مرة أخوك المسكينة دي .. شايفة قاعدة تغسل الهدوم في الليل ده وانتوا كلكم ملبدين في أوضكم من شدة البرد!!
قالت (مها) دون اهتمام:
ما تغسل كان غسلت .. نحنا مقسمين الخدمة بينا .. وخلينا عليها غسيل الهدوم .. احسن ليها تغسل بالليل .. الحركة ذاتا بتدفي.
انتوا حُرّين .. بت الناس دي الله بيسألكم منها .. من عرستوها وجبتوها هنا ما حصل يوم جيت داخل البيت ما لقيتا شغالة .. يا بتخدم في المطبخ ولا بتقش ولا بتغسل .. ياخي من كترة مسح البلاط مش اجهضت قريب؟
نفت (مها) بشدة:
هييي مسح شنو كمان السقّط ليها جناها؟ .. كلنا قاعدين نخدم في الحمل وترانا ولدنا ولادتنا كلها .. وما جاتنا عوجة .. براها الله ما قاسم ليها فيهو نصيب …. واصلت التمتمة بصوت متشكك:
ثم تعال هنا يا اخوي .. الحنّية الكاسرة قلبك عليها شنو؟؟ كان عيّنتك ليها محامي؟!!
قال (خليل) في غضب:
قالوا الما بتريدو خاف الله فيهو .. حقو تبطلوا الافتراء وترحموا بت الناس دي شوية.
مرّ عام كامل على زواج (حسن) من (سلمى) وانتقالها للعيش معهم، وعبر مرور الايام والشهور تبدل الحال بـ (سلمى) من الاستبشار بالحياة الجديدة، للشعور بالقنوط واليأس من أن تعيش حياة هادئة هانئة كغيرها من الناس، فبعد مضي الايام الاولى من الزواج تحول الترحاب الذي قابلها به اهل البيت في البداية بما فيهم (حسن)، وتغير إلى جفاء وسوء معاملة، رغم انها لم تدخر وسيلة يمكن ان تقربها من (خديجة) وبقية افراد الاسرة دون تستخدمها .. كانت تستيقظ في الفجر قبل الجميع ولا تنام قبل أن يرقد آخرهم على سريره .. وكانت تقضي نهارها جريا تحت اقدام (خديجة) تحمل عنها وتساعدها في شئون البيت، ولكن بدلا عن ان يزيدها التفاني في خدمتهم قيمة ويعليها في اعينهم، صارت خدماتها واجبا لا تفضلا، وتقاعسها عن الخدمة تقصيرا يستوجب الزجر والتقريع.
في البدء كانت تلزم نفسها بالصبر عساها تفلح في تلين القلوب وتتمكن من ان تجعل لها بينهم موقعا، إلا أنها بعد فقدانها للحمل نتيجة الاعمال الشاقة التي كانت تؤديها زاد قنوطها، فقد فرحت بالحمل واستبشرت بانها سوف ترزق بمن يملأ عليها الحياة ويعوضها العنت والشقاء الذي تعيشه، ولذلك كان فقدها له بمثابة القشة التي قصمت ظهر صبرها الطويل، فصارت تشكو لـ (حسن) معاناتها من سوء معاملة امه واخوته وهوانها عليهم، إلا انه كان يضيق ذرعا من شكواها فهو لا يمتلك المقدرة على مواجهة والدته بتسلطها وشخصيتها القوية ولا يستطيع مراجعة طريقتها في معاملة زوجته، ولا يرغب ايضا في أن يصدع نفسه بـ (سلمى) التي لم تعد ذات فائدة له، بعد تصرفه في بيت عمه بالبيع وتجريدها من كل ما تركته لها (الرضية) من ذهب ووديعة مالية في البنك .. فقد اقنعها بمشاركته في مشروع استثماري مضمون فقامت طائعة بسحب الوديعة وبيع الدهب وهي تبكي فقد كان ذكرى من والدتها وقد اوصتها بعدم التفريط فيه لاي سبب.
التقت إرادة (حسن) بإرادة أمه وأخواته بضرورة التخلص من (سلمى) دون حتى أن يتناقشوا أو يتفقوا على ذلك، وخاصة بعد فقدها للجنين فقد انتبهوا لخطورة ان يكون لهم ابناء من أم مجهولة النسب، وجاءت الفرصة عندما كانت (سلمى) منهمكة في تحضير العشاء ذات مساء فدخلت عليها (خديجة) المطبخ تستعجلها:
خفي يدك .. تتمحركي ليك ساعة ما قادرة تمرقي ليك صينية عشا؟ .. ثم انتبهت لصحن البيض المقلي الذي صنعته (سلمى) وواصلت الكلام:
هيييي يآآآآآ (بت الحلال) .. انا ما قلتا ليك البيض اسلقيهو .. قلبك وين؟؟
تفجرت دموع (سلمى) وقالت:
ما قلتي لي اسلقيهو يا عمتي .. وبعدين انتي كل مرة قاعدة تطاعنيني بـ (بت الحلال) قايلاني ما فاهماك يعني؟
تفاغمت المشكلة بعد ذلك لتطرق (سلمى) الباب على اسرة خالتها (ثريا) وحيدة بعد منتصف الليل .. وعندما فتحه زوجها (مصطفى) اندفعت لصدر الخالة المفزوع وهي تبكي .. لم يهتم (حسن) بإيصال (سلمى) لمأمنها بعد خروجها في الليل غاضبة واكتفى بارسال ورقة الطلاق لها بعد اسبوع من ذلك.
استغربت (سلمى)عندما طرق عليهم الباب (خليل) زوج (مها) بعد مرور حوالي الاربعة اشهر على طلاقها من (حسن) .. شعرت انه جاء يسعى للصلح بينها وبين (حسن)، ولكن ما طرحه عليهم هي وخالتها وزوجها اصابهم بالحيرة .. فقد اخبرهم بانه يحترم (سلمى) ويقدرها لانه كان يتابعها منذ نشأتها في بيت حاج (اللمين) وحتى زواجها ثم طلاقها من (حسن)، فلم يجد عليها غير حسن الخلق والاستقامة والطيبة، ولقد كان يؤلمه اشد الألم رؤية معاناتها في بيت نسابته وسوء معاملة (خديجة) التي عانى منها هو ايضا .. فرغم استطاعته وقدرته المالية رفضت السماح له بالانفصال مع زوجته وابنائه في بيت منفصل حتى تضمن وجود كل ابنائها تحت رعايتها وسيطرتها .. ختم مرافعته الطويلة بمفاجأة عندما طلب يد (سلمى) لنفسه ووعد ان يرعاها بعيونه ويحملها على كفوف الراحة.
طلبت منه (سلمى) المذهولة فرصة للتفكير، قبل ان ترد على طلبه وقضت ليلتها ساهرة تسأل نفسها:
ليه لا يا بت؟؟!!!
[/ALIGN] صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com