكو ثم عودتي الى السودان والتحاقي بالعمل في مدرسة ثانوية للبنات، فسألني: وليه ما تمشي دولة قطر تشتغل هناك؟ فقلت له: وقطر دي بعد كوبري النيل الأزرق عشان أروح اشتغل فيها بمزاجي؟ فقال: بلاش فصاحة.. الأمور في البلد ستسير نحو الأسوأ ولو عندك رغبة تجرب حظك في قطر سأزودك بتأشيرة دخول إليها.. وتفارقنا.. وبعد اسبوع بالضبط جاءني في البيت ومد لي ورقة وقال: دي تأشيرة زيارة لقطر.. ودي مفاتيح بيتي في الدوحة لأن زوجتي وعيالي معي في السودان لبعض الوقت فاذهب الى هناك وستجد شرطة سودانيين في المطار يدلونك على بيتي، وسألحق بك قريبا.. ولم تكن إجراءات الدخول لدول الخليج وقتها معقدة، وهكذا ركبت الطائرة متوجها الى قطر مسلحا ببعض الدولارات التي عدت بها من أرامكو، وأنا لا أعرف شخصا واحدا فيها.. وفي مطار الدوحة فوجئت بشرطي في أسفل سلم الطائرة يحدق في وجهي مندهشا فسألته: أنت محمود؟ وتلقاني بالأحضان.. كان هو محمود عبد الهادي عبد الله.. تربطنا قرابة من الدرجة الأولى وبيتهم يلاصق بيتنا في بدين.
كان عدد السودانيين في الدوحة محدودا وكان معظمهم يعمل في الشرطة وهكذا وجدت نفسي محاصرا بعدد منهم وبأسئلتهم في المطار، ووجدت نفسي أتناول الغداء في بيت جعفر محمد عبد الرحيم، وكان برتبة مقدم في الشرطة (حاليا المستشار القانوني للخطوط القطرية) وعندما طلبت توصيلي الى منزل عثمان حمور صاح كثيرون في وجهي: عيب يا رجل تقعد في بيت “فاضي” ونحن هنا، وتقرر أن اترك حقيبتي في بيت صديقي عثمان على ان أبقى متنقلا بين بيوت من تباروا لاستضافتي.. وفي المساء اصطحبني نفر منهم لزيارة الدكتور محمد ابراهيم الشوش وكان عميد كلية الآداب التي درست فيها وجاء الى الدوحة رئيسا لتحرير مجلة الدوحة .. أشهر وأنجح مجلة ثقافية وأدبية وأكثرها رواجا.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com

Exit mobile version